الفساد في الكيان الإسرائيلي: مسألة تُهدد الحاضنة الشعبية للأهداف الإسرائيلية
يعيش الكيان الإسرائيلي حالةً من الفساد الذي يتعلق بالمسؤولين الإسرائيليين. حيث لا يمضي شهرٌ حتى يتم الكشف عن مسؤولٍ إسرائيلي جديد بتُهم فساد جديدة. في حين باتت سمعة الطبقة السياسية على المحك، لا سيما بعد ارتفاع قضايا الفساد خلال السنوات الأخيرة وتعلُّقها بمسؤولين يشغلون مناصب حساسة. مما جعل المجتمع الإسرائيلي في حالة من تراجع الثقة بمسؤوليه. فماذا في آخر تطورات ملف الفساد في الكيان الإسرائيلي؟ وما هي أهم دلالات ذلك وأثرها على المجتمع الإسرائيلي؟
نتنياهو أمام التحقيق بتُهم فساد
استجوبت الشرطة الإسرائيلية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي في مقر إقامته في القدس المحتلة لمدة ثلاث ساعات وذلك في شبهة تلقيه رشاوى عبر حصوله على “هدايا خلافاً للقانون” بحسب ما أعلنت وزارة العدل الإسرائيلية، دون إعطاء تفاصيل حول الموضوع. في حين تولى الإستجواب محققون من الوحدة “لاهاف 443” التابعة للشرطة والمتخصصة في مكافحة الفساد. فيما أكد المستشار القضائي أنه لم يُؤكد حتى الآن أن الهدايا أتت في إطار رشاوى، لأنه لم يثبُت بعدُ أنه تم تلقِّيها مقابل أي تسهيلات.
وهنا لا بد من الإشارة الى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحقيق مع نتانياهو بقضية فساد حيث جرى في العام 2012 التحقيق معه من قِبل فريقٍ خاص من مكتب مراقب عام الدولة في القضية التي اشتهرت إعلامياً باسم “بيبي تورز” حول كيفية تمويل نتنياهو لرحلاته مع زوجته سارة وولديهما. حيث بيَّنت التحقيقات أن تكاليف الرحلات باهظة جداً ويقوم بتمويلها متبرعون حيث طُرحت التساؤلات عن طريقة تحويل الأموال وتغطية تكاليف الطيران وإقامة نتنياهو وعائلته في الفنادق الفاخرة بالخارج.
الفساد في الكيان الإسرائيلي
احتلَّ الكيان الإسرائيلي المرتبة 32 خلال العام 2015، في مؤشر الفساد العالمي CPI التابع لمؤسسة (Transparency International) والذي يُوثِّق حجم الفساد في القطاع العام بالعالم.
وهنا فإن خضوع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتحقيق بتُهم فساد، هو ليس الأول من نوعه في الكيان الإسرائيلي بحق مسؤولين كبار حيث طالت الإدانات في السابق العديد من المسؤولين الإسرائيليين بينهم رؤساء دولة وحكومة ووزراء. حيث اشارت التقارير العالمية إلى أن حالة من التدهور الخطير طرأت على “نظافة الكف” لدى القادة الإسرائيليين حيث تظهر كل شهر قضايا كثيرة حول الفساد في الحكم بدءاً من السلطات المحلية، المسؤولة عن إدارة شؤون المدن وصولاً إلى الفساد لدى الجهات العليا.
تاريخ المسؤولين الإسرائيليين: الفساد يطال المواقع الحساسة
عدة شخصيات شغلت مناصب حساسة في الكيان الإسرائيلي وقعت تحت تهم الفساد وحوكمت. أبرزها:
– رئيس الوزراء الاسبق “إيهود أولمرت” والذي حُكم عليه بالسجن في قضية رشوة وخيانة أمانة. وهو يقضي حالياً فترة العقوبة في سجن معسياهو الإسرائيلي.
– الرئيس الإسرائيلي الأسبق “موشيه كاتساف” حُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات في عدة قضايا أخلاقية أمضى منها خمس سنوات وتم العفو عن باقي العقوبة منذ عدة أسابيع فقط.
