قرار مجلس الأمن: إعترافٌ بالحق الفلسطيني ولكن…
عام 1980 صدر آخر قرار من مجلس الأمن يُدين الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبعد 36 عاماً، جاء القرار 2234، حيث تبنى مجلس الأمن الدولي قراراً يُدين فيه قيام الإحتلال الإسرائيلي بالأنشطة الإستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. صَوَّتت للقرار 14 دولة عضو وامتنعت أمريكا عن استخدام حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار”إدانة الإستيطان”. لكن القرار الذي جاء متأخراً، وعلى الرغم من أنه يعترف بالحق الفلسطيني، فهو يحتاج لوقفة عميقة عند دلالاته، خصوصاً أن واشنطن لم تقف يوماً في صف الشعب الفلسطيني ضد الإحتلال، وكان بإستطاعتها الدفع لإتخاذ مثل هذا القرار قديماً. فماذا في قرار مجلس الأمن الدولي؟ وكيف يمكن تحليل دلالاته؟
قرار مجلس الأمن
أقر مجلس الأمن الدولي منذ يومين وبأغلبية ساحقة، مشروع قرارٍ لوقف الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأكد القرار عدم مشروعية إنشاء الكيان الإسرائيلي للمستوطنات في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، معتبراً إنشاء المستوطنات انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل. كما طالب القرار بوقف فوري لكل الأنشطة الإستيطانية على الأراضي المحتلة، معتبراً أن أي تغييرات على حدود عام 1967 لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين، ومطالباً دول المجلس بالتمييز في معاملاتها بين ما أسماه “إقليم دولة إسرائيل” والأراضي المحتلة عام 1967.
موقف القاهرة: علامات استفهام؟!
ساهم قيام الدول الرباعية السنغال، ماليزيا، فنزويلا ونيوزيلندا بتقديم مشروع قرار إدانة الإستيطان، في وصول القرار الى مجلس الأمن والتصويت له، خصوصاً بعد أن سحب الطرف المصري المشروع، نتيجة ضغوطاتٍ أمريكية وإسرائيلية. في حين فشل الرئيس الأمريكي الجديد ترامب، من تأجيل التصويت على القرار لما بعد تسلمه مهامه بصورة رسمية. وهو ما ساهم في طرح العديد من علامات الإستفهام حول الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية، وحجم التقارب في العلاقات المصرية الإسرائيلية الحالية، وانعكاس ذلك على سمعة مصر الإقليمية فيما يخص القضايا العربية والإسلامية. خصوصاً بعد أن فضح الإعلام الإسرائيلي الإتصالات التي جرت بين الأطراف الإسرائيلية والأمريكية من ناحية والطرف المصري من ناحية أخرى بهدف تأجيل تقديم المشروع.
ما يجب أن يُقال: دلالات وتحليل
أولاً: يُعتبر القرار انتصاراً للحق الفلسطيني. حيث يحلم الشعب الفلسطيني بهكذا قرار يُنصف حقوقهم طيلة سنوات الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين. في المقابل، يبدو واضحاً أن القرار شكَّل صفعة قوية على وجه القيادة الإسرائيلية لا سيما السياسية، خاصة حكومة بنيامين نتنياهو، كما يُساهم في زيادة عزلة الكيان الإسرائيلي دولياً.
ثانياً: يجري الحديث عن دورٍ للرئيس الأمريكي باراك أوباما، حيث وصفه البعض بـ “الجندي المجهول” الذي أعطى كلمة السر في صنع هذا القرار. في حين يجب الإلتفات الى عدة أمور، قد تكون دفعت بالرئيس الأمريكي لمنع استخدام الفيتو الأمريكي، وهي على الشكل التالي:
– لم تعترف أمريكا يوماً بحق الشعب الفلسطيني. بل إن هذا القرار هو توصيف لواقع حقيقي، ليس أكثر. في حين لا يجب الإعتقاد بأن واشنطن قد تُخالف المصلحة الإسرائيلية يوماً، وتدعم في المقابل مصالح الشعب الفلسطيني.
