دلالات إعادة تشكيل “هيئة كبار العلماء” في السعودية
قام الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز” قبل أيام بإعادة تشكيل ما يسمى “هيئة كبار العلماء” التي تعد أعلى سلطة دينية في البلاد.
وشملت التغييرات تعيين أربعة أعضاء جدد، هم محمد العيسى وسليمان أبا الخيل وصالح العصيمي وجبريل البصيلي، مقابل إعفاء ثلاثة أعضاء هم قيس المبارك وعلي الحكمي وسعد الخثلان، مع الإبقاء على الأعضاء الآخرين وبينهم أسماء وجدت منذ تأسيس الهيئة قبل نحو 47 عاماً.
وينظر الكثير من المراقبين إلى هذا الإجراء على أنه بداية لتغييرات غير مسبوقة في الخطاب الديني الذي تنتهجه السعودية، خصوصاً وإن بعض الأعضاء الجدد قد أثاروا جدلاً بآرائهم الدينية والسياسية حول قضايا مختلفة، لكن ذلك لا يعني أي تحول جذري سريع، مستندين في ذلك إلى بقاء العدد الأكبر من أعضاء الهيئة “المحافظين” في مناصبهم.
وتجدر الإشارة إلى أن محمد العيسى، وسليمان أبا الخيل، من الشخصيات المعروفة في السعودية وتثير آراؤهم سجالات واسعة باستمرار، يزيدها ظهورهما المتواصل على وسائل الإعلام المحلية وتناقل أحاديثهما على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومحمد العيسى، هو وزير العدل السابق الذي سمح للسعوديات خلال وجوده في الوزارة بممارسة مهنة المحاماة ومنحهن ترخيصاً بذلك لأول مرة في تاريخ السعودية التي تواجه فيها المرأة صعوبة في الحصول على حقوق مشابهة لما تتمتع به النساء في باقي دول العالم.
وتعرض العيسى طوال فترته في الوزارة التي امتدت من العام 2009 وحتى 2015 لانتقادات واسعة من قبل “المحافظين” السعوديين الذين اتهموه بتشجيع الاختلاط بين الجنسين المحظور في البلاد. وسادت مؤخراً حالة من الجدل بين السعوديين بسبب انتشار الدعاوى حول جعل المرأة تعمل وإيجاد وسائل ترفيهية.
ويؤكد الليبراليون أن “العيسي” هو من الوهابيين الذين يدعون إلى الإصلاح وتشجيعه داخل الأسرة الحاكمة.
كما أن سليمان أبا الخيل، وهو أكاديمي ورئيس جامعة محمد بن سعود، ليس أقل جدلاً من سابقه، ويوصف بأنه معاد لما يطلق عليه في السعودية “تيار الصحوة” الذي يرمز لتزايد نفوذ رجال الدين خلال العقدين الماضيين وهيمنتهم على كثير من مفاصل الحياة الاجتماعية في البلاد. كما يوصف من قبل مستخدمي “تويتر” في السعودية بأنه ليبرالي، حيث ذكر في إحدى التصريحات الصحفية أن بعض العلماء أفسدوا عقول الشباب السعوديين.
ويعد أبو الخيل واحداً من أكثر رجال الدين تأييداً لـ “رؤية السعودية 2030” (خطة تحول في الاقتصاد القائم على النفط وتنويعه)، وسبق أن نفذ عدداً من المبادرات دعماً لها، فيما تقابل بعض تفاصيل الخطة، لاسيّما ما يتعلق بالترفيه معارضة علنية من أعضاء آخرين قدامى في “هيئة كبار العلماء”.
وأبدى كثير من السعوديين المحسوبين على تيار المحافظين حالة من عدم الرضا إزاء تعيين العيسى وأبا الخيل، لكن مخاوفهم من حدوث تغيير في ما يسمونه “ثوابت الشريعة” تقللها أسماء أخرى مازالت موجودة في الهيئة منذ عقود.
والتغييرات الأخيرة في “هيئة كبار العلماء” تستهدف أيضاً على ما يبدو تنويع الآراء الدينية حول القضايا المطروحة، وهو أمر تتطلبه “رؤية السعودية 2030″، والتي تتطلب بدورها تغييرات جوهرية في القوانين المحلية، لاسيّما ما يتعلق بالمرأة والحياة العامة داخل المجتمع والتي تختلف آراء رجال الدين السعوديين حول تفاصيلها.
ومن خلال قراءة الوضع السعودي بشكل عام سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي يبدو أن التغييرات الأخيرة التي طالت “هيئة كبار العلماء” تهدف بالدرجة الأولى إلى التخلص من رجال الدين المستقلين وتقوية الخط الموالي للحكومة داخل الهيئة وإعداد الأرضية لتولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء “محمد بن سلمان” لتسلم زمام الأمور بعد وفاة والده، حيث يعتقد الكثير من المراقبين بأن بعض رجال الدين الجدد تم اختيارهم لعضوية الهيئة لتقويض نفوذ نظرائهم التقليديين، وإسكات الأصوات التي تنتقد التدهور الاقتصادي والخدمي في البلاد نتيجة الفساد المالي وتراجع أسعار النفط خلال العامين الماضيين والتكاليف الباهظة للعدوان على اليمن والذي أدى لتجاوز العجز في الميزانية السعودية إلى اكثر من ثمانين مليار دولار.
المصدر / الوقت