دور القاعدة في تأمين المصالح الأمريكية في العالم
بعد الحرب العالمية الثانية بدأ الاتحاد السوفيتي وأمريكا تنافسا من نوع آخر أدى الى نزاعات غير مباشرة بينهما مثل الحرب الكورية في عام 1950، ومن ثم عمد الجانبان الى دعم الجماعات المعارضة للطرف الآخر قرب حدوده و جاء ايجاد جماعة القاعدة في هذا السياق تحت ذريعة محاربة الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي أرادت امريكا تجميل صورتها فأعلنت ان “الإسلام الراديكالي” هو الخطر التي تريد مواجهته ومن ثم أعطت هجمات 11 سبتمبر الذريعة للأمريكيين للتواجد العسكري في البلدان الإسلامية.
أما القاعدة فمن جهتها أسست جماعات أخرى مثل داعش وجبهة النصرة وبوكو حرام والقاعدة في اليمن لإنشاء “الخلافة الإسلامية” المزعومة وقتال كل من يعرقل انشائها ولذلك أوجدت القاعدة أذرع لها في الخارج ونفذت هجمات مثل تفجيرات مترو لندن في عام 2006 وهيأت الرأي العام الغربي لتقبل العمليات العسكرية الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط.
ومع مجيء اوباما استخدمت أمريكا قرار الكونغرس القاضي بمنح الإجازة للحكومة بالتدخل العسكري في الخارج والصادر في عام 2001 بشكل أوسع فشمل هذا التدخل باقي دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا وقد تذرعت إدارة اوباما بضرورة مكافحة القاعدة وأذرعها وشنت هجمات مباشرة على ليبيا والعراق وسوريا واليمن تحت غطاء التحالف الدولي المتشكل من 50 دولة.
ومن أجل شن الهجمات على القاعدة وداعش وبوكو حرام أو تنظيم القاعدة في اليمن والصومال عمد الامريكيون الى تعزيز قواعدهم العسكرية في جيبوتي والنيجر وكاميرون وجمهورية افريقيا الوسطى ومصر والأردن والعراق وتركيا و دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي لكن زيادة عدد القوات الأمريكية والمعدات العسكرية في هذه المناطق لم تحقق النتيجة المرجوة.
فعلى سبيل المثال أصدر البيت الأبيض مؤخرا تقريرا جاء فيه ان امريكا نشرت عددا من قواتها في اليمن لدرء خطر هجمات القاعدة وقد شنت القوات الأمريكية 18 غارة جوية منذ تاريخ 13 يوليو 2016 لكن هذه الغارات لم تحد من سرعة انتشار القاعدة التي تستفيد من فراغ السلطة الموجود في اليمن، كما شنت الطائرات الامريكية أكثر من ألف غارة على العراق وسوريا لضرب الجماعات الإرهابية لكن من دون نتيجة تذكر.
ورغم ذلك لم يزل مسؤولو البيت الأبيض يعدّدون المخاطر الأمنية للجماعات الارهابية وخاصة القاعدة وأفرعها على الأمن العالمي ويقولون ان تحديد فترة زمنية دقيقة لبقاء القوات الأمريكية في المحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا ليس ممكنا حتى الآن.
ولايمكن تصور فترة زمنية محددة لإنهاء انتشار هذه القوات الأمريكية في هذه المناطق التي ذكرناها ولايمكن حتى لدونالد ترامب الذي يدعو الى الإنطوائية ان يؤثر على الإستراتيجية الامريكية هذه، لأنه اذا نظرنا الى خريطة إنتشار القوات العسكرية الأمريكية في العالم نرى بأن القادة الامريكيين اختاروا هذه المناطق والدول لأهداف خاصة وان مكافحة الإرهاب ليست إلا ذريعة لتحقيق المصالح القومية الأمريكية.
وفي الوقت الراهن هناك أكثر من 2300 عسكري أمريكي ينتشرون في الأردن بذريعة دعم العمليات ضد داعش وحفظ أمن الأردن لكن أهمية الأردن تكمن في حفظ أمن الكيان الإسرائيلي، كما ان وجود قواعد عسكرية أمريكية في الخليج الفارسي يزيد من قدرات واشنطن للإشراف على تجارة الطاقة عبر الدول العربية.
واذا نظرنا الى أفغانستان وصعود وهبوط سيطرة طالبان والقاعدة وأخيرا داعش في هذ البلد نجد بأن خروج 9800 جندي أمريكي من أفغانستان ليس واردا على الأقل في المدى المنظور وهذا يعني استمرار التواجد العسكري الأمريكي قرب حدود كل من روسيا والصين وايران.
ان أهمية الدول الإفريقية وخاصة مصر وجيبوتي تكمن في موقعهم الجغرافي الإستراتيجي في البحر الأحمر والبحر الابيض المتوسط ومضيقي تيران وباب المندب وخليج عدن وكذلك الثروات الطبيعية الموجودة في الصومال والنيجر وليبيا وهذا يفسر تمسك الأمريكيين برفع شعار “مكافحة الإرهاب” للبقاء في هذه البلدان والمناطق.
ولذلك يجب القول ان البشرية لم تحصد من الحروب الأمريكية الإستباقية ضد “التطرف” سوى عدم الإستقرار والخلافات الطائفية والقومية وزيادة التبعات الأمنية وإنتشار الفقر والجهل وتفشي الأمراض.
المصدر / الوقت