الورقة الأخيرة لداعش وأخواتها
يدعو القانون الدولي أطراف النزاع المسلح إلى التمييز بين المدنيين والمحاربين، وبين الأعيان المدنية والعسكرية ويؤكد على حماية المدنيين من الأعمال العدائية مثل حظر الهجمات المتعمدة أو المباشرة على المدنيين والأعيان المدنية، ويجرّم إقدام الأطراف المتنازعة في الصراعات والحروب على استخدام المدنيين كدروع بشرية وفق اتفاقيتي جنيف عام 1929 وعام 1949 والبروتوكول الإضافي لها عام 1977 وأيضا معاهدة روما عام 1998.
وقد ظهرت جريمة “استخدام المدنيين” وانتهاك القوانين الدولية بشكل واضح ومستمر في الإعتداءات التي شنّها الكيان الإسرائيلي ضد المواطنين المدنيين في لبنان وفلسطين، حيث عمد الجنود الإسرائيليون إلى اختيار المدنيين بشكل عشوائي لزجهم في الخطر أثناء الإشتباكات العسكرية، كما تعمَّدوا إستهداف وتدمير المنشاءات المدنية من جسور ومستشفيات ومراكز طبية ومحطات كهرباء وماء وغيرها.
ومؤخراً لجأت التنظيمات الإرهابية من داعش ونصرة وغيرها للأسلوب نفسه، إذ عمدت إلى إستخدام المدنيين كدروع بشرية لمراكزهم ومسلحيهم، فضلاً عن قطعهم المياه عن 4 مليون مدني في دمشق بتفجير نبع فيجة في وادي بردى قرب دمشق، وتفجير شركة حيان للغاز في ريف حمص الشرقي التي تنتج يوميا نحو 180 طنا من الغاز المنزلي الذي يوزع على المناطق المدنية وتؤمّن 200 فرصة عمل والأهم أنها تغذي محطات توليد الكهرباء في المنطقة الجنوبية بشكل شبه كامل وتغذي محطات المياه وتكرير المياه، وبتفجيرها سيعاني المدنيون من زيادة ساعات تقنين الكهرباء، بالإضافة إلى تفاقم أزمة الغاز الموجودة أصلاً، وكذلك الأمر في الموصل حيث عمل داعش مؤخراً على قطع المياه عن المدنيين في بعض المناطق في الموصل، كما نذكر قصف هؤلاء لخزانات المياه التي تغذي المدنيين في بلدتي الفوعة وكفريا. فما الذي يدفع هؤلاء لإستخدام هكذا خيارات إنتقامية ضد المدنيين؟ وأين الحملات الإعلامية والتحركات الدبلوماسية من ذلك وهل استنفارها يأتي غبّ الطلب فقط؟
الورقة الأخيرة لدى داعش والنصرة؛ قطع المياه والغاز والكهرباء عن المدنيين
أما في دوافع هذه التنظيمات نحو هكذا خطوات إنتقامية نذكر التالي:
1-الحرج الكبير الناجم عن الضغط الذي تتعرض له التنظيمات الإرهابية نتيجة الهزائم المتتالية التي تلقتها من حلب وصولاً إلى الموصل يدفعها للجنون واللجوء إلى أي وسيلة لا بل إلى أبشع السُبل للتعويض عن الوهن الذي ظهرت به، فلجأت للترهيب سعياً منها لإعادة هيكلة صورة الرعب التي انتهجتها والتي لا تتعدى كونها بالوناً وفزاعة فارغة المحتوى، فكثرت التفجيرات في الأسواق الشعبية والمناطق المدنية مع كل تقدم للقوات الحكومية في العراق وسوريا وصولاً منها لقطع المياه والكهرباء والغاز عن ملايين المدنيين مؤخراً.
2-الحقد الكبير الذي يكتنف نفوس هؤلاء الإرهابيين من المدنيين الساكنين في مناطق سيطرة الجيوش الحكومية يشكل سبباً آخر للإنتقام منهم وسكب كل حقدهم وغلّهم على هؤلاء مع كل هزيمة يتلقونها في الميدان والفوعة وكفريا خير شاهد على ذلك.
3-الإيديولوجيا الراديكالية المتشددة التي تتبناها هذه المجموعات هي الأخرى تجيز لهم هكذا خطوات إجرامية، إذ أن معظم هذه المجموعات تتبنى المدرسة الوهابية التي تتبع فقه إبن تيمية الذي يجيز في الحروب قتل المتمترس، أي بمعنى آخر الأبرياء في مناطق العدو، وهذه ذريعة أخرى يتبناها هؤلاء رغم معرفتهم المسبقة بوصية الرسول للمجاهدين فيما يخص هذا الموضوع إذ قال: “لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً فانياً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه.. ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم إليه، وسوف تأتون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام، فإذا أكلتم منها شيئاً بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها…”.
4-سبب آخر يدفع هؤلاء للتعسف وهو غياب المحاسبة الإعلامية والدولية التي ترى التمادي السعودي في ضرب المدنيين في اليمن والإسرائيلي في انتهاك حقوق الفلسطينيين ولا تحرك ساكناً، الأمر الذي يدفع بأي أحد ومنهم هؤلاء للذهاب بعيداً في وحشيتهم ضد المدنيين مع علمهم أن هناك من سيغطي ويعتم على أفعالهم.
وهنا لا يمكننا إلا أن نتساءل: أين المنظمات الدولية كمنظمة حقوق الإنسان ومجلس الأمن والأمم المتحدة وباقي المنظمات التي تلعب دور المنصة للإرهابيين في الأوقات التي تتعرض هذه الجماعات لضغوطات كبيرة كما حصل في حلب والجبهة الغربية للموصل؟
التساؤل هنا ليس بهدف السعي خلف إجابة لأنها معروفة مسبقاً، إنما للإضاءة على إزدواجية المعايير التي تتبعها هذه المؤسسات وفقاً لبرنامج عمل سياسي ذي خلفيات متعددة معدّة مسبقاً ومدفوعة الثمن أيضاً لأن القوانين الدولية كما أسلف وذكرنا تلزم هؤلاء بمحاسبة ومجابهة من يخرق هذه القوانين كما يلزمها أقله بالعمل بشفافية وموضوعية تجاه أي خرق وأن لا تكون طرفاً في النزاعات.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات اللاإنسانية تزيل أي لُبس وحجة لدى الدول الغربية ووسائل الإعلام لضرب النصرة وداعش وإتخاذ قرار دولي بمحاربتهم بشكل جدّي وفاعل لا بالشعارات والمواربة لأن هذه المنظمات تتنفس آخر شرورها بهذا الشكل والفرصة سانحة للقضاء عليها الآن تحديداً.
محمد حسن قاسم
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق