لماذا حقق أبناء العراق وسوريا انتصارات على داعش بينما فشل التحالف الدولي
کانت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مساحات واسعة من العراق وسوريا، عاملاً ساهم في قيام واشنطن والدول الغربية وبعض الدول العربية، بالعمل على تنسيق جهودهم لمحاربة الإرهاب. وبغض النظر عن حقيقة هذه الإدعاءات، أسست أمريكا تحالفاً دولياً من 65 دولة غربية و6 دول عربية، بحجة الحرب على تنظيم داعش الإرهابي. لكن سلوك هذا التحالف، لم يكن يوماً بمستوى المسؤولية، بل لم يُنجز أي نتائج ملموسة في إطار الحرب على الإرهاب. بينما وفي وقتٍ أقل، وبالإستفادة من أبسط الإمكانيات العسكرية واللوجستية، إستطاعت اللجان الشعبية في هذه الدول، بالتعاون مع القوات العسكرية المحلية، تحقيق انجازاتٍ أكبر، والإستغناء عن الدعم الخارجي. فكيف يمكن تقييم سلوك التحالف الدولي موضوعياً؟ وكيف فضحت التقارير تدميره للبنى التحتية للدول وارتكابه مجازر بحق المدنيين؟ وما هي أهم أسباب نجاح اللجان والقوات العسكرية المحلية في كلٍ من سوريا والعراق؟
سلوك التحالف الدولي: قراءة موضوعية
عدة مسائل طبعت سلوك التحالف الدولي يمكن سردها كالتالي:
أولاً: التخبط حول أهداف الحرب ووسائلها وإطارها الزمني
جاءت صياغة أهداف التحالف بشكل غير واضح، وخلال مؤتمرات دولية لمندوبي الدول المشاركة فيه. بينما كان دخول بعض الدول إستعراضياً، وكانت تصريحات ومؤتمرات أمريكا والغرب لأهداف دعائية دون أن تُحقق أي نتائج عسكرية ملموسة.
ثانياً: الإزدواجية وعدم وجود استراتيجية متكاملة
ساهمت سياسة الغرب المزدوجة، في تفشي الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم. بل إن قيام هذه الدول لا سيما أمريكا، بدعم التنظيم في بعض عملياته في العراق وسوريا، أخرجت الكثير من الخبراء الغربيين عن صمتهم، وجعلتهم يفضحون المساعي الغربية للإستفادة من التنظيم لتحقيق أهداف سياسية في سوريا والعراق دون إدراك النتائج السلبية لذلك. في حين لم يكن هناك أي مساعٍ تتعلق بمواجهة الإطار الأيديولوجي والعقائدي للتنظيم.
ثالثاً: عدم وضوح الإطار الدولي القانوني حول محاربة داعش خصوصاً وقف التمويل
يُعتبر القضاء على خطوط الإمداد البشرية والمالية لتنظيم داعش، من ضمن أهم الأهداف التي يجب تحقيقها لإنهاء هذا التنظيم. فيما كان قرار مجلس الأمن رقم 2170 الصادر في 16 آب 2014 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الصيغة الدولية التي نصَّت على ضرورة إعمال إجراءات وقف السفر وحظر السلاح وتجميد الأرصدة المتعلقة بالجهات أو الدول أو الأطراف الداعمة للتنظيم، أكد العديد من المراقبين أن القرار يسمح بتطبيق عقوبات ولكنه لا يلزم الدول المختلفة على تطبيقه، مما جعله قراراً نظرياً يحتاج لإجراءات عملية مُلزمة ويُدخله في خانة الدعاية للحرب على الإرهاب فقط.
تقارير حقوقية حول سلوك التحالف الدولي: قتل مدنيين وتدمير بنى تحتية
عدة تقارير غربية فضحت سلوك التحالف غير المسؤول. نذكر البعض منها في التالي:
– خلال منتصف العام الحالي، خرج المتحدث باسم التحالف العقيد “كريس غارفر” ليقول إن التحالف يدرس تقارير عن مقتل مدنيين داعياً لبذل المزيد من الجهد للحيلولة دون وقوع قتلى من المدنيين. جاء ذلك بعد قضاء أكثر من 300 مدني بسبب غارات لطائرات التحالف الدولي على حلب وريفها وريف دمشق وإدلب ومدينة منبج الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي.
