التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

عبد الباري عطوان: السيسي يفجر قنبلته بدعم الجيش السوري… والسعودية ترد … 

القاهرة ـ سياسة ـ الرأي ـ

رشّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ملحا مخلوطا بالفلفل الحار على جرح علاقات بلاده الغائز، الملتهب، مع المملكة العربية السعودية يوم اول امس (الثلاثاء) عندما اعلن في مقابلة لتلفزيون برتغالي “عن دعمه للجيش العربي السوري في مواجهة العناصر الارهابية المتطرفة، من اجل حفظ استقرار سورية، والحفاظ على وحدتها الجغرافية على غرار ما يفعل في ليبيا والعراق”.

الجيش الالكتروني السعودي الجرار أشعل وسائط التواصل الاجتماعي بهجوم شرس على مصر، والحكومات الخليجية، وعلى رأسها السعودية، التي قدمت حوالي 50 مليار دولار مساعدات وقروض مالية لدعم الاقتصاد المصري، وتثبيت حكم الرئيس السيسي الذي وصفته بناكر الجميل.

العلاقات المصرية السورية تتطور بشكل متسارع في الأشهر الأخيرة، والتنسيق الأمني بين البلدين في ذروته، وتجلى في الزيارة التي قام بها الى القاهرة اللواء علي المملوك رئيس جهاز الاستخبارات السورية، والرجل القوي في دمشق، وقد أشاد السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري بهذا التطور، ونوه به، وطالب بالمزيد اثناء مؤتمر صحافي عقده في اعقاب لقائه بالمبعوث الدولي ستيفان دي مستورا، الذي حل ضيفا على العاصمة السورية قبل ثلاثة أيام لبحث موضوع حلب، والترويج لإقامة إدارة حكم ذاتي في احيائها الشرقية.

***

العلاقات المصرية السعودية تعيش أسوأ ايامها، ومن المتوقع ان تزداد سوءا في الأيام المقبلة، خاصة بعد استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس وزراء اثيوبيا هايلي ماريام ديستالين، وهو الاستقبال الذي فسرته الأوساط الرسمية المصرية على انه جاء من قبيل “المناكفة” لها بالنظر الى الخلاف المصري الاثيوبي حول سد النهضة.

المسؤولون المصريون لاحظوا حجم الحفاوة الذي حظي به رئيس الوزراء الاثيوبي، وتمثل في حضور اللقاء الأمير محمد بن نايف، ولي العهد، الى جانب عدد كبير من الوزراء، من بينهم وزراء الاقتصاد والمالية، وجرى بحث التعاون الاقتصادي والقضايا الإقليمية، ولوحظ ان رئيس الوزراء الاثيوبي التقى أيضا بالامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، حيث جرى بحث التعاون الثنائي في مجالات الدفاع، وتوقيع اتفاقات في هذا المضمار.

ويستغرب هؤلاء المسؤولون الضجة الإعلامية السعودية هذه، بسبب ما ورد على لسان الرئيس السيسي تجاه سورية، ويقولون ان هذا الدعم ما زال سياسيا، وتنسيقا امنيا حتى الآن، فمصر تريد ان تتابع اخبار بعض المتطرفين المصريين الذين يقاتلون في سورية والمتورطين في “الإرهاب”، وأشاروا بالذات الى شخص اسمه احمد سلامة مبروك، “الجهادي” المصري الذي ظهر على يمين زعيم تنظيم “فتح الشام”، او “النصرة” سابقا، ابو محمد الجولاني في حلب، وكان معتقلا في احد السجون المصرية بتهمة الانتماء الى تنظيم الجهاد، ويقول هؤلاء ان ما ازعج السعوديين هو التقارب الكبير والمتوقع بين الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، والتصريحات غير الودية التي ادلى بها الأخير تجاه الدول الخليجية، ودعمه الشرس لقانون العدالة للدول الراعية للارهاب “جيستا”، الذي يشير بوضوح الى المملكة العربية السعودية، واتهامها بدعم الإرهاب، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر على وجه الخصوص، فالرئيسان السيسي وترامب يقفان على أرضية واحدة، فيما يتعلق بمحاربة الإسلام السياسي، وحركة الاخوان المسلمين من ضمنه.

من الواضح ان الرئيس المصري اختار طريقا من اتجاه واحد نحو المعسكر الآخر، أي السوري الجزائري الإيراني العراقي، ويخرج تدريجيا من المعسكر الخليجي السعودي، وأحدث حلقات هذا الخروج رفض مصر الانسحاب من القمة العربية الافريقية الرابعة في مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية اليوم، اسوة بثماني دول عربية احتجاجا على مشاركة منظمة “البوليساريو” فيها تضامنا مع المغرب، وهي السعودية والامارات والبحرين وقطر والاردن واليمن والصومال الى جانب المغرب.

المحور المصري الجزائري السوري العراقي المدعوم روسيا وايرانيا بقوة حاليا، قد يشكل تحقيق بعض التوازن في الميزان الاستراتيجي العربي الراهن، ويمهد لوضع حد لسيطرة المعسكر السعودي الخليجي على القرار العربي، والجامعة العربية، ومؤسسة القمة المنبثقة عنها، وهي السيطرة التي دامت طوال السنوات العشر الماضية تقريبا، وكانت وراء سقوط وتغيير العديد من الأنظمة، وما تلا من فوضى دموية، ومن المؤكد ان هذا المحور سيتعزز ويقوى في حال حسم معركة حلب لصالحه، ربما الموصل أيضا.

***

الزيارة الخاطفة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد امارة ابو ظبي قبل أسبوع الى القاهرة، حاولت تطويق الخلاف المصري السعودي، وإعادة المياه الى قنوات الاتصال المسدود بين البلدين الحليفين حتى قبل بضعة اشهر، ولكنها لم تحقق أي نجاحات باستثناء وقف الحملات الإعلامية المصرية ضد السعودية، وهو وقف يبدو مؤقتا.

ولعل المبادرة المشروطة التي تقدم بها السيد إبراهيم منير، نائب المرشد الأعلى لحركة الاخوان المسلمين لترطيب الأجواء بين “الجماعة” والنظام الحالي، وتحلى هذا النظام ببعض المرونة في المقابل، مثل الغاء احكام الإعدام والمؤبد من قبل محكمة النقض في حق الرئيس محمد مرسي والمرشد الأعلى محمد بديع، وبعض قادة الصف الثاني، مثل السادة خيرت الشاطر ومحمد البلتاجي، واحمد عبد المعطي، نفست بعض الاحتقان السياسي في مصر، وعكست رغبة في تجنب الصدام والمواجهة لدى الطرفين، الامر الذي يضيف عناصر تعزيز جديدة للسلطات الحاكمة في مصر.

المغردون السعوديون على “التويتر” الذين “ترحموا” على المليارات السعودية التي ذهبت الى مصر، عكسوا رأيا سعوديا ليس معاديا لمصر فقط، وانما شامتا بحكومتهم أيضا، ومشككا في سياساتها، وهذا قد لا يزعج المصريين، الذين طارت طيورهم بأرزاقها و”زقزقت” طربا.

التحالفات العربية تتغير بسرعة، وراقبوا العودتين المصرية والجزائرية مجددا الى الساحة السياسية، وعمليات استقطاب جديدة إقليمية ودولية في الأشهر الستة المقبلة، وقطعا ستكون لنا عودة لتناولها ورصدها في الأسابيع والاشهر المقبلة.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق