التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

ما بين أمن السعوديّة وأمن اليمن! 

لم يكن مفاجئاً كلام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في افتتاح دورة جديدة لمجلس الشورى السعودي، إلا أنّه لم يكن واقعيّاً.

فقد اعتبر الملك سلمان في خطابه الذي تحدّث فيه عن الحل السياسي للأزمات الدوليّة أنّ “أمن اليمن من أمن المملكة ولا نسمح بالتدخل في شؤونه”، متمنيا نجاح الأمم المتحدة في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني.

نحن أيضاً، نشاطر الملك سلمان، قولاً وفعلاً، في الحل السياسي لمختلف الأزمات الدولية وتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام وفي مقدّمة هذه الشعوب الشعبين اليمني والسوري، ولكن نسأل: هل حقّقت السعودية الأمن في اليمن؟ من المسؤول عن حالة الفوضى التي تشهدها الحدود الجنوبيّة للمملكة؟ من المسؤول عن الدماء التي أريقت بدم بارد على أراضي اليمن؟

قد يتّهم البعض “أنصار الله” بذلك، وهو أمر غير واقعي، فحتّى لو أخطأت هذه الحركة في أي خطوة سياسيّة (رغم أن الشرارة كانت إثر مشروع الأقاليم الست الذي حاول هادي إقراره رغم أنّه جاء بأمر سعودي وبخلاف اتفاق السلم والشراكة الموقّع بين مختلف المكوّنات اليمنية)، هل يبرّر هذا للسعودية شنّ عدوان لم تجنِ منه سوى الخيبة وإراقة دماء الشعب اليمني؟

عوداً على بدء، يحمل خطاب الملك السعودي أهميّة كبيرة في التوقيت والمضمون، ولعلّ تأكيده على رفض بلاده التدخّل في اليمن يعني أنّه متمسّك بالحرب، ولكن في الوقت عينه يجب الأخذ بعين الإعتبار أن أي قرار أمريكي ودولي قد يفرض على السعودية ما يفرضه.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها اليوم، حيث نتوقّع إيجاد جملة من التغيّرات في الموقف السعودي بسبب الخلاف القائم مع أمريكا في ظل الإدارة الجديدة، وهذا ما لمسناه من انسحاب الرياض نحو لندن، ولكن لابد من الإشارة إلى التالي:

أولاً: لا ندري كيف جمع الملك سلمان بين مقولة رفض التدخّل في اليمن واعتبار أمنه من أمن “المملكة”، وبين ما يسمّى بعاصفة الحزم والعدوان القائم منذ العام 2015. وهذا التناقض يحمل وجهين لا ثالث لهما: إمّا أن الملك سلمان استولى عليه مرض “الخرف” المصاب به في خطابه الأخير، أو أنّه يعي جيّداً ما يقول إنّما يسعى لخلط الأوراق والتعمية السياسية بسبب بعض المتغيّرات الإقليميّة والدوليّة.

ثانياً: فيما يخص المتغيّرات المحيطة بالسعودية، بدا النظام السعودي في الأيام الأخيرة متخبطا كثيرا في محاولاته فتح قنوات جديدة خشية سدّ القناة الأمريكية قريبا. فقد نشرت وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤول أمريكي قوله: “إن واشنطن قررت تقييد الدعم العسكري للحرب التي تقودها السعودية في اليمن نتيجة جرائمها بحق المدنيين وتعليق صفقات الأسلحة الأمريكية للسعودية”. هذا الكلام أيضاً يحمل وجهين. إمّا أن الادارة الأمريكية الحاليّة، التي تعد شريكة للسعودية في العدوان، تريد من السعودية الانسحاب بشكل أكبر نحو أوروبا بسبب ترامب، أم أنّها تريد تبييض صفحتها السوداء مع الشعب اليمني، وكافّة شعوب المنطقة، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.

ثالثاً: نسأل الملك السعودي الذي تحدّث عن الحل السياسي بعد أكثر من سنوات عجاف أصابت المنطقة: لماذا لم تعمد السعودية إلى الحل السياسي منذ اليوم الأول. وإذا كانت لا تلتزم بالحل السياسي السلمي في اليمن وسوريا والبحرين، لماذا لا تعمد إلى الأمر نفسه مع الشعب الفلسطيني عبر دعمه لمواجهة الكيان الإسرائيلي؟ وإذا ادّعت التزامها بالحل السياسي فماذا عن عشرات الآلاف والشهداء في اليمن؟ ماذا عن درع الجزيرة في البحرين؟ ماذا عن سوريا؟

رابعاً: لطالما وجّهت أصابع الاتهام إلى السعودية بعرقلة أي إتفاق يمني- يمني بدءاً من الإلتفاف على المبادرة الخليجية، وصولاً إلا التدخّل المباشر بعد الثورة التصحيحية. وبعد محاولة تمرير مشاريع التقسيم (الأقاليم الست)، أعلنت إغلاق السفارات الخليجية في صنعاء، ومن ثم ساهمت في فرار هادي إلى عدن ولاحقاً إلى الرياض التي أعلنت منها بدء عدوانها العسكري على الشعب اليمني. لم تكتف السعودية بذلك بل ذهبت إلى الأوراق الدولية ونجحت في استصدار القرار الأممي 2216 بحق اليمنيين.

خامساً: قلناها سابقاً، ونكرّرها اليوم، تخشى السعودية، حالياً أكثر من أي وقت مضى، من التوافق بين المكونات السياسية اليمنية بعد خروج هذا البلد من حديقتها الخلفية التي بقي فيها حتى العام 2011. ربّما تؤكد أفعال السعودية في عدوانها ما ينسب إلى المؤسس عبد العزيز آل سعود “عزكم في فقر اليمن وفقركم في عز اليمن”.

إن كلام سلمان يعدّ اعترافاً غير مباشر بالفشل في اليمن، تماماً كما اعترف قبل فترة في القمّة الخليجية بفشله في سوريا عندما دعا للحلّ السياسي، ولكن نتمنّى أن لا يقتصر هذا الاعتراف على الشاشات الإعلاميّة، بل نرى مفاعيله على أرض الواقع.

في الخلاصة، انتقلت السعودية من سياسة العرقلة إلى سياسة المواجهة التي لم تصب في صالحها. اليوم، ورغم أن الخطاب يحمل رسائل عسكرية فارغة، إلا أن الرياض تحاول العودة إلى التعطيل السياسي علّها تنجح في إعادة هذا البلد إلى فنائها الخلفي، ولكن عندما يستعدي أي نظام شعباً بأكمله يعني أنه يطوي الصفحة الأخيرة له في هذا البلد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق