التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

منعاً للغرق في نشوة الإنتصارات: سقوط تدمر والحاجة لقراءة موضوعية! 

سقطت مدينة تدمر بسرعة. وهي في الحقيقة شكَّلت نقطةً لصالح الإرهاب وداعميه. ولأن الحديث عن قراءة النتائج يُعتبر في هذه المرحلة ذا أهمية أكبر من تحديد أحجام الإنتصارات أو الخسارات، نجد أنه من الضروري وضع مسألة سقوط تدمر تحت المجهر، وجعلها مادةً للنقد الموضوعي. فالهدف هو مصلحة الشعب السوري، وإيجاد السُبل الحقيقية لإنهاء المؤامرة الكبرى على سوريا. خصوصاً أن الحروب تُقيَّم بنتائجها النهائية وليس بربح أو خسارة بعض معاركها. لذلك نُشير للتالي.

ما يجب الإشارة له قبل التحليل

عدة مسائل يجب الإلتفات لها قبل التحليل وهي كالتالي:

أولاً: جاء سقوط تدمر خلال مرحلة صعبة يعيشها تنظيم داعش الإرهابي. فالتنظيم فشل خلال الفترة الماضية في تحقيق أي تقدم أو انتصار ميداني، لا سيما في الميدان السوري وتحديداً دير الزور التي سعى وروَّج للسيطرة عليها بعد اسقاط مطارها العسكري. في حين يقبع التنظيم تحت ضغوط معارك عدة في الميدانين العراقي والسوري، تُعتبر بالنسبة له اليوم معارك وجود، تمتد من الموصل وتصل الى الرقة.

ثانياً: أشارت معلومات وزارة الدفاع الروسية الى أن عدد المهاجمين الذين شنوا هجوم تدمر بلغ حوالي أربعة آلاف عنصر من تنظيم داعش الإرهابي. وهو ما يعني عسكرياً، وبعد سقوط المدينة، وجود إمكانية لدى تنظيم داعش تُمكنه من شن معارك هجومية بالتزامن مع معاركه الدفاعية الأخرى. الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول حقيقة الإدعاءات الأمريكية التي أعلنها البنتاغون، حول قضائه على ما يُقارب 50 ألف مقاتل من التنظيم خلال سنتين، مما يدل مجدداً على زيف وكذب الإدعاء الأمريكي. فيما يطرح هذا الموضوع، أيضاً أسئلة حول الثغرات الأمنية والإستخباراتية التي تخص الإرهاب وحركته على الأرض السورية!

ثالثاً: إن الربط بين معركة حلب وسقوط تدمر يجب أن يكون موضوعياً. فالتنظيم الإرهابي داعش، يعتبر أغلب الفصائل المقاتلة في حلب أعداءه. فيما كان يعنيه من معركة حلب، خروج الجيش السوري منها خاسراً، وهو ما لم يحصل. لكن التنظيم استغل حتماً، انشغال الجيش السوري في معركة حلب ليشُن هجومه. وهنا لا بد من مراجعة نقاط الضعف التي ساعدته على ذلك!

كيف سقطت تدمر؟

حول كيفية سقوط تدمر، فإن كل الوقائع والحسابات العسكرية تُشير للتالي:

أولاً: ليس مُستبعداً أن يكون تنظيم داعش الإرهابي شن هجوم تدمر وفق حسابات خاصة به، كون معاركه اليوم معارك وجود. وهو الأمر الذي يكفي أن تغفل أمريكا عنه لينجح. هذا في حال اقتنعنا بأن واشنطن لم تُقدِّم له الدعم العسكري أو اللوجستي. خصوصاً أن ذلك، يتطابق مع مصلحة أمريكا الهادفة الى تكبيد الجيش السوري وحلفائه أكبر خسائر في الميدان.

ثانياً: أشارت أكثر التقارير العسكرية، لا سيما الروسية الى أن طائرات التحالف الدولي غابت عن النطاق الجوي للمدينة قبل فترة من سقوطها. وهو ما ساهم في احتلالها. مما يجعل فرضية التواطؤ الأمريكي قائمة، وهو ليس بالأمر الجديد. في حين لا يُبرر ذلك، سقوط المدينة ولو أن البعض أعاد الأمر لغياب التنسيق العسكري العملياتي!

