نظرة على اليهود الأفارقة في الكيان الإسرائيلي: عنصرية أم فصل عنصري؟
لطالما دأب الكيان الإسرائيلي على إظهار التحدي الخارجي، وتحديداً العربي والإسلامي، كتهديداً وحيداً له، إلا أن التدقيق في البنية الداخلية الهشّة يميط اللثام عن واقع متفكك ومجتمعات متعدّدة متصارعة فيما بينها، لا تقل تهديداتها خطورةً عن تلك التهديدات الخارجيّة.
في الداخل الإسرائيلي، الإنقسام سمة كلّ شيئ، لسنا ها في وارد الحدّيث عن اليمين المتطرف واليسار الليبرالي، إنمّا الإنقسام الذي رفع تنامي الشعور بأن المستوطنين والاستيطان سيجلبون الكوارث للإسرائيليين، وتمييز من يطلقون على انفسهم تعبير إسرائيليين عن المستوطنين “اللقطاء”، وفق تعبير الكاتبة الصهيونيّة “ياعيل دايان”، إبنة وزير الدفاع الأسبق موشيه دايان، في كتاب “وجه المرآة” الذي يتطرّق للفساد الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي.
بوتقة الإنقسام تشمل كلّ شيئ، اليهوديّة منها والإسرائيلية، ففي حين هناك يهود شرقيين وغربيين وسود وبيض وعرب ينالون النصيب الأكبر من الممارسات العنصرية، هناك إسرائيليون روس، وإسرائيليون أفارقة وآخرين متزمّتون يعارضون كل من تجري في عروقه دمائهم “الملكيّة”.
العنصريّة الداخليّة
ينتمي اليهود الإسرائيلين إلى أربع فئات هم الحريديم وتترجم “اليهود الأورثوذكس” الحريديم” (مشتق من كلمة “حريدي” وتعني: “التقي”) وهم الطائفة الأكثر انعزالا في المجتمع الإسرائيلي، حيث يحاولون تطبيق تعاليم اليهودية بحَرفية داخل المجتمع الإسرائيلي، والمتدينين، والمحافظين، والعلمانيين. ويوضح مركز بيو للأبحاث في إحدى استقصاءاته حجم الخلافات العميقة في المجتمع الاسرائيلي “ليس فقط بين اليهود الاسرائيليين والأقلية العربية، وإنما بين الطوائف المتعددة التي تشكل تركيبة الشعب اليهودي في الکیان الإسرائيلي”.
ما يزيد في طينة المجتمع، أو “المجتمعات” الإسرائيلية بلّة هي ارتفاع نسبة الحريديم حيث من المتوقّع أن يصبح ثلث الإسرائيليين ينتمون لطائفة الحريديم الدينية في غضون الـ 50 عام القادم. وفي حين يؤكد أستاذ التاريخ والفلسفة بجامعة كوينزلاند بأستراليا، رى تريستار دانينغ في مقاله على أن “أكثر الأمور المتعلقة بأزمة الهوية في إسرائيل هو التوتر المتزايد بين الشرائح المختلفة من المجتمع اليهودي”، ويوضح أنّ اليهود أتوا إلى أرض فلسطين من 110 دولة مختلفة ويتحدثون بـ80 لغة ولهجة مختلفة، يتحدّث المؤرّخ الإسرائيلي “شلومو ساند” عن اقتراح بتقسيم إسرائيل إلى مقاطعات إثنية وعرقية مختلفة، أي أن سياسة التقسيم تجري في الدم الصهيوني ولا تقتصر على تقسيم الفلسطينيين، بل حتّى على أنفسهم لحماية أنفسهم من بعضهم البعض!
اليهود السود
يعاني اليهود الأفارقة الذين يبلغ عددهم أكثر من 170 ألف نسمة، بحسب آخر الإحصاءات الإسرائيلية، من رفض الحاخاميّة اليهودية الاعتراف بالكثير منهم، مشكّكةً بيهوديتهم. اذ تعتبر الحاخامية الكبرى في إسرائيل مسؤولة عن الاعتراف بيهودية شخص من عدمها، ويعتبر قرارها نهائياً لا رجعة فيه.
اليهود السود الذين مشوا على أرجلهم مئات الأميال في صحارى وهضاب إثيوبيا، وصولا إلى معسكرات تجميعهم، التي أخذت بنقلهم إلى فلسطين المحتلة، عام 1982، وموجة الهجرة الثانية الكبيرة أيضا عام 1991، يعانون من تمييز وفصل عنصري كبير، لا يقل عن معاناة السود في أمريكا، بل أكثر من ذلك، باعتبار أن المجتمع، أو المجتمعات، الإسرائيلية تتسم بطابع ديني لا يوجد في أمريكا.
وكثيرة هي الشواهد على عنصريّة هذه الدولة التي تضطهد كل من يخالفهاً عرقاً ولوناً ودينياً وطائفةً، ليس آخرها ما كتبته إحدى الممثلات الإثيوبيات الإسرائيليات على صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل 6 أشهر في تقرير لها قالت فيه إن “إسرائيل” ترتكب المزيد من الجرائم العنصرية. وقد أوضحت الصحيفة الإسرائيلية حينها أن اليهود السود يتعرّضون لنوعين من الإضطهاد، اضطهاد النوع واضطهاد اللون، لكن الداخل الإسرائيلي علّق على كلام الممثلة السوداء: إنّها امرأة سوداء أفريقية مثيرة للاشمئزاز. ليس ذلك فحسب، بل إن وحدات الدم التي يتبرّع بها الأثيوبيين تُرمى جانباً، كما أن إجبار النساء الأثيوبيات على تلقّي إبر منع الحمل، كان أحد شروط الترهيب لقدومهن إلى فلسطين المحتلّة.
وفي منتصف العام 2015، اندلعت تظاهرات واشتباكات في مدينة القدس، وتل أبيب على خلفية اعتداء بعض رجال الشرطة البيض على جندي أسود من الفلاشا، وكانت نتيجة ذلك عشرات الجرحى والمصابين من الطرفين. كذلك، اليهود البيض لا يتزوجون منهم، ولا يريدونهم في مدارسهم ما أوجد الكثير من المدراس المختصّة بهم.
يعيش الكثير منهم في أماكن أشبه بالحظائر بدل القصور التي وُعِدوا بها
يعيش الكثير منهم في أماكن أشبه بالحظائر بدل القصور التي وُعِدوا بها
الوضع الاقتصادي الصعب، ولعله السبب الرئيسي الذي دفعهم للخروج من أفريقياً بناءً على وعود بالديمقراطيّة والرفاهية التي لم يحصلوا عليها منذ عشرات السنين، أحد أبرز السمات لهؤلاء. الفقر المدقع أحد أبرز عناصر العنصريّة بالنسبة لهم حيث يرى مركز تاوب الإسرائيلي للدراسات الاجتماعية والاقتصادية أن عدم المساواة في الدخل يعتبر من أعلى المستويات في العالم.
الوضع الداخلي الإسرائيلي أكثر من هش، كما أن العنصرية والإضطهاد الذي تعاني منها الأقليات تشكّل فرصةً مناسبة للتغلغل في الداخل الإسرائيلي واختراق الجيش وأجهزته الأمنيّة، وهذا ما فعتله حماس مؤخراً عبر حسابات وهميّة، فالداخل هناك على حافّة الانفجار
المصدر / الوقت