ماذا حققت مناورة الحشد الشعبي ؟
بعد ان سيطر الحشد الشعبي مؤخرا على مطار تلعفر ومحيطه من الجهة الشمالية الغربية، متقدما بذلك ما يقرب من مئة كلم في مناطق حيوية كان يسيطر عليها داعش ، وذلك اعتبارا من نقطة الانطلاق في القيارة شمال صلاح الدين وحتى خط صد البشمركة ما بين تل عفر وسنجار في الشمال الغربي العراقي بالقرب من الحدود مع تركيا، يمكن القول ان هذه المناورة قدمت الكثير من النقاط الايجابية، الميدانية والاستراتيجية للمعركة الكبرى ضد داعش في كل من العراق وسوريا، وذلك على الشكل التالي:
ميدانيا:
– تم فصل جميع نقاط ومواقع داعش بين الموصل ومحيطها الغربي والجنوبي الغربي مع مواقعه غرب نينوى والداخل السوري، وقد نتج عن ذلك شطر قوة وجهود وانتشار داعش الى قسمين متساويين تقريبا، الامر الذي لم تكن ستؤمنه السيطرة المستقلة على مدينة الموصل حيث كان سيخسر الاخيرة فقط مع محافظته على باقي مناطق انتشاره.
– اصبحت وحدات داعش في مدينة الموصل ومحيطها الغربي محاصرة وبعيدة عن المصادرة الاساسية التي كانت تدعمها من وسط العراق حتى دير الزور فالرقة على كامل محيط نهر الفرات، ولذلك ستفقد حتما وتباعا قدراتها العسكرية في العديد والاسلحة والذخيرة والعتاد، والتي تخسر منها الكثير بشكل متسارع مع تقدم المعركة وازدياد الضغط عليها، وهذا كانت ستعوضه تقريبا لو حافظت على انتشارها غرب الموصل وامتدادا مع نينوى والحدود السورية.
– فقد داعش الترابط الميداني بشكل كامل بين وحداته في الشمال العراقي ووحداته في غرب العراق وشمال شرق سوريا ، وبالتالي فقد الامكانية لتنفيذ اي دعم متبادل بين وحداته في المناطق المذكورة، وخسر بذلك عنصرا مهما في مناورته الدفاعية بشكل عام ما بين العراق وسوريا، وايضا الامر الذي لم يكن سيتحقق لو تمت هزيمته في مدينة الموصل فقط .
مناورة الحشد الشعبي …نصر ميداني واستراتيجي
– خسر داعش في هذا الحصار الذي فرض عليه اخيرا، امكانية الاستفادة من قدرات وخبرات قادته الميدانيين، والذين كانوا يتنقلون بين كامل الشمال العراقي و بين الشرق السوري لتأمين قيادة عملياته في كافة المعارك ، وذلك بعد ان تناقص وبشكل كبير عدد هؤلاء القادة اصحاب الخبرات وخاصة الاجانب منهم، إمّا في ساحات المواجهة وإمّا عبر عمليات تصفية داخلية، او في عمليات جوية ينفذها التحالف الدولي تأخذ الطابع الشخصي او الفردي لاعتبارات خاصة بالتحالف وعلاقته مع هؤلاء المستهدفين .
استراتيجيا:
– برهن الحشد الشعبي عبر هذه المناورة الصاعقة التي فاجأ فيها التنظيم وداعميه الاقليميين والدوليين ، انه مكوّن اساس و فاعل ومؤثر على الساحة العراقية وعلى الساحة الاقليمية ولا يمكن تجاوزه .
– استطاع الحشد الشعبي السيطرة على داعش والحاق الهزيمة به في التوقيت الذي حدده وفي المكان الذي اختاره وبالطريقة التي رأها مناسبة ، وذلك بمعزل عن الاجندة التي حاول الاميركيون فرضها على الدولة العراقية، والتي كان من ضمنها محاولة ابعاده عن المعركة بالاساس وزج الجيش العراقي لوحده في مستنقع مدينة الموصل واحيائها المكتظة بالمدنيين .
– لقد استطاع الحشد الشعبي في مناورته الناجحة، والتي فصل من خلالها الموصل ومحيطه غربا عن نينوى والحدود السورية، ان يخلق تواجدا قويا وثابتا في وسط ميدان داعش الواسع، وان يقسم الجغرافيا التي بنى التنظيم دولته المزعومة على اساسها ما بين سوريا والعراق الى قسمين، وهذا لم يكن ممكنا ان يتحقق عبر السيطرة على مدينة الموصل لوحدها .
– لقد خربط الحشد الشعبي في وصوله الى شمال غرب الموصل حتى حدود انتشار البشمركة في جبال سنجار المشروع الاميركي المشبوه لمحاولة تفتيت العراق، والذي كان يهدف الى حصر التواجد في تلك المناطق بمجموعات وطنية ذات طابع مذهبي معين .
– بعد هذا الفصل الميداني والذي تم بموجبه قطع الترابط بين وحدات داعش في كل من العراق وسوريا ، خسر التحالف غير المعلن : الاميركي – الاسرائيلي – التركي – الخليجي ، امكانية الاستفادة المتبادلة من وحدات داعش بين الميدانين السوري والعراقي ، والتي كانت تستعمل للضغط على محور المقاومة في المنطقة بشكل عام، وبات هذا التحالف يلهث لمحاولة حماية ما تبقى من الارهابيين للمحافظة على نقاط الضغط المذكورة .
واخيرا … بقدر ما تفاجأ الاميركيون من النجاح الصاعق الذي حققه الحشد الشعبي في غرب الموصل، في الوقت الذي راهن فيه اولا على إبعاده، ولاحقا على اخفاقه حيث غابت قاذفاته بالكامل عن تأمين اية تغطية جوية للحشد المذكور، بقدر ما سيقدم هذا التقدم من نقاط ايجابية، ميدانية واستراتيجية للمعركة الواسعة ضد التنظيم الارهابي، ليس فقط في العراق وانما في سوريا، وذلك على طريق إلحاق الهزيمة الكاملة بالتنظيم الذي كان غريبا في نشأته وانتشاره وتمدده وفي سيطرته لاحقا، وكل ذلك برعاية وحماية ممن يدّعون كذبا محاربته ومواجهته .
شارل أبي نادر – عميد متقاعد – فارس
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق