العام الجديد: خمسة قنابل موقوتة جاهزة للإنفجار في أوروبا!
في أوروبا، القارّة الأكثر سلميّة في العالم وفق ما جاء في مؤشر السلام العالمي لعام 2012، تبدو أجهزة الأمن أكثر تأهبا حيال التهديدات الأمنيّة خلال عطلة رأس السنة للعام الميلادي الجديد 2017، لاسيّما بعد حادث برلين الإرهابي.
الحادث الإرهابي أعاد إلى الأذهان اعتداء نيس (جنوب شرق) عندما قام مهاجم يقود شاحنة بدهس الحشود موقعا 86 قتيلا في 14 تموز/يوليو في يوم العيد الوطني الفرنسي، وهو أمرٌ يخشى الأوروبيون تكراره خلال الأيام المقبلة، وتحديداً في أكثر الأيام احتفالاً في “القارّة العجو.”، أي احتفالات رأس السنة.
كثيرة هي التحدّيات التي تعتلي المشهد الأوروبي، ففي حين أعلنت الدول الأوروبية وفي مقدمتها فرنسا تشديد الإجراءات الأمنية في أسواق الميلاد عبر تكثيف الدوريات ونصب الحواجز الأمنية بعد اعتداء برلين، تشهد كلّ من فرنسا وبريطانيا وإسبانيا تظاهرات ضدّ الحكومات هناك، إضافةً إلى تحدّيات أخرى تُفسّر العجز الأوروبي خلال السنوات الأخيرة، سنذكرها تباعاً.
قنابل موقوتة
إن القراءة المتأنّية للمشهد الأوروبي تميط اللثام عن الكثير من أسباب ترهّل الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة في المشهد الأوروبي، وتؤكد وجود العديد من القنابل الموقوتة التي تهدّد الوضع هناك، ويمكن سرد بعضها في النقاط التالية:
أولاً: يعدّ الوضع الأمني أحد أبرز تحدّيات القارّة العجوز حيث لم تعتد الشعوب الأوروبيّة منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية على أوضاع مشابهة. هولاند أوضح مؤخراً أن فرنسا تواجه “مستوى عال من التهديد” الإرهابي وتتصدى له عبر خطة تيقظ “عالية جدا أيضا”، وهو ما أوضحه العديد من المسؤولين الأوروبيين. في ستراسبورغ(شرق) حيث يجذب سوق الميلاد آلاف السياح سبق أن بدأت السلطات أعمال تفتيش أمنيّة عشوائية على الطرقات والجسور المؤدية إلى المكان كما أقامت عليها حواجز نقالة لمنع أيّ سيارة من الاقتراب من مكان التجمع. في بريطانيا، أُقيمت حواجز فاصلة في بيرمنغهام (وسط) حول سوق الميلاد، الأهم في البلاد. هذا الترهّل الأمني يفرض على الاتحاد الأوروبي مراجعة حساباته في التعاطي مع الملفات التي تختص بالأمن الأوروبي، لاسيّما في سوريا والعراق.
ثانياً: في الملف الاقتصادي، يواجه الاتحاد الأوروبي أزمة غير مسبوقة تفسّرها التظاهرات القائمة ضد الأوضاع الاقتصادية التي تكشف ضعف النظم الديمقراطية الرأسمالية في الغرب وسط الصعود الاقتصادي الصيني القوي منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2007. كذلك، تواجه “الليبرالية الاقتصادية” الأوروبية مخاطر البقاء وسط الهجمة الشرسة من قبل اليمين المتطرف الصاعد بقوّة في مختلف دول الاتحاد. يرى الدكتور روبرت نبليت، المدير بمعهد العلاقات الخارجية البريطاني “تشاتهام هاوس” أن “النظام الاقتصادي الليبرالي العالمي”، سيواجه مخاطر عديدة خلال العقود المقبلة، وأن الاقتصادات الرأسمالية الغربية ربما سيكون عليها التعايش مع النظم المركزية التي كانت تعاديها.