– إن هذا القرار هو ضمن المسار الذي يؤمن به الحزب الديمقراطي في أمريكا، والذي سبق وشكَّل أزمة دبلوماسية بين الطرف الإسرائيلي ووزارة الخارجية الأمريكية التي سعت للضغط من أجل تخفيض الأنشطة الفلسطينية. فيما لا يجب نسيان أن القرار جاء في نهاية عهد هذه الإدارة الديمقراطية، وعلى أعتاب تسلم الإدارة الجمهورية، والتي أعلنت على لسان الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب رفضها للقرار.
– إن امتناع واشنطن لإستخدام حق النقض الفيتو، جاء كمحاولة لإبراز الوجه الديمقراطي لأمريكا، خاصة بعد أن ندَّدت الكثير من المنظمات الدولية، بحجم ضحايا الحروب التي تقودها واشنطن. فيما تُدرك واشنطن أنه لن يكون لقرارها أي مفعول عملي ومُباشر، في إعادة الحق للفلسطينيين أو ردع الكيان الإسرائيلي.
– تأخرت إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، في اتخاذها لمثل هذا القرار ثمانية سنوات. وهو ما يمكن اعتباره مناورة سياسية واضحة من قبل الإدارة الأمريكية المُقبلة على انتهاء ولايتها. وإلا فكيف يمكن تفسير الضوء الأخضر الأمريكي الدائم للكيان الإسرائيلي في سياساته التعسفية والظالمة بحق الشعب الفلسطيني طيلة السنوات الماضية.
ثالثاً: على الرغم من أن مجلس الأمن، وجه بقراره إدانة للكيان الإسرائيلي، وإعترافاً بالحق الفلسطيني، لكن ذلك لن يُعيد لهذا المجلس، أو يعطيه، أي مرجعية قضائية للحكم فيما يخص مصالح الشعوب. فالقرار جاء متأخراً 36 عاماً. كما أن ذلك لن يُنسي العالم امتناع هذا المجلس عن ردع أو إدانة جرائم الغرب وأمريكا والكيان الإسرائيلي وحلفائهم العرب، في منطقة الشرق الأوسط والعالم. حيث أن العديد من القرارات القديمة والتي أقرها مجلس الأمن حول الإستيطان بقيت في أدراج المجلس دون أي أثر تنفيذي لها. (قرار رقم 446 ورقم 452 عام 1979، قرار رقم 465 ورقم 478 عام 1980).
رابعاً: إن التغني بالإنتصار، وإدانة مجلس الأمن لمشاريع الإستيطان لا يكفي. فهو لن يُعيد الحقوق الفلسطينية. بل إن طريق وخيار المقاومة هو وحده ما يُعيد الحقوق. وهنا نسأل، هل تكفي الإدانة لفرض إيقاف المشاريع الإستيطانية؟ وأين حق العودة لملايين الفلسطينين خارج الأراضي المحتلة؟
خامساً: لا بد من التذكير بالدور الشجاع الي قامت به الدول الرباعية السنغال، ماليزيا، فنزويلا ونيوزيلندا وإصرارها على تقديم مشروع قرار إدانة الإستيطان، رغم تراجع الدولة المُقدمة للمشروع عن قرارها.
سادساً: إن ترحيب بعض الدول العربية لا يعني شيئاً. بل هو ليس بحجم آمال الشعوب العربية، والتي سئمت من سياسات غالبية الأنظمة العربية التي تميل مع السياسة الأمريكية. بل إن الشعوب العربية تعتبر خيار المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي هو الخيار الأمثل لإستعادة الحقوق كافة.
لكل الذين أخطأوا التقدير، لم ولن تكون واشنطن يوماً طرفاً يدعم الشعب الفلسطيني. ولن تكون الدول الغربية أو العربية منادية بحق الشعب الفلسطيني، وهي التي طالما ساهمت وأمعنت في سفك الدم العربي والإسلامي. ولا تتمتع أيٌ من المنظمات الدولية، بأي أهلية للدفاع أو إعادة حقوق أيٍ من الشعوب. فصحيحٌ أن قرار مجلس الأمن أدان استمرار الأنشطة الإستيطانية ومثَّل إعترافاً بالحق الفلسطيني ولكن…، يبقى خيار المقاومة وحده الكفيل بإستعادة الحقوق.
المصدر / الوقت