تدمر وحسابات القوة والضعف لدى داعش

إن للنتيجة التي حققها تنظيم داعش الإرهابي، العديد من نقاط القوة والضعف في حساباته العسكرية. وهو ما نُشير له بالتالي:

أولاً: نقاط القوة

– تعتبر تدمر وبحسب موقعها الجغرافي نقطة تحركٍ مرن، من الناحية الجيوعسكرية. حيث تقع في الصحراء التي تربط سوريا بالعراق. الى جانب إمكانية جعلها نقطة هجوم محورية عسكرية في اتجاهات عدة نحو لبنان والأردن والعراق والداخل السوري.

– تمتلك مدينة تدمر العديد من المنافع والموارد الإقتصادية لا سيما حقول النفط والغاز والآثار القيمة المعروفة.

ثانياً: نقاط الضعف

إن الجغرافيا التي تمتلكها المدينة تُشكل بحد ذاتها نقطة ضعفٍ عسكري. فعلى الرغم من أن موقع المدينة مميز، لكن طبيعتها العسكرية تجعل منها خياراً صعباً للميليشيات أو الجماعات المسلحة وهدفاً سهلاً للجيوش الكلاسيكية. وهنا نُذكِّر بأن الجيش السوري استعادها منذ تسعة أشهر بعد اسبوعين من القتال فقط.

دلالات موضوعية يعنيها سقوط المدينة

بناءاً لما تقدم، نستنتج عدة دلالات مهمة نُشير لها في التالي:

أولاً: يبدو واضحاً أن تنظيم داعش الإرهابي، يحاول الإعتماد على الميدان السوري لكسب الأوراق وإعادة التموضع. حيث بات يُشكل الميدان السوري ساحة لتداخل المصالح وتناقضها، بين كافة الدول المتحاربة في سوريا. الأمر الذي يُميز الميدان السوري عن الميدان العراقي. وهو ما يحاول التنظيم الإستفادة منه.

ثانياً: تُشكِّل النقطة الأولى القاسم المُشترك بين الإرهاب والسياسة الأمريكية. حيث تسعى واشنطن لإبقاء الإرهاب كورقة لها، بعد خسارتها كافة الرهانات في الميدان السوري. وهو ما يعني أن السعي الأمريكي لإرساء استراتيجية انعدام الأمن والإستقرار في سوريا ما تزال قائمة ولن تنتهي حالياً. مما يُبرر المساعي الأمريكية لدعم الإرهاب في سوريا عبر تسليحه، خصوصاً اذا أخذنا بعين الإعتبار نقطة الضعف التي سبق وان أشرنا لها حول طبيعة تدمر الجيوعسكرية.

ثالثاً: إن الحديث الروسي عن غياب التنسيق العملياتي مع واشنطن، واعتباره سبباً لسقوط المدينة، يحتاج لدراسة وتأمل من أجل الإستفادة من نتائجه. خصوصاً أن روسيا كانت قد أيقنت مراراً زيف وكذب ادعاءات واشنطن في الحرب على الإرهاب. مما يفرض اعتماد التنسيق مع الجهات الصادقة في حربها ضد الإرهاب وهي باتت معروفة. ويُثبت أن سقوط تدمر، هو رسالة أمريكية للطرف الروسي تهدف للتعبير عن القدرة والحضور الأمريكي في الميدان السوري.

رابعاً: إن كل المُعطيات العسكرية تُشير الى إمكانية تحرير المدينة من قبل الجيش السوري بسهولة. وهو ما يُقرره الجيش السوري كونه صاحب الحق في تحديد أولوياته العسكرية ميدانياً وليس أي طرف آخر. فيما لا يجب إهمال استراتيجية الإرهاب والمؤامرة الكبرى التي ما زالت تُحاك ضد سوريا رغم انتصارات الجيش السوري المُشرِّفة.

لا شك أن سقوط تدمر يحتاج لوقفة تأمل دون الغرق كثيراً في نشوة الإنتصارات. فالمؤامرة الكبرى على سوريا ما تزال مستمرة. وليس الإنتصار أو الفشل في معركة هنا أو هناك في الميدان السوري إلا جزءٌ من حربٍ يبدو أنها طويلة. طالما أن أمريكا ما تزال تراهن على ورقة الإرهاب فيها. وطالما أن أطرافاً ما تزال تجد في التعاون الأمريكي أمراً ممكناً. لنقول إن سقوط تدمر يجب أن يكون محطة لإعادة تقييم استراتيجية مواجهة المؤامرة الكبرى ضد سوريا بشكل كليٍ وليس جزئي. وهو ما لا يستطيع إدراكه أولئك الذين يجدون في سوريا جغرافيا للتقسيم أو بسط النفوذ. فيما يوجد في سوريا وحولها، من هم غيارى على الشعب والجيش السوري بحق. كل ذلك نقوله منعاً للغرق في نشوة الإنتصارات!
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق