من إيران، للغرب الذي ينكث العهود: “سنُسرِّع قطار البحث النووي”
يظن البعض أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستتوسَّل الغرب من أجل نقضهم للإتفاق النووي. فالعقلية السياسية التي ترسخت لدى الكثيرين، تنطلق من مبدأ أن الشرق دوماً بحاجة للغرب. لكن إيران التي تميَّزت دائماً بسلوكها السياسي، لم تُفاوض الغرب على حقها وحقوق شعبها النووية يوماً. بل هي اليوم أقوى من أي وقتٍ مضى، بعد أن أثبت الغرب وتحديداً أمريكا أنهم ليسوا أهلاً للثقة أو الإلتزام بالعهود. وهو ما كانت تُدركه إيران، فيما أدركته اليوم الشعوب الغربية التي باتت تتميَّز بالوعي السياسي تجاه قضايا العالم والمنطقة. لنقول إن سلوك أمريكا لم يكن مفاجئاً فيما جاء الرد الإيراني، وعبر توجيهات الرئيس الإيراني، أقوى. حيث قالت إيران كلمتها، للغرب الذي ينكث العهود وقررت تسريع قطار البحث النووي.
توجيهات رئيس الجمهورية الإيرانية: إحترام لحقوق الشعب الإيراني
بعث الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني برسالة لوزارة الخارجية الإيرانية وأخرى لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، لتكليفهما رسمياً باتخاذ إجراءات ردّاً على “النقض الأمريكي” للإتفاق النووي مع طهران. وطلب الرئيس الإيراني من وزير الخارجية محمد جواد ظريف، تنفيذ المراحل المشار إليها في الاتفاق النووي لدراسة نقض الإتفاق، ومتابعة الشؤون القانونية والدولية اللازمة بجدية، وتقديم تقرير عن الخطوات المتخذة في هذا المجال إلى رئاسة الجمهورية خلال شهر. وذلك على اعتبار أن الحكومة الأمريكية خالفت في تنفيذ التزاماتها المفروضة عليها وفقا للإتفاق النووي حتى الآن، وقامت بخطوة تمديد قانون العقوبات ضد إيران والذي سبق وأعلنت إيران أنها خطوة مخالفة للإتفاق النووي.
وفي رسالة الرئيس الإيراني لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية طلب روحاني من رئيس المنظمة على أكبر صالحي، القيام بوضع خطة عملية خلال مهلة ثلاثة أشهر، تتعلق بالتخطيط لتصميم محركات نووية لاستخدامها في مجال النقل البحري بالتعاون مع المراكز العلمية ومراكز الأبحاث وصنعها. الى جانب دراسة وتصميم إنتاج الوقود المستعمل في المحركات النووية بالتعاون مع المراكز العلمية ومراكز الأبحاث.
ما يجب أن يُقال
عدة مسائل يجب توضيحها، على الصعيد المحلي والدولي المتعلق بإيران، نُشير لها بالتالي:
أولاً: تتمتع إيران بوعيٍ سياسي كبير على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي. وبالتالي فإن محاولات أمريكا بثَّ الخلافات الداخلية بين المسؤولين الإيرانيين أو بين الطبقة السياسية والشعب الإيراني تحت مسميات عديدة، هي محاولات فاشلة وغير قابلة للتطبيق. حيث أن الإختلافات الطبيعية الموجودة بين الأفرقاء السياسيين هي اختلافات في وجهات النظر التنفيذية وليس المبادئ أو المنطلقات الأساسية لها. أما فيما يخص حقوق إيران النووية تحديداً، فلا يوجد أي اختلاف حول ذلك، وهو ما ينسحب على كافة الحقوق الشعبية والقومية الأخرى لإيران.
ثانياً: إن مسألة الحق النووي، هي مسألة تتعلق بحقوق إيران القومية. وهو ما يتعاطى معه الشارع الإيراني الرسمي وغير الرسمي، على أنه حق طبيعي يجب الإستفادة منه. لذلك فإن من آثار تمديد فرض العقوبات على إيران، سيكون مزيد من الإصرار والتمسك لدى الشعب الإيراني بحقوقه والمضي قُدماً في مجال تطوير قدراته لا سيما النووية.
ثالثاً: أثبتت أمريكا وبعض الغرب ومن خلال سلوكهم، أنهم لم ولن يكونوا أهلاً للثقة. بل إن السلوك الأمريكي في تمديد العقوبات، أثبت أن النظرة الإيرانية التاريخية للطرف الأمريكي مُحقة. وهي النظرة التي تجد في أمريكا عدواً مخادعاً لا يتمتع بالثقة. بل إن النتيجة الحتمية للسلوك الأمريكي والغربي اليوم، إقتناع شعوب المنطقة والعالم لا سيما الغربي، أن حكومات الغرب ليست جديرة بحفظ التزاماتها تجاه الدول أو الشعوب طالما أنها تتماشى مع السياسة الغربية.
رابعاً: تمتلك إيران القدرة على العيش والإستمرار بمعزلٍ عن حاجتها للغرب. فالجمهورية الإسلامية لم تطمح يوماً بإقامة علاقاتٍ مع الدول الغربية والتي من الواضح أنها تنتهج سياساتٍ تابعة للسياسة الأمريكية، تختلف في مبادئها عن مبادئ الثورة الإسلامية. فيما يهم إيران بناء أطرٍ من المحبة والتواصل مع الشعوب الغربية التي تحترم. لذلك فإن التعاطي مع فرض العقوبات على إيران وكأنه محاولة لعزل إيران، هو أمر غير واقعي في ظل الوعي الذي باتت تعيشه الشعوب الإقليمية والدولية للدور الإيراني في المنطقة والعالم. كما أن سياسة الغرب وتحديداً أمريكا تعتمد دوماً على احتكار العلاقات بين الدول، وهو ما بات معلوماً.
خامساً: إن رسالة رئيس الجمهورية الإيرانية وتوجيهاته للمسؤولين المعنيين، تدل على حجم الإحترام الذي تتمتع به السلطة السياسية في إيران على الصعيدين التخطيطي والتنفيذي. بل إن خطوة الرئيس روحاني المُشرِّفة، هي خطوة نموذجية ومثال للسياسة التي تحترم حقوق ومطالب الشعب ومبادئ الدولة والثورة الإسلامية. لنقول إننا أمام نموذج إستثنائي، مثَّله السلوك السياسي الإيراني في التعاطي المحلي مع القضايا الكبرى. وهو ما لا نجده متوفراً لدى العديد من الدول في منطقتنا والعالم.
إننا اليوم أمام حقيقة كانت واضحة. لم ولن تكون أمريكا أهلاً للثقة. وكذلك سيكون الغرب طالما أنه يتماشى مع السياسة الأمريكية التي تناقض حتى مصالح شعوبه. لنقول إن إيران، لم تنجح فقط في تقديم نموذجٍ عمليٍ في السياسة الدولية، بل نجحت أيضاً في تقديم نموذجٍ عمليٍ في التعاطي مع الحقوق المحلية المُتعلقة بالقضايا الكبرى. وهو ما عبَّرت عنه التوجيهات المُشرفة للرئيس الإيراني. أما الرسالة الواضحة للغرب وعبر الخطوة القوية هذه فهي: من إيران، للغرب الذي ينكث العهود، “سنُسرِّع قطار البحث النووي”.
المصدر / الوقت