خيبة أمريكا تدفعها للبحث عن دورٍ لها ولحلفائها في عملية تحرير الرقة!
في زحمة الإنجازات التي تعيشها المنطقة، والتي يبدو وبوضوح غياب الدور الأمريكي عنها أو حتى غياب دور حلفاء واشنطن في المنطقة، خرجت تصريحات المسؤولين الأمريكيين لتُعلن أن البدء في عملية تحرير الرقة جارٍ الإعداد له وهو ما سيحصل خلال أسابيع. في حين قام حلفاء واشنطن وتحديداً تركيا والسعودية، بالترحيب بالعملية، وهي الأطراف التي لا تختلف في سلوكها عن السلوك الأمريكي في المحاولة لفرض أي دورٍ نتيجة غيابهم عن مشهد الإنجازات المتتالية التي يحصدها الحلف الروسي الإيراني السوري وبالتالي محور المقاومة. فماذا في الإعلان الأمريكي؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
الإعلان الأمريكي والترحيب التركي والسعودي
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية نيتها بدء عمليات استعادة مدينة الرقة من قبضة تنظيم داعش الإرهابي خلال أسابيع. وبحسب ما نقلت وكالة “فرانس برس”، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “بيتر كوك” منذ يومين، بأن واشنطن تشعر بضرورة إبقاء الضغط على تنظيم داعش خلال هذه اللحظة المهمة حيث تلفحهم حرارة العمليات في الموصل بحسب تعبير كوك. ولفت الى أن جهود تحرير الرقة ستبدأ كما أعلن وزير الدفاع آشتون كارتر خلال أسابيع. وهو ما اعتبره أنه سيُشكل فرصة لكافة أعضاء التحالف الدولي لمحاربة داعش، بما في ذلك تركيا والتي دعاها للعب دورٍ مهم في ذلك مُشيداً بدور أنقرة في محاربة الإرهاب.
من جهته أكد الرئيس التركي منذ أيام وتحديداً خلال 22 تشرين الأول، أنّ القوات التركية يمكن أن تتجه إلى مدينة الرقّة، مؤكداً سعيه للتعاون مع التحالف الدولي. في حين رفض اردوغان إشراك وحدات حماية الشعب الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي والتي يعتبرها مثيلاً لداعش مصنفاً إياها بالإرهابية. وكانت السعودية أيضاً قد أعلنت عن استعدادها للمشاركة في معركة الرقة، غداة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي ألمح فيها إلى قرب المعركة.
تحليل ودلالات
إن عدداً من المسائل يمكن الإستدلال عليها عبر تحليل السلوك الأمريكي نشير لها بالتالي:
أولاً: لا شك أن الغياب الأمريكي إن المباشر أو غياب حلفاء واشنطن وأدواتها في المنطقة، أعاد الإعتبار للقوى الممانعة والتي يبدو واضحاً أنها باتت أكبر من التحالف الروسي الإيراني السوري بالإضافة الى حزب الله، لتمتد لتضم العراق واليمن. وهو الأمر الذي أثمر إنجازاتٍ ميدانية، يبقى لروسيا وإيران الفضل الأول والأساسي في التنسيق والتأسيس لها. في حين يبدو واضحاً أن الأثر الأول للإنجازات، كان إبراز حجم الضعف الأمريكي. وهو ما يطال حلفاءها بشكل مباشر أيضاً.
ثانياً: إن الترويج الأمريكي هو ليس إلا بهدف خدمة السياسة الأمريكية ومحاولتها الظهور بمظهر الغيور على مصالح شعوب المنطقة. في حين يعرف الجميع أن أمريكا وحلفاءها وخصوصاً تركيا والسعودية، هم أصل تمويل وتأسيس وتسهيل مسألة نشر الإرهاب في المنطقة وتحديداً سوريا والعراق.
ثالثاً: بالنسبة لتوقيت الإعلان، والحديث عن وجود نية أمريكية جدية في الأسابيع المقبلة، فهو دليل على حجم الإستغلال الأمريكي للإنجازات التي تصنعها شعوب المنطقة خصوصاً في سوريا والعراق. وهو الأمر الذي يعني أن واشنطن تسعى لقطف هذه الإنجازات، إذ أنها أشارت بصراحة لبنائها على نتائج تحرير الموصل، والتي يعرف الجميع أنها غير معنية بها على صعيد المساهمة في النتائج.
رابعاً: يُعتبر السلوك الأمريكي الحالي بحد ذاته دليلاً على نجاح جهود العراق في الإعتماد على نفسه، فالإعتراف الأمريكي بنجاح عملية الموصل، يضحد كل محاولات واشنطن التشويش على العملية. وهو ما كان نتاج وحدة العراق، والتنسيق الروسي الإيراني العراقي السوري فيما يُعرف بـ: غرفة بغداد.
خامساً: قد تسعى واشنطن لإسترضاء تركيا خصوصاً بعد أن أعلنت الإيقاف المؤقت لدعم الأكراد، وهو ما قد يُفضي لإعادة استدارة الطرف التركي، والذي يبدو كعادته متخبطاً في سياسته الدولية، في وقتٍ يسعى للإستفادة من الظروف الحالية وحاجة بعض الأطراف اليه خصوصاً أمريكا التي أعلن استعداده للشراكة معها في أي عملية عسكرية شرط عدم دعم واشنطن للأكراد.
سادساً: إن الصورة التي باتت تنطبع في ذهن شعوب المنطقة، لا يمكن أن يُغيرها سلوك واشنطن ولو كان لها أي دور مُستقبلي في القضاء على تنظيم داعش. فأمريكا نفسها قامت وخلال عملية تحرير الموصل العراقية، بدعم التنظيم الإرهابي على الحدود العراقية السورية، وهو ما يفضح مزاعم واشنطن.
إذن على أنغام إنجازات أبناء وشعوب المنطقة، تحاول أمريكا العزف كما تشاء، دون أن يكون لذلك أي أثرٍ ولو على الصعيد الحالي بالحد الأدنى. فالسياسة الأمريكية على وشك الانتقال نحو رئيسٍ أمريكي جديد يُدير البيت الأبيض، لن يختلف كثيراً عن أسلافه، لكنه حتماً سيواجه واقعاً جديداً لم تعتد عليه الإدارات الأمريكية القديمة. واقعٌ أقل ما يتصف به، هو تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، يتزامن مع غربٍ يعيش حالةً من الفوضى البنيوية، وعالمٍ عربيٍ أنظمته لا تعرف متى تنهار. لنقول إن محاولات واشنطن الترويجية، ولو كانت بأحسن الأحوال صادقة النية، فهي لن تأتي أو تثمر أي جديد للمصالح الأمريكية. والتي باتت رهن خيارات وسياسات أطرافٍ أساسية في المنطقة، وهي روسيا وإيران.
المصدر / الوقت