استراتيجية الدول الخليجية: التوازنان الداخلي والخارجي ضد إيران
تتبع الانظمة الملكية للدول الخليجية مقاربة جديدة من أجل مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية وصدها؛ حيث ترى هذه البلدان أن السبيل الوحيد لبقاء سلطة ملوكها هو الاتحاد والتوازنان الداخلي والخارجي. وعقد آخر اجتماع لمجلس التعاون في العاصمة البحرينية، المنامة. وشاركت في هذا الاجتماع قوى اقليمية ودولية، حيث تم التباحث بأمور مختلفة دار اغلبها حول عرض صورة مشوهة لدور إيران في المنطقة وتوجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. على سبيل المثال أكدت رئيسة الوزراء البريطانية المشاركة في الاجتماع، “تيريزا ماي” استعداد بلادها للتعاون المشترك مع الدول الخليجية ضد إيران مضيفة أن: “أمن الخليج الفارسي من أمن بريطانيا”، وقد استعملت الدول الأجنبية الأخرى نفس اللهجة واتخذت مواقف مشابهة.
إن الملاحظة اللافتة للنظر في هذا المجال هي سعي ممالك الخليج الفارسي لزج دول أجنبية في الملفات الاقليمية، حيث أنها تسعى الى تعزيز الجهود والعلاقات الدبلوماسية من أجل تحقيق توزان داخلي وخارجي ضد محور المقاومة.
النظام الامني الأجنبي مقابل النظام الأمني الاقليمي
حاولت الدول الخليجية ومنذ نشأتها أن تربط أمنها واستقرارها بالقوات العسكرية الأجنبية. وسعت هذه الممالك خلال العقود الماضية الى دفع القوى العظمى للعب دور في النظام الأمني لمنطقة الخليج الفارسي، ليبسط هذا النظام الأمن –حسب زعمهم- ويضمن بقاء الكيانات الصغيرة في المنطقة مقابل الدول واللاعبين الكبار والأقوياء.
إن معاداة إيران ورسم صورة مشوهة لها واعتبارها دولة ذات اطماع دفع الدول الخليجية الى تبعية القوى العظمى من أجل ضمان أمنها، وعلى الطرف الآخر لطالما سعت إيران لتوفير الامن في المنطقة عن طريق التعاون بين دول المنطقة وعن طريق عقد معاهدة “الأمن الجماعي”.
وترى إيران أن تدخل القوى الأجنبية في المنطقة يشدد الاضطرابات والخلافات والعداء فيها، ويؤدي الى انعدام الأمن والاستقرار؛ وبعد الثورة الإسلامية في إيران تابعت إيران موضوع بسط الأمن في المنطقة عبر مشاركة جميع الدول، وكان سماحة قائد الثورة الإسلامية مؤسس هذه الفكرة والداعي لها، حيث اكد مرارا أن نشر القوات الأمريكية في المنطقة خطر يهدد شعوبها وينشر التفرقة بينها.
السعي لاعادة القوة التقليدية الى غرب آسيا
تنظر الدول الخليجية إلى نوع المقاربة الأمريكية في ملفات المنطقة ومعادلاتها مثل عدم التدخل المباشر في الأزمة السورية، الاتفاق النووي مع إيران وعدم توفير الدعم الحاسم لحلفائها السابقين من زاويتين:
1- السياسة الأمريكية في الالتفاف نحو شرق آسيا.
2- تفضيل إيران على الحلفاء السابقين في حل الأزمات الاقليمية.
وترى الدول الخليجية أن أهم ما يفكر به المسؤولون الأمريكان هو تراجع موقع أمريكا وظهور قوى كبرى مثل الصين وزوال النظام أحادي القطبية، الى جانب سعي لاعبين مختلفين لرسم مستقبل النظام العالمي. ودفعت هذه الاوضاع أصحاب القرار في أمريكا الى أن لا ينظروا الى غرب آسيا على أنها منطقة ذات مصالح عليا لأمريكا. ثانيا أن الرغبة الأمريكية في حل المشاكل الحقيقية في غرب آسيا أدت تلقائيا الى الحرب، مقتل جنود امريكان وفي النهاية تشويه سمعة أمريكا، لذلك تسعى أمريكا للنأي بنفسها عن التدخل المباشر في أزمات المنطقة وتفضل البقاء خلف الكواليس.
استراتيجية الدول الخليجية: التوازنان الداخلي والخارجي
اتجهت الدول الخليجية الى التقارب والتعاون المتعدد الاطراف من أجل مواجهة التهديدات المحدقة بحكوماتها:
1-التوازن عن طريق القوى الداخلية: تحاول الدول الخليجية ربط اقتصادها وأمنها باقتصاد وامن بعضها البعض، لتكون أكثر قوة بوجه الاعتراضات والأزمات الداخلية والتهديدات الخارجية. وتسعى هذه الممالك لتحقيق ذلك عن طريق “اتحاد الخليج الفارسي”.
2-توفير الامن من خلال الاعتماد على الخارج: تسعى الدول الخليجية الى تعزيز علاقاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الدول الأجنبية، حيث ترى أن وجود القوات الأجنبية على أراضيها يعني الحماية لحكوماتها. لذلك أدى تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة الى فراغ في القوة بالخليج الفارسي، ومن هذا المنطلق اتجهت هذه الممالك الى دول مثل بريطانيا وفرنسا لتملأ هذا الفراغ.
إن التهديد المترتب على هذا الموضوع ناجم من احتمال المواجهة المباشرة بين إيران والدول الاجنبية، إن تدخل هذه الدول في ملفات المنطقة ومواقفها الداعمة للدول الخليجية أدت الى فتور العلاقات بين إيران وتلك الدول ومما اضطر الانظمة الرجعية في هذه الممالك الى تحمل الضغوط والتکاليف الباهضة.
الاستنتاج
إن الدول الخليجية تبحث عن مقاربة جديدة لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية والرد عليها، وهي ترى أن المقاربة الوحيدة التي تضمن بقاء حكوماتها هي الاتحاد الى جانب التوازن الداخلي والخارجي. وتبنى الموازنة الداخلية عن طريق العلاقات الاقتصادية، السياسية والعسكرية المشتركة ضمن اطار اتحاد الخليج الفارسي. فعبر تعزيز الأنظمة المشتركة ودمج القوات العسكرية تستطيع هذه الدول مواجهة الازمات الداخلية والخارجية بكلفة أقل، وباتخاذ القرارات الجماعية تتوصل هذه الممالك الى نظام أمني جماعي، يعد فيه التهديد لأي دولة على أنه تهديد لجميع الدول الأعضاء مما يترتب عليه ردا جماعيا.
ويرى زعماء الدول الخليجية أن التهديدات التي تحدق بحكوماتهم من الداخل والخارج تجعل التوصل إلى هذا النظام امرا ملحا. ومن جهة اخرى تتخذ هذه الدول مقاربة الموازنة الخارجية من أجل مواجهة التهديدات المحيطة بها. إن التوازن الخارجي ضد إيران يمهد الطريق نحو دخول القوى الأجنبية في المنطقة اقتصاديا ونشرها قواتها فيها، ويرتبط هذا بمصالح الدول الاجنبية ولا يمكن للدول الخليجية عندها أن تتجنب حماية مصالح الدول الاجنبية.
المصدر / الوقت