الصاروخ البالستي اليمني: هل تتجرّأ السعودية على تشكيل لجنة تحقيق دولية؟
تتوالى الاتهامات السعودية لليمنيين، وتحديداً حركة حركة أنصار الله باستهداف مكة بصاورخ بالستي.آخر هذه الإتهامات صدرت على لسان المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد شيخ أحمد الذي اعتبر ما حصل يمسّ بمشاعر المسلمين.
ويأتي اتهام ولد الشيخ، الذي بات يوُصف بالمبعوث السعودي، بعد تفنيد الخارجية البريطانية المزاعم السعودية التي تحدثت عن استهداف الجيش اليمني لمكة المكرمة، مؤكدةً أن الصاروخ الذي أطلقه الجيش اليمني قبل أيام كان يستهدف مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة وليس مكة المكرمة كما قالت السعودية.
البعض ذهب إلى أبعد من ذلك، ليردّد مزاعم أمريكية سابقة متّهماً إيران بالوقوف خلف عملية الاستهداف. “أبلغ” تعبير عن هذا الأمر نقله الكاتب السعودية في جريدة “الحياة” “راشد صالح العريمي” الذي عنوَن مقاله بـ” القفاز الحوثي واليد الإيرانية”، وجاء فيه: “الأيدي الآثمة التي أطلقت صاروخ «سكود» على مكة المكرمة لم تكن أيدي الحوثيين وحدهم، بل ان إيران هي من استهدف البلد الحرام وسعى إلى تدمير أقدس البقاع الإسلامية، لولا أن حالت يقظة رجال القوات المسلحة السعودية بينهم وبين هدفهم الخبيث”، على حدّ تعبيره.
يقول المثل العربي “الكذبة تتضح من عنوانها”، فلا ندري لماذا تقدم القوّة الصاروخيّة اليمنية على استهداف مكّة رغم إدراكها المسبق أن أي خطوة مماثلة تعطي للسعودية أهدافها من العدوان، فضلاً عن تأليب الرأي العام، اليمني والعربي والعالمي، ضدّهم. فباكستان التي رفضت الدخول في عاصفة الحزم في آذار العام 2015، أكّدت أنها لن تسكت في حال تعرّضت المقدّسات الإسلامية لأي خطر، وهذا ما أرادته السعودية اليوم وهو استمالة تعاطف البسطاء من المسلمين، والمجتمع الدولي، فكيف للحركة اليمنية التي لا تستهدف المدنيين السعوديين، أن نستهدف الأماكن المقدسة؟. تاريخيّاً، لطالما كان الشعب اليمني من أحرص الشعوب على المقدسات، وتحديداً مكة المكرمة والمقدسة والغالية على كل قلب يمني ومسلم.
قد يخرج البعض محاولاً تبرير الاتهامات السعودية بالحديث عن استهداف وقع بالخطأ، إلا أن ” القوات المسلحة السعودية حالت دون ذلك”، لكن التدقيق الواقع العسكري يؤكد أن الصواريخ اليمنية لم تخطئ وجهتها بدءاً من صاروخ التوشكا الذي استهدف معسكر تداوين في مأرب وقضى على أكثر من 180 من مرتزقة العدوان، مروراً بصاروخ “قاهر1” البالستي في باب المندب والذي أدّى إلى مقتل العقيد السعودي، عبدالله السهيان، وقائد المعسكر في باب المندب العقيد الإماراتي، سلطان بن هويدان، وهما أعلى شخصيتين عسكريتين اعترف “التحالف” بمقتلهما منذ بدء العدوان في شهر آذار الماضي، إضافةً إلى 25 سعودياً، 19 إماراتياً، 12 سودانياً، 12 مغربياً، و48 من العملاء”، وصولاً إلى عشرات الضربات التي طالت العمق السعودي ولم تؤدي إلى مقتل حتى مدني واحد من خميس مشيط إلى
قد يحق للبعض طرح فرضيّة جديدة عنوانها أن “الخطأ قد حصل بسبب المسافة الجغرافيّة”، لنطرح جملة من الأسئلة: أولاً لماذا لم تحدّد القوات السعودية نقطة استهداف الصاروخ، وإذا كانت “صعدة” منصّة الإطلاق، وجدّة موقع إسقاط الصاروخ (لو فرضنا أن الصاروخ قد أُسقط بالفعل) فكيف تكون مكّة وجهة الاستهداف؟ إحداثيّة مكّة الجغرافيّة هي (21.41667°N 39.81667°E)، في حين أن إحداثيّة مطار عبد العزيز الذي يبعد حوالي 65 كلم عن مكّة هي (21°40′46″N 039°09′24″E)، وبالتالي من المحال أن تكون وجهة الصاروخ هي مكّة اذا كانت منصّة الإطلاق هي “صعدة” (تكفي مراجعة سريعة للخريطة الجغرافيّة لتحقّق من ذلك). نعم، ربّما تصحّ الروية السعودية إذا كانت منصّة الإطلاق في السودان أو مصر أوشمال غرب السعودية!
لا ينتابنا أي شك، وبناءً على التجارب السابقة، أن السعودية تقامر بالدين تماماً كما هو الحال في السياسة، ولكن حتّى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود لكافّة الذين تنتابهم أي شكوك حول وجهة الصارخ، ندعو لتشكيل لجنة خبراء عسكرية دولية ومحايدة تقطع الشكّ باليقين حول وجهة هذا الصاروخ بالنسبة لهؤلاء رغم أن التاريخ والحاضر يؤكد عكس ادعاءاتهم.
إن “داتا” المعلومات في الرادارات العسكرية تحدّد نقطة الاستهداف (خط الطول، بالإضافة إلى دائرة العرض، والارتفاع عن سطح الأرض)، كذلك، هو الأمر في كافّة المنظومات الصاروخيّة، حينها تتّضح نقطة انطلاق الصاروخ، ونقطة الاستهداف، ومقصده. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ترضى السعودية بتحقيق دولي محايد؟ الدولة التي رفضت بفتح تحقيق بعد كارثة منى التي راح ضحيّتها ألاف المسلمين، لا بل بارك حينها الملك لولي عهده بنجاح موسم الحج، كيف لها أن ترضي اليوم بهكذا تحقيق؟ السعودية التي قصفت طائراتها “الصالة الكبرى” تنصّلت من الجريمة وحمّلت حينا “جهة تابعة لرئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية” مسؤولية الحادث، فكيف لها أن ترضى بتحقيق محايد؟. إن كل هذه الوقائع تؤكد ما أسلفنا أن السعودية “تقامر” بالدين، وتستخدم الصاروخ اليمني كـ”قميص عثمان” جديدة بعنوانه المكّي.
لا نستغرب أن تقدم السعودية اليوم على خطوات أبعد من تلفيق التهم، بل ربّما تعمد وفي سبيل تحقيق أهدافها من العدوان على اليمن إلى استهداف مكّة (أي منطقة قريبة الحرم المكّي)، لتأليب الرأي العام العالمي على اليمنيين، ولكن “حبل الكذب قصير”.
المصدر / الوقت