هل ترث بريطانيا الوصاية الأمريكية على السعودية؟
في الوقت الذي أشرف فيه الغطاء الأمريكي للسعودية على الأفول بانتهاء ولاية أوباما وقدوم ترامب الذي اتخذ مواقف حادة ومسبقة من الدول الخليجية عامة والسعودية خاصة، ها هي بريطانيا تسابق نفسها لسد كل الفجوات ورمي نفسها جسراً أمام الطموحات السعودية وإقداماتها في كل الساحات بغض النظر عن شكلها والنتائج المترتبة عليها.
فلماذا تتصدى بريطانيا لهذا الدور وخصوصاً فيما يخص الملف التسليحي للسعودية في الوقت الذي ترتكب فيه الأخيرة مجازر علنية في اليمن وسبق وأدينت غير مرّة من المجتمع الدولي والرأي العام العالمي والأوروبي خاصة، فضلاً عن الدور السلبي للسعودية والذي يبدو أنه في إخفاق مستمر في العديد من ملفات المنطقة من سوريا والعراق وليبيا…؟ سؤال آخر يطرح نفسه هنا هو سبب التزامن بين زيادة الدعم البريطاني للسعودية مع إعلان فوز ترامب ووصوله للرئاسة في أمريكا؟
إذاً ما هي الأهداف البريطانية من هذا الدعم العلني والواضح للسعودية؟
1- من المؤكد أن الموارد الماليّة الضخمة التي تدرّها المبيعات البريطانية من أسلحة وغيرها للسعودية هي سبب مباشر ومؤثر للإندفاع البريطاني القديم المستجد نحو السوق السعودية السخيّة في استهلاكها وهذا مرّده الأسباب التالية:
الأول أن بريطانيا في مرحلة إنتقالية حساسة ومؤثرة جداً في مستقبلها فيما يتعلق بانفصالها عن الإتحاد الأوروبي الذي بات مسألة وقت لا أكثر والذي يفرض عليها تحديات إقتصادية جديّة وحاجة لأسواق أكبر وأكثر في هذه المرحلة، ثانياً الصيام الأوروبي عامةً والفرنسي خاصة عن بيع الأسلحة للسعودية بسب إنتهاكاتها في اليمن وهو أمر تستغله بريطانيا لتحقيق أرباح أكبر باحتكارها لهذا السوق ولو مؤقتاً، ثالثاً لا بد أن نذكر أن بريطانيا أيضاً تستغل الحاجة الماسة للسعودية للتسلح والذي يفرضه عدوانها على اليمن ودعمها لجماعات مسلحة في ليبيا والعراق وسوريا، إلا أن السؤال هنا لماذا تعلن بريطانيا عن هذا الدعم التسليحي للسعودية وهي قادرة على إخفائه كما في السابق؟ ألهذا الإعلان والوضوح مآرب أخرى؟
2- من المآرب التي تسعى بريطانيا إليها هو حرصها على إستمرار التأزم والحروب في المنطقة عبر دعمها المشروع السعودي في اليمن وسياساتها وتغذيتها للمجموعات الإرهابية فكرياً ومالياً في دول عدّة، ومرد ذلك هو عدم وضوح مصير العديد من الساحات في عدد من الدول أو تقدم المحور الآخر في ميادين أخرى كسوريا مثلاً، فضلاً عن المصلحة والدفع الإسرائيلي نحو إستمرار هذه الحروب في المنطقة الأمر الذي يؤمن لها أكبر قدر من الإستقرار وإستنزاف لجيوش المنطقة، وبريطانيا طبعاً حريصة على المصلحة الإسرائيلية، وبالتأكيد إن السعودية ومع تراجع الدور الأمريكي والأوروبي في الشرق الأوسط لن تستطيع الصمود وحيدة في هذا الأمر خصوصاً مع دخول روسيا وإيران بقوة لذا تحرص بريطانيا على تأمين هذا الغطاء والدعم الدولي للسعودية.
3- في الجهة المقابلة السعودية أيضاً بحاجة للدعم المعنوي والغطاء الدولي لأن للأخيرة مشاريع أيضاً في المنطقة تتمثل في دحض أي قوة أو دولة مستقلة في المحيط العربي وخصوصاً في اليمن، فضلاً عن خوفها من العلاقات العربية الإيرانية الطيبة التي نشأت أو قد تنشأ لها في ذلك من تأثير على دورها بحسب إعتقادها لذا السعودية على إستعداد لدفع أي شيء مقابل الدعم والغطاء الدولي العلني والواضح لها لتستطيع الإستمرار في مشاريعها في المنطقة وهذا عامل جذب كبير لبريطانيا تستغل فيه هذه الحاجة والضعف..
4- شق آخر من الإجابة الثالثة يمكن أن يجيبنا عن سبب تزامن الإندفاع البريطاني نحو السعودية مع إعلان وصول ترامب للرئاسة، هو أن السعودية تسعى اليوم لتأمين بديل للعرّاب الأمريكي الذي لطالما حمى السعودية وسياستها وحرص على رعايتها، واليوم مع وصول ترامب الحانق على السعودية باتت الأخيرة بحاجة لفسحة من الوقت لترى إن كان من الممكن أن يتغيّر أو يتراجع ترامب عن ما توعد به بالنسبة لعلاقته مع السعودية وخصوصاً أن الأخير رجل إقتصادي بإمتياز يلين مع وفرة المال وهذا طبعاً مستشف من سيرته وتصريحاته، لذا اللعب الآن سيكون على خطين هما تأمين غطاء بريطاني مقابل سخاء المال وتوفير أطول مدة من الرعاية الممكنة للتجلى الصورة في سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه السعودية.
5-أمر آخر لا بد من الحديث عنه يتعلق بتفصيل سبق وذكرناه وهو تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، إذ أن أوباما كرّس سياسة جديدة في الدورتين التي استلم فيهما السلطة وهي الإبتعاد قدر الإمكان عن الصدام العسكري المباشر، إذ حيّد أمريكا عن الحروب وسحب قواته من عدد من الدول وسعى نحو الحروب بالوكالة في أماكن كسوريا والعراق وليبيا والصلح والتسويات السياسية في الأماكن الأشد تعقيداً كإيران وكوبا مثلاً، وهو أمر لم تحبّذه السعودية واعتبرته ضعفاً وظهر ذلك جليّاً في الهجمة التي شنتها على أوباما بسبب رفضه دخول أمريكا عسكرياً بشكل مباشر إلى سوريا وهو أمر سعت له السعودية بكل ما تملك من طاقات وشاهد آخر هو الإتفاق النووي مع إيران الذي اعتبرته السعودية انتكاسة لأنها كانت تطمح لصدام أكبر بين أمريكا وإيران، وهنا نعود لبريطانيا التي تسعى السعودية لجذبها للعب هذا الدور في الفترة المقبلة.
6- كما نشير إلى مسألة العلاقة الوطيدة بين بريطانيا والعائلة الحاكمة في السعودية، إذ تعتبر بريطانيا هي المساهم الأول والمباشر في وصول وتولي آل سعود الحكم في السعودية تاريخياً، لذا مع تأزم الوضع الداخلي السعودي إقتصادياً وإجتماعياً من جهة، والسباق بين المحمدين من جهة أخرى ما خلفه ذلك من ضعف في هذه الأسرة، عوامل تدفع بريطانيا للمساهمة بإعادة تماسك هذه العائلة ومساعدتها على تخطي الهوة التي أوقعت نفسها بها لتستعيد توازنها بتقديم كل ما يدعم هذا الأمر لما في ذلك من مصلحة متبادلة بين الطرفين.
محمد حسن قاسم