ما هو سر بقاء الممالك والمشيخات الخليجية حتى الآن؟
عندما يلقي المرء نظرة على أحوال بعض الدول العربية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا يرى بداية ان هناك تشابها بين هذه الدول من حيث الإفتقار الى أنظمة حكم ديمقراطية ومسؤولة، لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو لماذا اختلفت مفاعيل عاصفة الثورات العربية في هذه الدول رغم تشابه الأنظمة التي تهاوت بعضها وبقيت الأخرى.
لقد سقطت جمهوريات مثل تونس ومصر وليبي والى حد ما اليمن في الموجة الاولى من الثورات العربية لكن ممالك ومشيخات مثل دول الخليج الفارسي (السعودية والامارات وقطر والكويت والبحرين) وكذلك الاردن سلمت من السقوط، وهذه علامة استفهام تبحث عن جواب.
واذا أردنا الإجابة فيجب علينا ان نفرق بين هذه الدول، فالجمهوريات التي تهاوت كانت دولا فيها كثافة سكانية عالية وفقيرة بالاضافة الى قوانين شبه عصرية لكن معطلة بسبب دكتاتورية الحكام ومطالبات سياسية عديدة في مجتمعاتها بسبب طبيعة الانظمة الجمهورية، أما في المقابل نرى الممالك التي فيها عدد قليل من السكان مع اقتصاد قائم على النفط وحكومات تتكئ على الايرادات النفطية ومجتمع تقليدي قائم على الحكم الوراثي والعائلي وما شابه ذلك.
وبما ان الانظمة الجمهورية تستمد شرعيتها من سيادة الشعب والمشاركة الشعبية في اطار الانتخابات وصناديق الاقتراع فإن عدم استجابة الانظمة للمطالب السياسية للمجتمع يضع هذه الانظمة أمام أزمة المشروعية وحينها نرى بأن عدم الاستجابة للمطالب الشعبية وبقاء رئيس في الحكم مدى الحياة بالاضافة الى سلب الحريات والحقوق السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية يولد احتقانا كبيرا يحتاج الى شرارة واحدة لتنطلق موجة من الثورات التي أشعلها أمثال “بو عزيزي” التونسي.
لماذا تشهد الممالك والمشيخات حالة من الإستقرار؟
لقد اظهرت الأنظمة الملوكية والمشيخات حتى الان استقرارا أكبر قياسا مع الأنظمة الجمهورية ولم يسقط أي من حكامها والسبب الاول هو ان هذه الأنظمة لا تعاني من المفارقات الكبيرة التي كانت سائدة في الانظمة الجمهورية، فالانظمة الملوكية والمشيخات تستمد شرعيتها التقليدية من مجتمع تقليدي مغلق لايشهد الكثير من المطالب الديمقراطية، ومن جهة أخرى تسمح قلة السكان ووجود الثروة النفطية للحكام بضخ الأموال في المجتمع لمنع حدوث تذمر اقتصادي يتغلب على التذمر السياسي والاجتماعي رغم وجود حالة من السخط في هذه المجتمعات بسبب فساد الحكومات والتمييز الطائفي والقومي، وفي الحقيقة فإن الثروة النفطية منحت الفرصة للحكام لكي يحتووا السخط غير الاقتصادي بالهبات الاقتصادية ويحلّوا العطاء المالي مكان الحريات السياسية والاجتماعية.
وتقف السعودية على رأس هكذا انظمة وهي قد صرفت مبالغ طائلة لمنع وصول موجة الثورات العربية الى أراضيها وأراضي الدول التي تشبهها في الشكل والمضمون، فالرياض صرفت 36 مليار دولار لإخماد الاحتجاجات في الداخل كما دعمت الاردن غير النفطية مثلا بـ 400 مليون دولار واعطت البحرين مليارات الدولار لتثبيت نظام حكمها، كما دعت السعودية الاردن لكي تكون عضوا في منظمة دول مجلس التعاون لمنع سقوط اول قطعة دومينو الممالك والمشيخات العربية.
وتعيش البحرين حالة مختلفة عن مثيلاتها لأن فيها تحكم أقلية سنية على أغلبية شيعية وان امتناع السلطة عن اجراء الاصلاحات أدى الى اندلاع موجة كبيرة من الاحتجاجات الشعبية في هذا البلد الصغير، لكن الذي منع سقوط النظام البحريني حتى الان هو وجود خلافات قبلية وطائفية وعدم التناغم بين المعارضين من جهة والتدخل العسكري لقوات درع الجزيرة وقمع المعارضين والمحتجين بوحشية من جهة أخرى.
ورغم هذا يجب القول ان الانظمة المستبدة العربية ستشهد تغييرات كبيرة، فلا الثروات النفطية للملوك ولا قمع قوات “درع الجزيرة” سينجح في منع التغيير لمدة طويلة، فانتشار شبكات التواصل الاجتماعي وارتفاع مستوى الوعي السياسي للشعب في عصر سيادة الشعوب لايبقي خيارا أمام هؤلاء الحكام سوى الرضوخ للإصلاحات أو التنازل عن العرش.
المصدر / الوقت