ثالثاً: إقتصاديّاً أيضاً، لا يمكن حصر المشكلة الاقتصاديّة بـ”الليبرالية”، بل إن العقوبات الأمريكية والأوروبية الاقتصاديّة تزيد في طينة الأوروبيين بلّةً إثر خسارتهم لأسواق كبيرة في روسيا وايران لصالح الصين. العودة إلى هذه الأسواق الاقتصاديّة الضخمة هو مطلب شعبي، أكثر ما هو حكومي لأسباب سياسيّة لسنا في وارد ذكرها. على سبيل المثال، في حين يؤكد یوجنیو کاریوجاتی المدیر التنفیذی لشرکة (Genius Car Ltd) الایطالیة للسیارات أن إلغاء الحظر عن ایران یوفر فرصة خاصة للشرکات الأجنبیة، أعلن اتحاد المزارعين الألمان، في وقت سابق، أن الحظر الروسي المفروض على استيراد السلع الغذائية والزراعية من الاتحاد الأوروبي أدى إلى هبوط أسعار المنتجات الزراعية في بلدان أوروبية كألمانيا.
رابعاً: يعد صعود اليمين الأوروبي الذي يؤيد فكرة الخروج من الاتحاد قنبلة أخرى قد تزيد من الترهّل الأوروبي القائم حيث انتقلت عدوى الانفصال من بريطانيا إلى دول الجوار، ما يعني التوجّه الأوروبي إلى الداخل أكثر منه إلى الخارج، وبالتالي ضعف أوروبا على الصعيد العالمي. يوضح تقرير أعده “قسم البحوث السياسية” في وزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي يعد واحد من ثلاثة أجهزة التقدير الرسمية للکيان الإسرائيلي بجانب وحدة البحوث في الاستخبارات العسكرية “أمان” والموساد، يوضح أن “انخفاض مستوى الثقة بين الدول الأوروبية يصعب عليها بالوفاء بالتزاماتها المطلوبة بالنسبة للسياسة الأمنية الأوروبية”، ويضيف: إن أوروبا تعاني من عجز عسكري، وغير مؤهلة لتدافع عن نفسها بنفسها، فإذا كان الوضع كذلك في ظل وجود اتحاد يجمعهم، فكيف سيكون الأمر بعد الانفصال؟
خامساً: تعدّ العلاقة الأوروبية مع الرئيس الأمريكي الجديد إحدى هذه القنابل، مع إعلان دونالد ترامب عن مرشّحه لوزارة الخارجية، ريكس تيلرسون، برزت خشية أوروبيّة من التخلّي الفعلي لأمريكا عن أوروبا كما كان الحال في سياسات المؤسسة الحاكمة “التقليدية” التي تلعب على حافّة الهاوية مع روسيا في القضايا العالمية.
سادساً: هناك ملفات أخرى تزيد من قتامة المشهد الأوروبي، سواءً فيما يتعلّق بأوضاع اللاجئين الصعبة في “الكريسمس”، وتحديداً لناحية تحمّلهم تباعات هجمات إرهابية هاجروا بسببها، أو لناحية الإزدواج الأوروبي في الموقف الحقوقي. ففي حين ينقد الإعلام الأوروبي الأوضاع الصعبة للاجئين، هناك انتقاد مماثل للسياسة الأوروبية بشكل عام سواءً لناحية دعم السعودية في اليمن، وبيعها للسلاح، أو لناحية التغاضي عن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
إن كافّة هذه القنابل المذكورة أعلاه تكشف غياب استراتيجية أوروبية موحّدة، وفي حال استمرار الواقع الأوروبي القائم، سيكون العام الجديد الذي ننتظر دخوله بعد أيام، عام لعنة على الشعوب الأوروبيّة بسبب سياسات حكوماتها، وعلى الحكومات بسبب الاعتراض الشعبي، وقد تدقّ ساعة صفر العديد من القنابل المؤقتة.
المصدر / الوقت