إغتيال القيادات الفلسطينية خارج الحدود: صراعٌ حول فرض المعادلات العسكرية!
لم يكن عمل اغتيال القيادي في كتائب عز الدين القسام عملاً مُفاجئاً. خصوصاً أن الرجل مهندسٌ أكد الإعلام الإسرائيلي ارتباطه بمشروع “طائرات أبابيل” وحرب “العصف المأكول”، والتي ظهرت فيها أوراق قوة جديدة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس. الأمر الذي يبدو أنه دفع القيادة الإسرائيلية، لتوجيه رسالة لحماس والمقاومة الفلسطينية من خلفها، مفادها إرساء معادلة جديدة بأن اليد الإسرائيلية ستطال أدمغة المقاومة أينما كانوا. وهو ما بات يفرض بحسب الخبراء العسكريين، حاجةً لخلق معادلاتٍ جديدة منعاً لتمادي الكيان الإسرائيلي. في حين توجد العديد من الدلالات الأخرى المهمة لعملية الإغتيال – والتي لمَّح وزير الحرب الإسرائيلية الى مسؤولية تل أبيب عنها – يجب الوقوف عندها وتحليلها. فهل بات الصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي حول فرض المعادلات العسكرية؟
تل أبيب تعترف: الشهيد محمد الزواري مهندسٌ شكَّل خطراً على الإحتلال
في حديثها عُقب حادثة اغتيال الشهيد المهندس محمد الزواري، قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن المهندس الزواري زار قطاع غزة ثلاث مرات عبر الأنفاق ليُشرف على تطوير برنامج القسام العسكري، لا سيما المشروع المعروف بإسم “طائرات أبابيل” حيث قدم للمقاومة الفلسطينية معلومات مهمة أبرزت قدراته الهندسية ونبوغه التكنولوجي. وبعد اغتياله أكدت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في بيان نعيٍ أصدرته في 17 كانون الأول منذ أيام، أن الزواري التحق بصفوفها وعمل فيها قبل عشر سنوات، وكان أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع الطائرات من دون طيار والتي كان لها دور في حرب “العصف المأكول” مع الكيان الإسرائيلي عام 2014.
دلالاتٌ مهمة قبل التحليل
عدة أمورٍ يجب الوقوف عندها كدلالات قبل الخوض في التحليل نُشير لها في التالي:
أولاً: حاول وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس الأربعاء وتعقيباً على اغتيال المهندس محمد الزواري، التلميح لمسؤولية الكيان الإسرائيلي بشكلٍ مقصود. خصوصاً بعد تأكيده على أن الكيان الاسرائيلي سيفعل أي شيء لحفظ أمنه القومي وفي أي مكان وزمان.
ثانياً: في العام 2010 قامت تل أبيب باغتيال القيادي في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس محمد المبحوح في الإمارات. بأسلوبٍ مشابه وخارج الأراضي الفلسطينية. وهو ما يجب التذكير به.
سؤالٌ يختصر الصراع: من يفرض المعادلات؟
إنطلاقاً من الدلالات التي أشرنا لها، بالإضافة الى عدة أمور يمكن قول التالي:
أولاً: إن تلميح وزير الحرب الإسرائيلي يُعتبر دليلاً على نية القيادة الإسرائيلية العسكرية والأمنية توجيه رسالة الى المعنيين في قيادة المقاومة الفلسطينية حماس وكافة الفصائل، بأن اليد الإسرائيلية ستطال أي قيادي يُشكَّل خطراً على معادلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتجاوزاَ للطوط الحمراء التي تحددها تل أبيب.
ثانياً: ينطلق التحليل الأول من حقيقة مفادها أن الكيان الإسرائيلي كان وما يزال جزءاً من الأطراف العديدة التي تتماشى مع السياسة الأمريكية في المنطقة، مع لحاظ الفرق في الأسلوب والقدرة، والتي خسرت الكثير من رهاناتها خلال الفترة الماضية. وهو ما يدفع تل أبيب لمنع بروز أي معادلات جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي خصوصاً من قِبل المقاومة الفلسطينية وعلى الساحة الفلسطينية التي تعتبرها تل أبيب ساحتها التي تريد التحرك بها كيفما تشاء.
ثالثاً: أظهر الحديث الإسرائيلي وعملية الإغتيال، حجم القلق والخطر الذي بات يُشكِّله تطور القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينة لا سيما الهجومية منها. خصوصاً استحواذها على صواريخ أرض – بحر وتمكّنها من سياسة الأنفاق العسكرية واستخدامها في شن الهجمات الى جانب أسلوب الطائرات بدون طيار، والذي يُعتبر تكتيكاً هجومياً قادراً على المساعدة في فرض معادلات جديدة.
كيف يجب المواجهة؟
إن التحديات الجديدة في الصراع لا يمكن أن تواجه بنفس الأسلوب القديم. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: أثبتت المقاومة الفسطينية جهوزيتها الدائمة وقدرتها على خلق معادلات الردع، على الرغم من الفرق في القدرات العسكرية بينها وبين الجيش الإسرائيلي. وهو ما يعني إمكانية مضي المقاومة الفلسطينية في إيجاد معادلاتٍ جديدة للصراع على الرغم من صعوبة التحديات. في حين يُعتبر القلق الإسرائيلي ولجوءه الى العمليات الأمنية خارج الحدود خير دليلٍ على ذلك.
ثانياً: بعد أن بات معلوماً أن كافة الفصائل الفلسطينية، قادرة على توجيه الضربات الموجعة للكيان الإسرائيلي، تقتضي خطوة الإحتلال الإسرائيلي الأخيرة، رداً مقابلاً من حركة حماس تُحدِّده هي من حيث الزمان والمكان والكيفية. وذلك منعاً لتمادي الإحتلال الإسرائيلي من توجيه الضربات للمقاومة ساعة يشاء.
ثالثاً: يجب التأكيد على أن هذه العملية ليست الأولى من نوعها. بل إن الكثير من العمليات التي جرت في السابق واستهدفت قيادات مقاومة فلسطينية، لم تزيد حركات المقاومة إلا إصراراً وعزيمة. وهو ما سيكون حال المقاومة الفلسطينية اليوم.
إذن من الواضح أن الخطوة الإسرائيلية والتي نجحت في اغتيال المهندس الزواري، لن تنجح في تحقيق أهدافها. فالصراع القائم بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، صراعٌ قائمٌ على العديد من المعادلات التي تفرضها طبيعة أي صراعٍ عسكري. لكن قوة الشعب الفلسطيني والتحامه بمقاومته، تبقى أكبر من قدرات الجيش الإسرائيلي الباحث عن وطن والفاقد للشرعية. في حين تحتاج خطوة تل أبيب، لرد فعلٍ موجع، يخلق معادلةً تردع الكيان الإسرائيلي الذي بات يعيش حالة القلق الدائم. لنقول أن عملية اغتيال القيادات الفلسطينية خارج حدود فلسطين، هي تعبيرٌ عن صراعٍ قائمٍ بين المقاومة الفلسطينية والكيان الإسرئيلي، حول فرض المعادلات العسكرية. نرى أنه يجب أن تُدير زمامه المقاومة القادرة على ذلك.
المصدر / الوقت