خفايا تعليق مشاركة “المعارضة” في مفاوضات الأستانة
بعد أسبوع تقريباً على إعلان البدء بمبادرة وقف إطلاق النار الشامل في سوريا بين الجيش السوري والجماعات المسلحة مستثنياً النصرة وداعش بهدف التمهيد لمفاوضات الأستانة، أعلنت الجماعات المسلحة نيتها تعليق مشاركتها في المفاوضات. والسبب في هذا القرار بحسب وصفهم هو انتهاك الجيش السوري لوقف إطلاق النار في سوريا.
ووفقاً للقرار الذي توصلت إليه كل من روسيا وتركيا تعهدت الأخيرة أن تكون هي الضامن لإيفاء المسلحين ببنود الإتفاق إلا أنها لا تبدو قادرة على ضبطهم، وقبل تبيان الأسباب الحقيقية التي دفعت بالمجموعات المسلحة لهكذا خطوات يجب الحديث عن حيثيات الحجّة التي يتذرعون بها.
إذ في الوقت الذي اتهم فيه المسلحون الجيش السوري بخرق الهدنة كانوا هم بالأصل قد بادروا بالقيام بعدد من الإنتهاكات والخروقات في غير مكان وأهمها ما حصل في منطقة وادي بردى في غوطة دمشق الشرقية، إذ قاموا بقطع المياه التي تغذي الأحياء المدنيّة في دمشق، ومن ثم تلويثها، الأمر الذي أدى إلى تسمم عدد كبير من المدنيين وإلى انقطاع المياه عن المدينة لفترة طويلة، في حين أن الجيش السوري اقتصرت خطواته على الرد الموضعي على مصادر النيران والدفاع كرد فعل على ما قام به المسلحون في المناطق التي اتهموا فيها الجيش بخرق الهدنة من حماة وحلفايا والعقرب وجسرين في ضواحي دمشق وغيرها من المناطق سعياً منه للحفاظ على الهدنة القائمة وللإيفاء بتنفيذ الجزء المتعلق به.
وفي عودة لأسباب إعلان المسلحين تعليق نيتهم بالمشاركة في المفاوضات نطرح التالي:
_ من أهم الأسباب التي تدفع المسلحين لهكذا خطوة هي أنهم لا يريدون أن يخسروا المزيد من الجغرافيا قبل محادثات الآستانة إذ أن الجغرافيا ومساحات السيطرة هي من أكثر الأمور المؤثرة على طاولة المفاوضات إن من حيث حجم التمثيل أو القدرة على التأثير في الميدان السوري، لذا ومن خلال خطوتهم هذه المترافقة مع حملة إعلامية واسعة يريدون الضغط على الجيش والحكومة السورية لإيقاف عملياتها العسكرية على كامل الجغرافيا السورية وحتى المناطق التي لا تشملها الهدنة.
_ أمر آخر يحتاجه المسلحون قبل الأستانة هو تسجيل أكبر عدد من النقاط في مصلحتهم بوجه الجيش السوري إن من حيث تشويه السمعة وما يجري من أحداث في الميدان العسكري بشتى الوسائل والحجج الممكنة، وذلك بهدف كسب أكبر كم من التعاطف والدعم الدولي لمطالب لاحقة يضعونها على طاولة المفاوضات ترفع سقف مكاسبهم.
_ كما يمكننا أن نشير إلى هدف آخر وهو إعطاء المسلحين شرعية لعملياتهم العسكرية التي بدأوها في عدد من المناطق السورية بهدف توسيع سيطرتهم الجغرافية متحججين بأن الجيش السوري هو من خرق الهدنة السائدة أولاً.
_ وهناك أمر آخر مهم يجب الإنتباه له وهو عدم قدرة ما يسمى بالمعارضة السورية على التحكم بالمجموعات المسلحة الموجودة على الأرض حتى الآن الأمر الذي يفقدها أوراق التفاوض لاحقاً، ويرجع سبب ذلك لشدة تشعب المجموعات المسلحة وكثرة انفصالها وإقتتالها فيما بينها، والخروقات التي حدثت في مناسبات سابقة خير دليل على ما نقول إن في حلب أو غيرها لذا فإن التحجج بخرق الجيش للهدنة هو مجرد غطاء لوهن وضعف في الإدارة لديهم.
_ وأخيراً نلفت إلى أن الدول الراعية لهذه المجموعات المسلحة -السعودية أو قطر أو أمريكا وغيرهم- فقدت الكثير من قدرة تأثيرها في الساحة السورية وبات وجودها وتحكمها بالقرار الميداني أو السياسي ضئيلاً بسبب تراجع دور الأمريكيين في سوريا في عهد أوباما ومع قدوم ترامب كذلك، الأمر الذي أفقدهم الغطاء الدولي الذي كانوا يعوّلون عليه للوصول لهدفهم الأساسي وهو إسقاط الحكومة السورية وإزاحة الرئيس الأسد الأمر الذي بات من الماضي، وهذا الأمر دفع بهذه الدول الراعية للسعي إلى تمديد أمد الحرب بحثاً عن إنجازات قد تحقق في مكان ما فيصرفونها على طاولة المفاوضات لاحقاً.
الجدير بالذكر أن تركيا وضعت نفسها الآن موضع السؤال وهي في حالة حرجة جداً إن في الداخل الذي ينخره الإرهاب أو السقطات المتوالية في سياساتها الخارجية المتقلبة، إذ أن خرق المسلحين لتعهداتهم بإلتزام الهدنة تحت ضمانة تركيا جعلها في موقف الضعيف وعدم المسيطر، وهي التي كانت تسعى بشتى السبل لإستعادة دور ما لها في المنطقة عبر سوريا بالإتفاق الذي توصلت إليه مع روسيا، فهل تمارس أنقرة ضغطاً أكبر على هذه المجموعات لتلتزم بالهدنة وتشارك في مفاوضات الاستانة أم أنها باتت عاجزة تماماً عن السيطرة الفعلية عليهم؟ وهل الهجوم التي تشنه على إيران متهمة إياها بتعطيل الهدنة سيكون الغطاء لعجزها عن لجم كباح المسلحين؟
الوقت – محمد حسن قاسم
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق