تشكيل الحكومة أولى تحديات العهد السياسي الجديد في لبنان: مُعضلات وفرص!
لا شك أن مسألة انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان أنهت واقعاً من الفراغ طال ما يُقارب العامين ونصف. في حين يبدو واضحاً أن لدى جميع الأطراف السياسية في لبنان نية لإتمام فرحة الإنتخاب بتشكيل حكومة جامعة. وهو الأمر الذي على الرغم من إيجابياته، ينطوي على معضلاتٍ قد تُساهم في التأخير. فماذا في احتمالات تشكيل الحكومة اللبنانية؟ وما هي أهم الفرص والمعضلات التي تواجهها؟
التأليف والفرص المُتاحة
عدة ظروف إيجابية يمكن أن تكون محط آمال الساعيين لحكومة تُبصر النور في المدى القريب. هذه الظروف يمكن إيجازها بالتالي:
أولاً: على الرغم من محاولة البعض الإجتهاد في تفسير خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس ميشال عون، والذي كان واضحاً في التأكيد على الثوابت الوطنية الجامعة والحافظة للسيادة، يبدو أيضاً أن الرئيس المُكلف سعد الحريري واضحاً في محاولته توفير الظروف لتشكيل حكومة وفاق فعلية وليست حكومة مأزق سياسي. وهو ما يُعتبر من نقاط القوة في مسيرة التأليف، والتي يوجد شبه إجماع عليها.
ثانياً: يبدو واضحاً أن مساعي الجميع في لبنان لتسهيل تشكيل الحكومة جديّة. حيث يسعى الأفرقاء للخروج من مأزق الفراغ الذي طال الشأن السياسي اللبناني لمدة سنتين ونصف وعلى بعد 6 أشهر من الإنتخابات النيابية المقبلة. وهو ما يجعل لهذا العامل، دور في تعزيز دعم كافة الأطراف لتشكيل الحكومة. في وقت يُطرح صِيغ عديدة حول حكومة توازنات تحتضن الجميع.
ثالثاً: إستطاع اللبنانيون سحب كافة المشكلات التي سادت نتيجة مخاض ولادة الرئيس اللبناني. حيث أجمعت قوى ما يُعرف بـ “8 آذار”، على توكيل الرئيس نبيه بري للنيابة عنها في توفير حصص الجميع. في حين أدى تكليف الرئيس الحريري لإعادة الإعتبار للخط السياسي الذي يُمثله تيار المستقبل وحلفاءه. وهو ما يُعتبر من الظروف الإيجابية التي قد تساهم في تسريع عملية التأليف.
المعضلات والصعوبات
على رغم وجود ظروفٍ إيجابية عامة، فإن عدداً من المعضلات التقنية قد تُساهم في إيجاد صعوبات في التأليف. وهي المعضلات التي تنطلق من واقع التركيبة اللبنانية المعقدة. وهو الأمر الذي يمكن تبيينه فيما يلي:
أولاً: إن إعادة خلط الأوراق السياسية في لبنان وصولاً لمخرج إنتخاب الرئيس، أعاد الإعتبار لإرضاء الأطراف لبعضها البعض، من منطلق أن من سهَّل وتنازل فيما يخص الرئاسة، يجب أن يحصل على مقابل في الحكومة. وهو الأمر الطبيعي في أي لعبة سياسية لبنانية خصوصاً في الظروف الحالية. لكن ذلك أفرغ زيادةً في الأطراف التي يجب إرضاؤها، خصوصاً مع استعداد الجميع للمشاركة في الحكومة. وهو ما يمكن أن يكون أفضل مثل له، إرضاء تيار المردة الذي يتزعمه النائب سليمان فرنجية، والذي كان مرشحاً للرئاسة، في حين ستكون حصته من خارج حصة تكتل التغيير والإصلاح حتماً.
ثانياً: إن مجرد طموح جميع الأفرقاء للمشاركة في الحكومة، يُصعِّب مهمة التأليف خصوصاً أن الحكومة يجب أن تكون حكومة جامعة وتُعبِّر عن التوازنات السياسية في البلد. وهو ما يعني وجود أطراف عديدة يجب توزيعها على عدة مقاعد مع مراعاة قبول أو رفض كل طرف بالحصة المطروحة. فيما يمكن لرفع عدد مقاعد الحكومة من تخفيف المأزق.
ثالثاً: ستُشكِّل حقيبتي الطاقة والمالية أحد أكبر معضلات التأليف. فوزارة الطاقة هي الحصة التي يضعها الجميع نصب أعينهم، مع التقدم الحاصل في تفعيل عملها وما تعنيه من أهمية للإقتصاد. أما وزارة المالية فهي فستكون أحد أهم المشكلات أمام الرئيس المُكلف. حيث أنها تُمثِّل على صعيد السلطة التنفيذية الموقع الأهم بعد موقعي رئيس الجمهورية والحكومة، حيث أن وزيرها يمتلك التوقيع الثالث بعد توقيعي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وهي بحسب اتفاق الطائف، تعتبر من حصة الطائفة الشيعية في لبنان. وهي الوزراة التي تطالب القوات اللبنانية بها. مما يفتح الباب أمام مشكلة مع الرئيس نبيه بري والذي من المعروف أنه لا يتنازل عن الحقوق التي تُمثِّل أساساً في بناء التوازنات، في بلدٍ تحكمه التوازنات الطائفية.
رابعاً: تُطالب القوات اللبنانية بوزارة سيادية ووزارة أخرى، أو بثلاث وزارات خدماتية بحسب ما يجري الحديث عنه في لبنان. وهو ما سيُصعِّب مهمة التأليف خصوصاً لجهة إرضاء القوات أو المكونات المسيحية الأخرى، خصوصاً تيار المردة. حيث ليس من الوارد إعطاء القوات أي وزارة سيادية حتى الآن، فيما من الصعب منحها ثلاث وزارات خدماتية معاً. الأمر الذي قد ترفض القوات اللبنانية التنازل عنه لجهة أنها تعتبر نفسها سعت للتنازل من أجل قبض ثمن المشاركة في الحكم بفعالية.
إذن يبدو واضحاً أن الظروف لتشكيل الحكومة ضبابية حتى الآن. فمشاركة الجميع وإن شكَّلت علامة إيجابية لإمكانية ولادة حكومة جامعة، فإن الأطراف التي يجب أرضاؤها عديدة. ولن يكون هناك أي نتائج دون حصول تنازلات. حيث يبدو أن النائب سليمان فرنجية والرئيس نبيه بري الى جانب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإستراكي، هي أكثر الأطراف التي يجري العمل على تأمين ظروفٍ تُرضيها. في حين يُعرف حزب الله بأن أهم ما يعنيه في الحكومة هو بيانها الوزاري والذي أصبح خلف ظهره بعد خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس ميشال عون. وهو لن يختلف في حصته مع الرئيس بري كما أكد أمينه العام بالأمس. أما تيار المستقبل، فهو حصل على رئاسة الحكومة وسيحصل على حصة وزارية أخرى. والتيار الوطني الحر حصل على منصب رئاسة الجمهورية، الى جانب ما قد يحصل عليه بعد دمج حصته وحصة الرئيس السابق ميشال سليمان الحالية. لنقول أن المسألة تحتاج لإنتظار ما ستؤول إليه مشاورات التأليف. فهل ستُبصر الحكومة اللبنانية النور قريباً؟
المصدر / الوقت