التحرُّك التركي نحو طهران: على أمل أن تفهم أنقرة الرسالة!
شكَّلت الغارة التي استهدفت قوات تركية في سوريا، حدثاً مفصلياً على صعيد الموقف التركي تجاه الأزمة السورية. وهو ما دفع الرئيس التركي أردوغان للإتصال بنظيره الروسي بوتين مرتين خلال يومين. فيما جاءت زيارة وزير الخارجية التركي “جاويش أوغلو” ومدير استخباراته “حقان فيدان” لطهران، لتجعل الحدث أكثر أهمية. وهنا فلا بد من لِحاظ أن “فيدان” هو أداة التواصل التركي الإيراني القائم، ويُعتبر مسؤولاً تنفيذياً لسياسات أردوغان المهمة. فكيف يمكن تحليل الموقف التركي تجاه سوريا اليوم في ظل خطوات اللاعبين الدوليين الإستباقية؟ وما هي المخاطر أمام أنقرة في حال لم تُقدِّر الموقف جيداً؟
الموقف التركي في ظل الخطوات العسكرية الإستباقية لللاعبين الدوليين: قراءة موجزة
يعرف الجميع أن الأزمة السورية دولية بإمتياز. وهو ما جعلها ساحة صراعٍ لأطراف دولية وإقليمية تسعى لضمان أوراق ميدانية، تُساهم بشكلٍ كبير وأساسي في رسم خارطة المنطقة وسياستها. وهنا نُشير لبعض خطوات الأطراف فيما يخص جبهة الشمال السوري، كمقدمة لتحليل الموقف التركي:
أولاً: خطوات روسيا
في الشهر الأخير وبالتنسيق مع طهران ودمشق، وفيما يخص الجبهة السورية الشمالية قامت موسكو بالتالي:
– وضعت ضمن أولوياتها إعادة السيطرة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب.
– قامت بدعم طائراتها في حميميم وقاعدتها في شرق البحر المتوسط، تحسُّباً لأي طارئ، وإظهاراً للنية الفعلية بأن الخيار العسكري هو المطروح حالياً.
ثانياً: واشنطن ومحاولة الدخول من البوابة الدولية
لا شك أن فشل الدور الأمريكي على الصعيد الميداني، جعل واشنطن تحشد سياستها الخارجية ومن بوابة الأمم المتحدة. ليتم طرح مشروع ديمتسورا التقسيمي الجديد، والذي هدف الى إقامة عدة إدارات حكم محلية في كل من حلب وإدلب، بالإضافة الى إدارة حكم ذاتي للأكراد شرق سوريا وإعطاء أنقرة ورقة إدارة مباشرة حيث تستطيع أن تتواجد عسكرياً. لكن النتيجة كانت فشل المشروع الأممي وفشلت معه الخطة الأمريكية التقسيمية مرة أخرى.
ثالثاً: خطوات محور المقاومة
– بدا واضحاً من خلال دور أطراف محور المقاومة المُتماشي مع توجهات الجيش السوري، بأن مسألة عزل الشمال السوري عن أي تأثير تركي هو أولوية. وبالتالي فمن غير المقبول السماح لأي طرف بالتدخل ضد الجيش السوري.
– العمل بشكل متوازي على استكمال تحرير حلب والبدء بمعركة تحرير الأحياء الشرقية لها، خصوصاً بعد فشل مبادرة ديمستورا التقسيمية.
رابعاً: تركيا والسعي لفرض وقائع ميدانية
دخلت تركيا منذ فترة محاولة فرض وقائع في الميدان السوري، بحثاً عن دورٍ مستقبلي الى جانب سعيها لضمان ورقة في وجه أي مشروعٍ كردي عبر استغلالها لجماعاتها الإرهابية في الشمال السوري. فقامت بما يلي:
– وضع السيطرة على مدينة الباب السورية على رأس أولوياتها.
– التأثير على دور الجيش السوري وسير المعارك في الميدان عبر إدارة الجماعات الإرهابية بشكل مباشر.
السلوك التركي: قراءة في المخاطر
على الرغم من وجود مبرراتٍ للطرف التركي قد تدفعه للسيطرة على مدينة الباب، لكن ذلك يقف أمام مخاطر واقعية واضحة، لن تستطيع أنقرة نكرانها. وهنا نشير للتالي:
– إن التقدم نحو مدينة الباب يعني من الناحية العسكرية الإعتداء على السيادة السورية وهو ما أعلن الجيش السوري رفضه. فهل يمكن لتركيا التعامل مع نتائجه، في ظل خطوط حمراء وضعها حلف سوريا، إيران وروسيا؟!
– لا تزال تركيا جزء من حلف الناتو، فهل يمكن أن تتخطى أنقرة حسابات الأطلسي؟! خصوصاً أن أي حماقة من هذا النوع قد تتسبَّب بمواجهة ستتخطى الطرفين السوري التركي.
– يبقى هناك خطر كبير وأساسي في المغامرة بالعلاقات التركية الدولية، مع كلٍ من روسيا وإيران لا سيما في ظل توتر تركي-امريكي أيضاً.
التحرك التركي نحو إيران: هل تُفهَم الرسالة؟!
يمكن تحليل التحرك التركي نحو إيران، على الشكل التالي:
أولاً: لا تستطيع تركيا العبث على الساحة السورية. وهو ما يعني أنها لا تستطيع تخطي الخطوط الحمراء التي وضعها محور المقاومة وروسيا. والأسباب عديدة، أهمها الوضع المتأزم الداخلي التركي، لا سيما الإقتصادي والسياسي الحرج. وهنا فإن أنقرة بحاجة لمنفذ دولي يستطيع أن يُعينها في أزماتها، فكانت إيران.
ثانياً: لم تحصل تركيا على غطاءٍ إيراني أو روسي، للتحرك في سوريا، خصوصاً لما يُشكِّله ذلك من تهديدٍ لأمنها القومي وخرقاً للسيادة السورية. وهو ما أدركه الطرف التركي بعد الغارة الأخيرة التي حصلت على القوات التركية في سوريا. مما يجعل تركيا تُعيد النظر في حساباتها، ولو ظرفياً.
ثالثاً: على الرغم من العلاقات التاريخية الجيدة بين أنقرة وطهران، فإن الخلاف في التوجه السياسي بينهما واضح. لكن ذلك لا يمنع الطرفين من الجلوس والتحاور والتصارح حول قضايا المنطقة. في حين بات واضحاً امام الطرف التركي أن الإستقرار في سوريا والعراق هو أولوية بالنسبة لإيران، ويُشكِّل قاعدة للتعاون بين الطرفين.
يبدو واضحاً أن حجم السلوك التركي تخطى قدرات أنقرة. فيما لا يمكن لدولةٍ أن تسلك في مسارٍ لا تستطيع تحمُّل نتائجه. لنقول إن السياسة الخارجية التركية فيما يخص الملف السوري باتت تُهدِّد العلاقة بين تركيا وإيران، كما العلاقة بين تركيا وموسكو وهو ما لا تستطيع أنقرة تحمُّلَه. لكن وضوح الطرف الإيراني ورهانه على إمكانية رضوخ تركيا لحقائق الميدان، وبناء قاعدة استراتيجية لعلاقة يسودها التفاهم، قد يجعل الأمور أفضل. كل ذلك، رهن إدراك أنقرة لمخاطر سلوكها، وتقديرها للموقف بحكمة. على أمل أن تفهم تركيا الرسالة!
المصدر / الوقت