– في نهاية شهر تموز من العام الحالي، اعترفت القيادة الأمريكية الوسطى في بيان صدر عنها بسقوط عدد من القتلى المدنيين خلال الأشهر بين أيار وتموز، بسبب غارات أمريكية على الموصل.
– أكدت منظمة “إيرو وورز” البريطانية غير الحكومية خلال شهر أيلول من العام 2016، أن العدد الإجمالي للمدنيين الذين قضوا بضربات التحالف الدولي في سوريا والعراق يتجاوز 1500 قتيل!
– بحسب التقارير الدولية والواردة من منظمات حقوقية عالمية فإن التحالف الدولي قتل في سوريا فقط 649 مدنياً منذ تدخله في أيلول 2014 وحتى تشرين الأول من العام الحالي.
– أكدت تقارير منظمة “هيومن رايتس” أن قوات التحالف الدولي تعمدت ضرب غالبية الجسور الحيوية في العديد من المحافظات السورية بالإضافة الى البنى التحتية وهو ما حصل في العراق سابقاً، لا سيما في معركتي تكريت والموصل. فيما برَّرت القيادة الأمريكية ذلك، بحصولها على إحداثيات خاطئة.
في المقابل، لماذا انتصرت اللجان الشعبية والقوات الحكومية في الحرب على الإرهاب؟
على الصعيد المقابل، شكَّلت نجاحات اللجان الشعبية والجيوش المحلية في سوريا والعراق صدمةً للعالم، لا سيما بعد فشل المساعي الغربية. حيث كان تشكيل قوات اللجان الشعبية في العراق والتي ضمت العشائر ومجموعات الحشد الشعبي ومتطوعين من المحافظات العراقية كافة، صدمة للعالم الغربي والعربي المتواطئ في المؤامرة على العراق. كما شكَّل صمود الجيش السوري وبعض المجموعات الشبابية في القرى إنجازاً عسكرياً. وهنا نُشير لبعض الأسباب التي ساهمت في نجاح هذه القوات:
أولاً: تميَّزت اللجان الشعبية والقوات النظامية في العراق وسوريا، بصدقيتها في محاربة الإرهاب، والإستعداد للتضحية. وهو ما افتقدته الجهات الغربية، على الرغم من سعيها لشرعنة تدخلٍ بريٍ لها.
ثانياً: كان لعامل الإنتماء للوطن والمعرفة بالجغرافيا، الأثر الكبير في تحقيق الإنجازات، لا سيما في العراق. حيث استطاعت اللجان الشعبية والقوات الحكومية تحرير تكريت على سبيل المثال، بشكلٍ قياسي.
ثالثاً: تميزت حركة القوات الحكومية بعدم حاجتها لأخذ الشرعية من أحد. وهو الأمر الذي جعل سلوكها عبارة عن ردة فعل طبيعية، تختلف عن سلوك الدول الغربية التي انطوت تحت التحالف لأهداف دعائية ومآرب خاصة.
رابعاً: أثبتت هذه القوات نجاح نظرية أن “الأرض لا يُحررها إلا أبناء الأرض”. وهو الأمر الذي دفع الدول الغربية للخضوع لهذه الحقيقة، مع سعيها الدائم لضرب هذه الإنجازات ميدانياً وإعلامياً.
إذن لم تكن الأهداف من تأسيس التحالف الدولي لقتال داعش، تختلف كثيراً عن أهداف تأسيس التنظيمات الإرهابية. فالمفارقة الأساسية أن الدول التي ترأست هذا التحالف، هي التي دعمت وجهزت الإرهاب ليكون تنظيماً قادراً على تحقيق أهدافها. فيما استطاع كلٌ من العراق وسوريا، مواجهة المؤامرة الكبرى بإعتمادهم على قدراتهم المحلية وأبناء الوطن. لينفضح أمر التحالف الدولي سريعاً، ويُصبح من دون جدوى، ويحقق أبناء الشعبين السوري والعراقي، ما لم يستطع تحقيقه تحالفٌ دوليٌ يضم أكثر من 70 دولة.
المصدر / الوقت