التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

لماذا لا تصلح الوصفات الغربية لحل أزمات الشرق الأوسط؟ 

تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ عقود من الزمن أزمات كثيرة بينها النزاعات القومية والطائفية التي أدت بدورها إلى استفحال ظاهرة العنف والتطرف الذي لم تقتصر آثاره السلبية على هذه المنطقة؛ بل إمتدت إلى مناطق أخرى في العالم لاسيّما الدول الغربية.

ورغم المشاريع التي تقدمت بها العديد من الدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا لتسوية هذه الأزمات إلاّ أن التجارب قد أثبتت بأن هذه المشاريع ليست غير مجدية فحسب؛ بل زادت من وتيرة العنف والإرهاب في المنطقة إلى الحدّ الذي جعل الكثير من المراقبين يعتقد بأن حلّ هذه الأزمات بات أمراً معقداً، خصوصاً مع التقاطع الشديد في المصالح واختلاف الرؤى والاستراتيجيات بين الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة والفاعلة في صناعة هذه الأزمات.

ورغم تظاهر الدول الغربية بالحرص على تسوية أزمات الشرق الأوسط إلاّ أن الحقائق والمعطيات المتوفرة تؤكد بأن هذه الدول هي السبب الحقيقي في ظهور الكثير من هذه الأزمات إن لم تكن جميعها بسبب تدخلاتها السافرة في شؤون المنطقة لتحقيق أهداف وغايات على حساب مصالح وشعوب هذه المنطقة.

والسؤال المطروح هو لماذا فشلت جميع المشاريع الغربية في تسوية أزمات المنطقة رغم مرور عقود طويلة من الزمن على بعضها؟

للإجابة عن هذا التساؤل المهم لابدّ من الإشارة أولاً إلى النموذج الذي إنتهجته الدول الغربية لتسوية الصراعات القومية والمذهبية في يوغسلافيا ومدى صلاحيته لحلّ الصراعات المماثلة في الشرق الأوسط.

التجربة اليوغسلافية:

تعتمد التجربة اليوغسلافية على التطهير العرقي والهجرة القسرية وإرغام بعض القوميات على مغادرة مناطق سكناهم كمقدمة لتقسيم البلد إلى دويلات. وتسعى الدول الغربية خصوصاً أمريكا إلى تطبيق هذا النموذج في عدد من دول المنطقة ومن بينها العراق الذي يتكون من قوميات متعددة في مقدمتها العرب والأكراد والتركمان وأديان ومذاهب متعددة في مقدمتها المسلمين الشيعة والسنّة، والنصارى والصابئين والإيزديين والشبك وغيرهم.

وتسبب إحتلال العراق من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين عام 2003 في بروز النعرات الطائفية والقومية بين أبناء هذا البلد، رغم تأكيد الدستور العراقي الذي تم التصويت عليه عام 2005 على ضرورة الحفاظ على وحدة البلد في إطار نظام ديمقراطي تعددي يضمن لجميع المذاهب حرية العقيدة والممارسة الدينية، ويقوم هذا النظام على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العِرق أو الإثنية أو القومية أو المذهب.

كما تسبب ظهور الجماعات الإرهابية لاسيّما تنظيم “داعش” في تكريس الطائفية في العراق بسبب الإنقسامات السياسية بين مكوناته الأساسية واستغلال أمريكا لهذه الإنقسامات من أجل تعميق الخلاف وبث الفرقة بين الطوائف العراقية الرئيسية في إطار مشروع يهدف في نهاية المطاف إلى تقسيم البلد إلى ثلاث مناطق “شيعية وسنيّة وكردية”.

ومن الأمثلة البارزة الأخرى للمشاريع الغربية في المنطقة هو التدخل المباشر وغير المباشر لحلّ الأزمة في سوريا. فهذه المشاريع ليس فقط لم تتمكن من إيجاد تسوية لهذه الأزمة؛ بل زادتها تعقيداً لأن الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا لم تكن جادّة فعلاً بإيجاد حلّ لهذه الأزمة، بالإضافة إلى أنها دعمت ما تسميه “المعارضة المعتدلة” ضد حكومة الرئيس بشار الأسد. ولا زال الغرب والدول الإقليمية الحليفة له لاسيّما السعودية وتركيا وقطر يحولون دون التوصل إلى تسوية للملف السوري، فيما تسعى إيران وروسيا ومحور المقاومة لتحقيق هذا الهدف من خلال دعمهم للقوات السورية للقضاء على الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها “داعش” وما يسمى “جبهة النصرة” و”الجيش الحر” وغيرها من التنظيمات المتطرفة.

وتجدر الإشارة إلى أن المشاريع الغربية لتسوية الأزمات في الشرق الأوسط التي أدت إلى مقتل وجرح وتشريد الآلاف من البشر، ساهمت كذلك بإطالة عمر هذه الأزمات من خلالها تكريسها لمظاهر العنف والتطرف في المنطقة خاصة في العراق وسوريا إلى درجة باتت معها هذه الأزمات عصيّة على الحلّ ما لم تكفّ الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا عن التدخل المباشر وغير المباشر بشؤون المنطقة.

ويمكن القول بأن من الأسباب التي أدت إلى إطالة عمر الأزمات في الشرق الأوسط هو عدم حيادية الغرب في التعاطي مع هذه الأزمات وعدم إدراكه لطبيعة الصراعات التي تسببت بهذه الأزمات، فضلاً عن النوايا المبيتة التي تسعى من خلالها العواصم الغربية إلى تحقيق مآربها.

في الختام ينبغي التأكيد على أن تسوية الأزمات في الشرق الأوسط تكمن فقط بعدم التدخل في شؤون دول المنطقة، وإتاحة الفرصة لجميع مكوناتها العرقية والدينية بما فيها الأقليات لممارسة حقوقها وعدم تهميش أو إقصاء أي من هذه الأطراف سواء في التمثيل السياسي أو توزيع الثروات وغيرها من أنواع المشاركة في إدارة شؤون الدولة. وبعبارة أخرى لابدّ من إنتهاج الصيغة الديمقراطية في الحكم لضمان حقوق جميع المكونات الاجتماعية بعيداً عن الاستئثار بالسلطة وبعيداً عن أي تدخل أجنبي في شؤون البلاد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق