التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

الحشد الشعبي ما بعد “داعش”: أفول نجمٍ أم ولادةٌ ثالثة؟ 

“الحشد هو نفسه، قبل الجلسة، كما بعدها”. بهذه الكلمات علّق أحد أعضاء الحشد الشعبي على جلسة البرلمان العراقي اليوم، والتي أقرّ خلالها قانون “الحشد الشعبي” والهيئة التابعة له ليصبح تشكيل رسمي يتمتع بالشخصية المعنوية، ويعد جزءا من القوات المسلّحة العراقية ويرتبط بالقائد العام لتلك القوات.

ويقضي القانون الجديد، الذي يعد بمثابة ولادة ثانية لهذه القوّات التي سطّرت معارك بطولية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي منذ العام 2014 وحتى الساعة حيث تخوض هذه القوات المرحلة الخامسة من المعارك في الموصل، يقضي بان يخضع هذا التشكيل ومنتسبوه للقوانين العسكرية النافذة من جميع النواحي. كما يتمتع المنتسبون له بكافة الحقوق والامتيازات التي تكفلها القوانين العسكرية والقوانين الأخرى ذات العلاقة.

أسئلة عدة تطرح نفسه اليوم حيال التحوّل النوعي الذي يجعل الحشد وسائر شؤونه الإدارية والفنية والمالية والتنظيمية، رهن قرارات الدولة العراقيّة والقائد العام للقوات المسلحة، لاسيّما في ظل انقسام المشهد الديمقراطي العراقي بين مؤيد ومعارض. ربما تفرض المعركة التي يخوضها الحشد اليوم أمام تنظيم داعش الإرهابي على بعض الرافضين نفسها، إلا أن واقع الأمر سيكون مختلفاً في المرحلة اللاحقة، التي تلي إسقاط تنظيم داعش الإرهابي، وهذا ما يفسّر إصرار العديد من القوى العراقيّة على تمرير القانون حالياً حفاظاً على النسيج العراقي الذي تسعى العديد من الدول الإقليميّة لاستهدافه. كذلك، يهدف التصويت الذي تأجل لعدّة مرّات، كان آخرها عطلة “الزيارة الأربعينية ولإعطاء فرصة لتسوية جميع الخلافات بشأن القانون”، يهدف للحفاظ على حقوق أبناء الحشد الشعبي الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع قوّات الجيش والشرطة.

مرحلة ما بعد “داعش”

المشهد العراقي يتحصّن شيئاً فشيئاً، فمع منح الحشد الشعبي اليوم شرعية رسميّة، تضاف إلى شرعيته الشعبية، تسقط كافّة الرهانات السابقة على إنها دور هذا الفصيل الذي تأسس بدعوة المرجعية الدينية عامّة الناس إلى التطوع وحمل السلاح، وأمر ديواني أصدره رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، عقب سقوط الموصل بيد تنظيم “داعش” الإرهابي، شكّل ولادته الأولى.

اليوم، وحتى مع إقرار القانون، لنِ تخمد تلك الأصوات التي تنفخ بنيران الفتنة الطائفية لتحقيق جملة من المآرب والأهداف السياسية، بعضها داخلي والآخر يرتبط بمشاريع سياسيّة إقليميّة، بل ستعلو وترتفع مع القضاء على داعش بأيادي الجيش والحشد والقوات المشتركة، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاً: قد يطرح البعض تساؤلات محقّة من قبيل: “تشكّل الحشد الشعبي بناءً على فتوى المرجعيّة الدينية لمواجهة داعش، ومع عدم الشرط فالمشروط عدمه، وبالتالي لا بد من إنهاء دور الحشد وعودتهم إلى منازلهم”. ولكن، ما الذي يضمن أن لا تعاود التنظيمات الإرهابية سنياريو الموصل في مرحلة لاحقة؟ وإذا كان الجيش وحده قادر على ذلك، فلماذا لم يفعل ذلك في العام 2014، رغم أنّه تعرّض اليوم لأكبر حرب استنزاف في تاريخه؟

ثانياً: والنقطة الأهم، يوجد أمام الحشد الشعبي ثلاثة خيارات لا أكثر. إما الحل، أو البقاء، أو تعديل المهام. الحل ليس أمراً واقعياً بالتأكيد، فهل تدركون مدى خطورة ترك هؤلاء الذين عاشوا لسنتين ونصف في الجبهات دون أي رعاية على مستقبل العراق. كل المدارس العسكرية في العالم تؤكد خطور هكذا خطوة على المجتمع. الخيار الثاني، البقاء عسكري تماماً، ورغم أنّه خيار مطروح، إلا أن البعض لا يحبّذه نظراً للأوضاع الطائفية في العراق من ناحية، والاقتصاديّة من ناحية آخرى. وأما الخيار الثالث، فقد يكون الأنسب عبر تعديل مهام الحشد بما يتلاءم مع تحدّيات العراق الذي سيبقى بحاجة إلى جنود الحشد، وفق مراقبين.

ثالثاً: البعض يستند في رؤيته الداعمة للحشد الشعبي عبر استذكار المشهد العراقي الدموي منذ العام 2003 وحتى العام 2016، وبالتالي لا بد من إيجاد هيكلية أمنية وعسكرية متكاملة، تلعب فيها هذه القوّات التي يشكّل عمودها العديد من الفصائل التي حاربت الاحتلال الأمريكي، ولاحقاً الاحتلال الداعشي، وربّما مستقبلاً الإحتلال التركي أو التكفيري مرّة ثانية.

رابعاً: بدت نتائج الحشد ضئيلة في المرحلة الأولى من التأسيس، وهذا أمر طبيعي نظراً لعدم وجود انسجام بين مكوناته، إلاّ أن تحوّلهم لاحقاً إلى كتلة أو نظام واحد أفضى إلى نتائج نوعيّة في المعارك العسكرية يمكن استخدامها سريعاً خلال أي تهديد لاحق. إن هذه القوّات مؤهلة بمؤازرة بقيّة القوى لحماية العراق أمنياً وعسكريا، مكافحة الفساد، إعادة الإعمار والعديد من المشاريع التي يحتاجها الشعب العراقي.

خامساً: لا يمكن تغييب الشقّ الإنساني عن القضيّة، فأقل الواجبات اليوم، دعم عوائل شهداء الحشد الذين توجّهوا من مختلف مناطق العراق، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، دفاعاً عن وطنهم دون أن يريدوا جزاءً ولا شكورا. إلا أن هذه العوائل، كعوائل شهداء الجيش والشرطة تحتاج إلى الرعاية والدعم الرسمي الذي لا يرتبط بالمناكفات السياسيّة.

في الخلاصة، لم يعد بعد اليوم ممكنا إزاحة الحشد من المشهد العسكري ــ السياسي العراقي حيث سيكون جزءاً أساسياً من مكوّنات الدولة، وحامياً لكيانها وكافّة التحديات التي تتربّصها. مرحلة ما بعد داعش لن تكون مختلفة حيث ستكون بمثابة ولادة ثالثة لهذه القوات التي يجب أن تتكّيف مع تحدّيات المرحلة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق