داعمو الإرهاب.. بين تخريب سوريا ومزاعم إعادة إعمارها
لو قمت بجولة سريعة في مواقع الإنترنت ستجد أمامك سيلاً من الأخبار والصور وأفلام الفيديو التي تتحدث عن الانتصارات الكبيرة التي حققتها القوات السورية والقوات الساندة لها لاسيّما الروسية والإيرانية ومحور المقاومة على الجماعات الإرهابية خصوصاً في مدينة حلب شمال غرب البلاد.
ومن بين العناوين التي تبرز أمامك أيضاً هي الاقتراحات التي تقدمت بها بعض الأطراف الإقليمية والدولية لإعادة بناء سوريا التي تحوّل الكثير من مدنها إلى أنقاض بسبب الدعم اللامحدود الذي قدمته العديد من الدول للجماعات الإرهابية للقيام باحتلال هذه المدن وتدميرها طيلة السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية التي اندلعت في مطلع عام 2011.
ومن الأطراف التي اقترحت المشاركة في إعادة إعمار سوريا هي السعودية والاتحاد الأوروبي. فما هي الأسباب التي دعتهما إلى ذلك؟ وما هي الأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها من وراء ذلك؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد من الإشارة إلى أن السعودية تأتي في طليعة الدول التي دعمت الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح من أجل الإطاحة بنظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، كما تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي تقدم باقتراح المشاركة في إعادة إعمار سوريا ضمن شروط محددة سنشير لها لاحقاً.
المشروع السعودي للمشاركة في إعادة إعمار سوريا
أعلنت السعودية مؤخراً عن استعدادها للمشاركة في إعادة إعمار سوريا التي تقدر كلفتها بأكثر من 200 مليار دولار. وهذا الأمر يذكرنا في الحقيقة بذلك الشخص الذي يدفع أموالاً لعدد من الأطفال مقابل الطلب منهم تكسير زجاج نوافذ بعض المنازل من أجل أن يقوم هذا الشخص فيما بعد باستبدال زجاج هذه النوافذ للحصول على مبالغ أكثر من تلك التي منحها للأطفال.
فالسعودية التي حرّضت الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة ودعمتهم بمختلف أنواع الدعم المالي والتسليحي والإعلامي والسياسي لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وتسببت بمقتل وإصابة وتشريد الملايين من السوريين والحاق دمار كبير بالبنى التحتية للبلد في مختلف المجالات، تسعى اليوم للتغطية على هذه الجرائم من خلال الإعلان عن استعدادها للمشاركة بإعادة إعمار سوريا. وتحاول الرياض من وراء ذلك تحقيق هدفين أساسيين:
الأول: الأرباح الطائلة التي يمكن أن تجنيها من هذه المشاركة خصوصاً وأن الكثير من البنى الاقتصادية والخدمية في سوريا بحاجة إلى إعادة إعمار بعد أن تضررت بشكل كبير جراء العمليات العسكرية والعمليات الإجرامية التي نفذتها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الخمس الماضية.
الثاني: تحسين صورة السعودية أمام الشعب السوري والظهور بمظهر الحريص على مصالح ومستقبل هذا الشعب، وذلك من خلال توظيف وسائل الإعلام الموالية للرياض لتحقيق هذا الغرض.
ويعتقد بعض المراقبين بأن السعودية تسعى أيضاً من خلال إعلانها عن الاستعداد للمشاركة في إعادة إعمار سوريا إلى تهيئة الأرضية لعودة بعض الجماعات المعارضة للانخراط في المجتمع السوري لتنفيذ أجندتها البعيدة المدى ضد حكم الرئيس الأسد.
ويتوقع هؤلاء المراقبون أن تعمد السعودية إلى استغلال نفوذها وتأثيرها في العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية ومن بينها صندوق النقد الدولي للحصول على عقود استثمارية ضخمة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا لتحقيق أهدافها الآنفة الذكر.
ازدواجية الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع الإرهاب
كشفت الأزمة السورية بوضوح عن التعاطي المزدوج من قبل الغرب لاسيّما أمريكا مع الجماعات الإرهابية وذلك من خلال السعي لتصنيف هذه الجماعات إلى متطرفة ومعتدلة. وقد استغل الاتحاد الأوروبي هذا الأمر لفرض شروط على سوريا مقابل المشاركة بإعادة إعمارها، حيث تسعى دول الاتحاد إلى ضمان مستقبل ما تسميه الجماعات المعتدلة في أي عملية سياسية قادمة في سوريا، ويهدف هذا الشرط في الحقيقة إلى إحراج دمشق التي ترفض تسلل الإرهابيين إلى أوساط المجتمع ومؤسساته السياسية تحت ذريعة ما يسمى المصالحة بين “الجماعات المعتدلة” وحكومة الرئيس الأسد.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول بأن السعودية والغرب ليسا بصدد القضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وإنما يحاولان في الواقع مواصلة الدعم لهذه الجماعات ومن بينها ما يسمى “أحرار الشام” وحركة “نور الدين الزنكي” التي يدعي الغرب بأنها جماعات معتدلة للإبقاء على حالة الفوضى في الشرق الأوسط لتحقيق أهدافهما في عموم المنطقة.
المصدر / الوقت