– زعيم المعارضة الإسرائيلية والمعسكر الصهيوني “يتسحاق هيرتزوج” والذي خضع للتحقيقات من جانب الشرطة في قضايا فساد بتهمة الحصول على تبرعات خلال المعركة الإنتخابية لرئاسة حزب العمل عام 2013 بشكل غير قانوني وعدم إبلاغه الجهات المسؤولة بحجم هذه التبرعات وقيامه بتقديم معلومات كاذبة بهذا الشأن.
– وزير الداخلية وزعيم حزب “شاس” الديني “آرييه درعي” الذي أمضى من قبل حوالي عامين في السجن بتهمة الفساد والحصول على رشاوى. فيما حامت الشبهات منذ سنوات حول تورطه مع آخرين في قتل والدة زوجته “استر فردربار” في مدينة نيويورك الأمريكية بهدف اخفاء دلائل كانت بحوزتها حول مسألة فساد درعي.
– الحاخام الاسرائيلي “ياشياهو بينتو” والذي يُطلق عليه صفة الحاخام المليونير، يمتلك إمبراطورية اقتصادية ضخمة، بدأ منذ فترة قضاء عقوبة السجن لمدة سنة بتهمة دفعه الرشاوى وعرقلته لسير العدالة خصوصاً أن امبراطوريته المالية تُعتبر عامل مؤثر في منظومة الإقتصاد الاسرائيلي. فيما ذكرت التقارير أن ترتيب الحاخام يأتي في المركز السابع ضمن قائمة الحاخامات الأكثر ثراءاً في تل أبيب وهو على علاقة بعدد كبير من رجال الأعمال في مجال العقارات والألماس والمنسوجات بهدف كسب الأرباح المشتركة وتحقيق الثروة.
الفساد في الكيان الإسرائيلي: دلالات وتحليل
عدة دلالات يمكن الوقوف عندها نُشير لها فيما يلي:
أولاً: يُعتبر الفساد السياسي أحد دلائل الترهُّل في النظام الحاكم لأي طرف. حيث يُعتبر الفساد عاملاً يدل على غياب الرقابة وتراجع اهتمام المسؤولين بمسؤولياتهم، وانخراطهم في أعمال خاصة لا بد أنها تؤثر على المصالح الخاصة للطرف. وهو الأمر الذي برز في الكيان الإسرائيلي بشكل كبير، فيما كانت أغلب التُّهم تتعلق بالفساد المالي والأخلاقي.
ثانياً: يُلاحظ ومن خلال متابعة قضايا الفساد الإسرائيلي أنه يتم استخدامها في الحرب الإعلامية والسياسية بين الأطراف الإسرائيلية بشكلٍ يمكن أن يؤثر على صورة العمل السياسي الإسرائيلي، بحسب ما أشار مراقبون. فيما يمكن اعتبار كلام عضو الكنيست الإسرائيلي وزيرة الخارجية السابقة “تسيبي ليفني” حول أن نتنياهو فقد سلطته حيث حاول شرعنة أعمال غير أخلاقية في هذا السياق.
ثالثاً: تأخذ قضايا الفساد في الكيان الإسرائيلي نظرة خاصة، حيث تلقى رقابة واهتمام المجتمع الإسرائيلي بشكل كبير. وذلك لأسباب تتعلق بالوضع الإقتصادي والمعيشي للمجتمع الإسرائيلي الذي يعيش هاجس الوجود والمستقبل بشكل دائم. الأمر الذي يجعل هذه القضايا تنعكس بشكل كبير على الواقع الإسرائيلي اجتماعياً واقتصادياً وتزعزع ثقة المجتمع الإسرائيلي بمسؤوليه.
لا شك ان قضايا الفساد هي من الأزمات التي تعاني منها الدول كافة. في حين يُنظر للكيان الإسرائيلي الذي يعيش صراع الوجود وافتقاده للإستقرار الإستراتيجي على كافة المستويات، بشكل مُختلف. حيث تجعل فضائح فساد المسؤولين الإسرائيليين المجتمع الإسرائيلي أقل ثقة بمسؤوليه. وهو ما يُهدد مستقبل الحاضنة الإجتماعية للكيان الإسرائيلي بشكل كبير.
المصدر / الوقت