كيف تجرّأ نتنياهو على قولها “السلام مع الفلسطينيين لم يعد شرطا للسلام مع العرب”؟
بينما تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من اللهب غير المسبوق، لم يتوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن القول بأن ما “يبعث الأمل في نفسه” أن العديد من الدول العربية لم تعد ترى في الكيان الإسرائيلي عدوا لها بل حليفا في مواجهة ما وصفه بـ”الإرهاب الإسلامي”.
وقد أوضح نتنياهو أن “ما يبعث الأمل في نفسي، هو التغيير الكبير الحاصل في موقف العالم العربي”، معتبراً أن المنطقة قد اختلفت، حيث لم يعد السلام مع الفلسطينيين شرطا للسلام مع العرب، بل صار السلام مع العرب سبيلا للسلام مع الفلسطينيين”.
وتابع: “كنا نعتبر في الماضي أن الاختراق على المسار الفلسطيني، سيحقق لنا سلاما أوسع مع العالم العربي، فيما صارت الاحتمالات القائمة في الوقت الراهن تشير إلى أن السلام سوف يتحقق عبر مسار عكسي، أي مع العرب قبل الفلسطينيين”.
تساؤلات محقّة
أسئلة عدّة تطرح نفسها اليوم بعد تصريحات نتنياهو التي ترقى إلى “عقيدة سياسيّة” على غرار عقيدة الجيش الإسرائيلي التي أعلنها قائد الأركان غادي إيزنكوت العام الماضي، فمن الذي قصدهم نتنياهو من العرب، هل هم الأردن ومصر، أم أن هناك دولاً أخرى دخلت على خط المفاوضات، وفرض شروط “عربيّة” على الفلسطينين عجز الجيش الإسرائيلي عن فرضها في الحروب التي حصدت مئات الألاف من أبناء الشعب الفلسطيني؟
سؤال أخر يتعلّق بـ”الإرهاب الإسلامي” الذي تحدّث عنه نتنياهو، علّه تناسى أن خطره يتفوق تلك الأخطار التي تتربص بشعوب المنطقة، لاسيّما تلك الصادرةعن الجماعات التكفيرية (للمراجعة أكثر: لماذا “الکیان اسرائيلي” أكثر خطورة من تنظيم داعش؟(؟ وأما السؤال الأبرز في هذا السياق يتعلّق بالجهة الداعمة للإرهاب الإسلامي. هنا يتوجّب على نتنياهو مراجعة مراسلات واشنطن السريّة، وبريد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون حيث أن آخر ما كشفه موقع “ويكيليكس” هو علم واشنطن بتمويل حكومتي السعودية وقطر لتنظيم “داعش” الإرهابي، فضلاً عن عشرات التقارير التي تؤكد ضلوع المخابرات الأمريكية بدعم هذه الجماعات. سؤال إضافي: فليسئل نتنياهو نائب رئيس الاركان الجديد في الجيش الإسرائيلي، قائد “المنطقة الشمالية” السابق، اللواء أفيف كوخافي، عن علاقة جنوده مع جماعات جبهة النصرة في الجنوب السوري، فبماذا سيجيبه؟
بالعودة إلى السؤال الأبرز حول العقيد الإسرائيلية الجديدة، فالعديد من الخبراء في الشأن الإسرائيلي وجدوا في كلام نتنياهو جرأة زائدة، تفوق حدود مصر المنغمسة في العلاقة مع الكيان الإسرائيلي منذ اتفاقية العار “كامب ديفيد”، أو الأردن التي تصر قيادتها السياسيّة على التطبيع رغم الرفض الشعبي الذي ظهر بشكل جلي بعد اتفاقيّة الغاز الأخيرة.
عندما ندقّق في كلام نتنياهو ونتابع التقارير الغربية والعربية التي تتحدّث عن التطبيع العربي-الإسرائيلي الجديد، يتّضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي قصد دولاً أخرى سمعنا عنها مؤخراً في الصحف الرسميّة ودوائر القرار في هذه الدول، أقصد هنا السعودية وبعض دول مجلس التعاون لا أكثر.
على سبيل المثال لا الحصر، وبعد إعلان صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن زيارة وفد إسرائيلي رفيع للعاصمة السعودية الرياض، نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية تقريراً ركّزت فيه على العلاقات العربية – الإسرائيلية في ظل سياسة التطبيع التي تنتهجها بعض الأنظمة العربية مع كيان الإحتلال والتي لم تشهد مثيلاً منذ إغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى وقت قريب.
صحيفة معاريف الإسرائيلية، كذلك أعدّت تقريراً مفصّلاً حول هذا الموضع تطرّق فيه إلى الواقع الذي “يشير إلى أن الشرق الأوسط يشعر بمزيد من التقارب بين تل أبيب والرياض”، وفق تعبير الصحيفة. ولفتت معاريف في تقريرها إلى أن العلاقات الدافئة مثيرة للاهتمام على السطح، ولكن أكثر من ذلك هو العلاقات السرية، فالرئيس السابق للاستخبارات السعودية، الأمير تركي الفيصل التقى في عدد من المناسبات علنا مع أفراد الجيش الإسرائيلي وغيرهم من المسؤولين في المحافل الدولية، فضلاً عن أنور عشقي. كما ذكرت الصحف أن “المخابرات الإسرائيلية تبيع معدات لمراكز القيادة والسيطرة وقوات الأمن في المملكة العربية السعودية، كما سبق وذكرت وسائل الإعلام الأجنبية أن رؤساء المؤسسات المسؤولة عن العلاقات الإسرائيلية مع السعودية شخصيات سرية، واجتمعوا مع نظرائهم في السعودية”.
لم تتوقّف العلاقات عند هذا الحد، فقد أفشت زعيمة حزب ميرتس الاسرائيلي اليساري تقريراً يتضمّن قائمة أسماء تضمّ 122 ضابطا أمريكيا واسرائيليا يتواجدون في قاعدة فيصل بن عبدالعزيز الجوية بمنطقة تبوك السعودية، ويشرفون العمليات العسكرية التي تقوم بها السعودية في اليمن.
كثيرة هي الشواهد على ذلك، ولكن الأمر ليس بجديد في زمن “الذلّ العربي”، فما فشل سلف نتنياهو، أولمرت، في فرضه على “حزب الله” في حرب تموز عام 2006 عبر بعض العرب، سيفشل في فرضه على الفلسطينيين اليوم. المرحلة تتطلّب هبّة شعبية عربية وبيع فلسطيني يعيد البوصلة إلى وجهتها القدس رغم أنف بعض العرب، قبل الإسرائيليين. الأمور لا تنذر بالخير، ولكن التعويل كل التعويل على الشعوب العربية والإسلامية التي يجب أن تحضر في الميادين أكثر من أيّ وقت مضى، ليبقى الموقف سلاح.
المصدر / الوقت