التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

لماذا وصلت الأزمة اليمنية إلى طريق مسدود؟ 

بعد مرور نحو عشرين شهراً على بدء العدوان السعودي على اليمن بدعم من أمريكا والكثير من الدول الغربية والإقليمية لازالت الرياض تواجه مشاكل حقيقية في كيفية التخلص من هذه الورطة بعد أن أيقنت بأنها لن تتمكن من هزيمة الشعب اليمني بقيادة حركة أنصار الله خصوصاً وإنها بدأت منذ مدة طويلة تعاني من أزمة إقتصادية حادة بسبب تراجع أسعار النفط ودعم الجماعات الإرهابية في المنطقة مالياً وتسليحياً إلى درجة وصل معها العجز في الميزانية إلى أكثر من 80 مليار دولار. وقد أثر ذلك بشكل واضح على الحالة المعيشية للمواطن السعودي وأدى كذلك إلى إيقاف الكثير من المشاريع العمرانية والخدمية في عموم البلاد.

ويعتقد الكثير من المراقبين بأن مجيء “دونالد ترامب” الی رأس السلطة التنفيذية في أمريكا سيقلل من دعم واشنطن السياسي والعسكري للسعودية، خصوصاً بعد التصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية والتي وصف فيها السعودية بالبقرة الحلوب التي يجب قتلها بعد أن يجف حليبها، وحذّرها في الوقت نفسه من مواصلة دعمها للجماعات المتطرفة.

ويرى معظم المحللين بأن هذه العوامل قد تسرع في وضع حدّ للعدوان السعودي على اليمن لاسيّما بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات اليمنية على الجيش السعودي بفضل صمود ومؤازرة الشعب اليمني وقواه الثورية رغم التحديات الكثيرة التي تواجههم بسبب شراسة العدوان الذي أودى حتى الآن بحياة الآلاف من المدنيين ودمر البنى التحتية للبلد في مختلف المجالات.

وهناك أسباب أخرى تعزز الاعتقاد بأن العدوان السعودي قد فشل في تحقيق أهدافه ومن بينها نجاح حركة أنصار الله في وضع الأسس اللازمة لإدارة البلاد خصوصاً من الناحية السياسية وتمكنها من توفير الأرضية المناسبة لانتخاب البرلمان وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بمؤازرة الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية الأخرى والتي تسعى أيضاً لضمان إستقلال البلد وإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوعه.

ورغم هذه المعطيات يبقى المستقبل السياسي لليمن مجهولاً وغامضاً بسبب عوامل أساسية أخرى يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

– الانتهاك المتكرر للهدنة المؤقتة بين اليمن والسعودية من قبل الأخيرة من خلال مواصلتها القصف الجوي دون تفريق بين الأهداف العسكرية والمدنية.

– إستمرار المبعوث الدولي (إسماعيل ولد الشيخ أحمد) بمساعيه لإيجاد حلّ سياسي يرضي جميع الأطراف المؤثرة في الأزمة اليمنية، في ظل الهدنة الجديدة التي دخلت حيّز التنفيذ ظهر السبت بناءاً على إتفاق المبادئ الذي تمّ مؤخراً في العاصمة العمانية مسقط.

– نجاح حركة أنصار الله في إستقطاب شرائح واسعة من المجتمع اليمني سواء من الطائفة الزيدية أو الشافعية، بالإضافة إلى الدعم الذي تتلقاه من مختلف القبائل اليمنية. ويمكن القول بأن قيادة الحركة قد تمكنت من تعبئة الشعب اليمني عسكرياً وسياسياً لمواجهة العدوان السعودي، وتمثل هذا النجاح بوقوف الرئيس الأسبق (علي عبد الله صالح) إلى جانب الحركة في التصدي لهذا العدوان، وهذا الأمر يحمل دلالات عديدة تؤكد كفاءة أنصار الله وتمكنها من خلق تيار سياسي واجتماعي قادر على مواجهة الظروف المعقدة والصعبة التي تواجهها البلاد في الوقت الحاضر.

وقد أدى هذا الواقع إلى إرغام السعودية على الاعتراف بحركة أنصار الله بشكل مباشر وغير مباشر كقوة رئيسية ومؤثرة وفاعلة في الساحة اليمنية، وتجلى هذا الاعتراف خلال المفاوضات التي أجراها ما يسمى “وفد الرياض” الذي تدعمه الرياض مع ممثلي الحركة في الكويت بإشراف الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للأزمة اليمنية.

وأمّا الأسباب التي أدت إلى توقف المفاوضات واتخذتها السعودية ذريعة لمواصلة الهجمات على اليمن رغم الهدنة فيمكن إجمالها بما يلي:

– عدم إتفاق الطرفين بشأن المناطق التي تمكنت القوات التابعة لحركة أنصار الله من السيطرة عليها في جنوب البلاد والتي كانت بيد القوات التابعة للرئيس المستقيل (عبد ربه منصور هادي) المدعوم سعودياً، وكذلك لوجود خلافات بشأن مصير الأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي أرسلتها الرياض إلى الجماعات الموالية لها في هذه المنطقة. ويرى كثير من المحللين بأن حسم هذه الخلافات من شأنه أن يغيّر موازين القوى على الأرض، وبالتالي سيؤثر بشكل مباشر ومحسوس على طبيعة المفاوضات السياسية الرامية إلى حلّ الأزمة السياسية في اليمن.

– سعت السعودية طيلة عدوانها المتواصل على اليمن إلى تدمير الحدّ الأقصى من البنى التحتية لهذا البلد من أجل خلق مشاكل وأزمات إقتصادية واجتماعية وإنسانية لإشغال حركة أنصار الله ومؤيديها عن الدفاع عن البلد والتصدي للعدوان من جانب، وتحقيق مكاسب سياسية في أي مفاوضات تهدف إلى تسوية الأزمة اليمنية من جانب آخر، ناسية أو متناسية أن المقاومة البطولية التي يبديها الشعب اليمني وقواه المسلحة كفيلة بإفشال هذا المخطط، بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة التي تمنى بها القوات السعودية على يد الجيش اليمني واللجان الشعبية التابعة لأنصار الله والتي أدت إلى حصول أزمات مختلفة في الداخل السعودي لاسيّما في الجانب الاقتصادي، وبالتالي فإن إستمرار العدوان على اليمن لن يصب في صالح الرياض ولن يرغم اليمنيين على الاستسلام أو التنازل في المفاوضات كما يتوهم نظام آل سعود.

ختاماً ينبغي التأكيد على أن الوضع الحالي بين السعودية واليمن لايمكن التكهن بنتائجه وإلى أين يتجه، إلاّ أنه ودون أدنى شك لن يسير وفق رغبة الرياض، خصوصاً بعد أن تمكن اليمنيون من إثبات جدارتهم في الدفاع عن بلدهم، ولهذا يرجح معظم المراقبين أن تتغير موازین القوى لصالح حركة أنصار الله ومؤيديها سواء على الصعيد الميداني أو السياسي لاسيّما وإن السعودية لم تعد قادرة على إقناع الكثير من حلفائها بالوقوف إلى جانبها في مواصلة العدوان على اليمن كما حصل عندما شنّت هذا العدوان في آذار/مارس 2015.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق