هل تخطط أمريكا للتقارب مع روسيا؟
بعد الضجة التي أثارها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بتفاخره قائلا: “بوتين يحترمني” دارت أسئلة حول خطط ترامب للتقارب مع أمريكا في ظل الوزراء الذين رشحهم للحقيبتي الخارجية والدفاع.
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر والذي يعتبر أكبر مخطط استراتيجي أمريكي في القرن الجاري، خلال حوار مع قناة CBS أن الرئيس ترامب يستطيع اقامة صداقة مع “الدب الروسي الكبير” مع المحافظة على كاريزما أمريكا واحترامها على الصعيد الدولي.
وكان كسينجر قد عمل مستشارا للرؤساء الامريكان على مدى أربعة عقود من الزمن، فيما يعد من اكبر داعمي توطيد العلاقات مع روسيا، وعلى مدى عقود تقديمه الاستشارات سعى كيسنجر باستمرار للتقريب بين أمريكا وروسيا؛ ومن هذا المنطلق يسعى كيسنجر مؤخرا للتقريب بين حكومة ترامب ونظيره الروسي بوتين.
وعلى الرغم من تصاعد الخلافات الامريكية الروسية في الأعوام الماضية، إلا أن كيسنجر حافظ على علاقة صداقة وطيدة مع بوتين، كما فعل ريكس تيلرسون، المرشح لتولي حقيبة الخارجية في حكومة ترامب، ومن المؤكد ان كيسنجر يختلف مع ترامب في بعض النقاط، ولكن هذا المستشار المخضرم اعتاد على تقديم النصائح للرؤساء الامريكان من الجمهوريين والديمقراطيين ودعمهم.
ويعلم ترامب علم اليقين أن كيسنجر الذي تولى حقيبة وزارة الخارجية في عقد السبعينيات وكان مستشارا للامن القومي، يعد مهندس الحد من التوتر بين أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك. ومنذ سنوات يسعى كيسنجر للتحقيق توزان بين أمريكا وروسيا، حيث يرى أن هذا التوازن مهم لتحقيق الاستقرار لأمريكا والعالم؛ فيما اعتبر أصحاب القرار الأمريكي في الأعوام الماضية أن رؤية كيسنجر أدت الى تصرف روسيا بالمزيد من “الوقاحة”.
ومؤخرا قال كيسنجر في مؤتمر بنيويورك: “أرى أن ختيار تيلرسون وزيرا للخارجية، اختيار جيد جدا، لو لم تكن له علاقات جيدة مع روسيا لما اختير مديرا لشركة إكسون موبيل”؛ وخلال السنوات الاخيرة لعهد الرئيس بوش الابن تراجعت العلاقات الأمريكية الروسية، فشكل كيسنجر ورشة عمل مع رئيس الوزراء الروسي السابق، يوغني بريماكوف، وأقنع الاثنان كل من بوتين وبوش بتحسين العلاقات بين البلدين؛ ولكن العلاقات انهارت مرة أخرى بعد مدة قصيرة.
وعند تسلمه مقاليد السلطة طلب اوباما من كيسنجر المساعدة في تحسين العلاقات مع روسيا، لذلك التقى الأخير ببوتين في عام 2009، وتوصلوا الى اتفاقات حقيقية في مجال الحد من التسلح، وكشفت رسائل كلينتون التي سُربت لاحقا أن كيسنجر عمل كثيرا على ملف الأسلحة في عام 2010 ليحول دون تراجع الروس، لكن امريكا لم تصبر وقدمت دعما شاملا لتوسع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مما أثار غضب بوتين الذي رأى في الأمر تهديدا لأمن بلاده.
وربما نتمكن من فهم الهدف الرئيسي لكيسنجر من خلال الكلمة التي القاها العام الماضي خلال تأبين بريماكوف حيث قال: “أعتقد أن الصداقة طويلة الأمد بين أمريكا وروسيا مع احترام مصالح الطرفين ستخرج العالم من هذه الاوضاع غير المستقرة وتنتقل به الى توازن جديد سيفضي الى العولمة وتعدد الأقطاب في العالم. يجب احترام روسيا لأنها قد تكون الشريك الرئيسي لامريكا في التوصل الى هذه المعادلة الجديدة، ويجب ألا ننظر إليها على أنها عدوة”. ويرى أكبر المخططين الأستراتيجيين الأمريكان “كيسنجر” أن اوكرانيا يجب ألا تتحول الى سبب للخلاف مع روسيا، بل يجب استثمارها لتكون جسرا بين الغرب وروسيا. وفيما يتعلق بالأزمة السورية يرى كيسنجر أن أمريكا يجب أن تشارك في حل هذه الازمة الى جانب روسيا والقوى العالمية الأخرى لتصبح نموذجا عالميا لحل المشاكل سلميا.
وخلال حوار مع قناة CBS ، الشهر الماضي، رأى كيسنجر أن الرئيس ترامب يستطيع المحافظة على الصداقة مع “الدب الروسي الكبير” مع المحافظة على كاريزما أمريكا واحترامها على الصعيد الدولي، وهو الأمر الذي فشل فيه أوباما. وقال: “يبدو أن حكومة ترامب ستشهد أحداثا جديدة، بشرط أن تستثمر هذه الفرصة الممتازة” واعتبر كيسنجر أن بوتين رجل علاقات وحوار مشبها إياه بالكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي، ورد بوتين بالإيجاب على الغزل الأمريكي واصفا كيسنجر بالشخص المدلع على تاريخ روسيا وأدبها الثري، لافتا الى ان لكيسنجر نوايا طيبة تجاه روسيا.
على أي حال يجب أن نترقب لنرى ما إذا كان كيسنجر قادرا على اقامة علاقة صداقة بين أمريكا وروسيا؟ وفي حال تحقيقه لذلك، هل ستكون هذه العلاقة مستقرة أم أن الأمر سيكون كما حصل في عهدي بوش واوباما؟ على أي حال فإن هذا السياسي المخضرم ما يزال مصرا على نظريته حتى في أواخر عمره.
المصدر / الوقت