مفاوضات آستانة وأيادي المسلحين الفارغة
تحرير مدينة حلب الاستراتيجية مهد الطريق إلى حد كبير للوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية إلى درجة يمكن القول معها أن البعد العسكري بات تحت تأثير البعد السياسي لهذه الأزمة.
كما إن اجتماع موسكو الثلاثي بين إيران وروسيا وتركيا الذي ساهم في التوافق على عقد اجتماع آستانة بحضور شخصيات عسكرية وليست سياسية من الممكن أن يمثل المنعطف الرئيسي في حل الأزمة السورية سياسياً.
ومن هذا المنطلق يسعى كل من طرفي النزاع؛ أي الحكومة السورية والجماعات المسلحة إلى جمع أكبر قدر ممكن من عوامل الضغط في الميدان العسكري لتوظيفها على طاولة المفاوضات السياسية.
ومن الطبيعي التأكيد على أن الانتصارات الأخيرة التي حققها الجيش السوري والتي تتوجت بتحرير مدينة “حلب” من أيدي الإرهابيين قد رجّحت ميزان القوى لصالح الحكومة السورية، ولكن ومع قرب إنعقاد المفاوضات بالعاصمة الكازاخية في الأيام القادمة سعت الجماعات المسلحة إلى أن تستجمع ما لديها من عوامل ضغط للاستفادة منها في هذه المفاوضات.
في هذا السياق يمكن الإشارة إلى أن أزمة المياه في دمشق التي تهدد حياة خمسة ملايين سوري هي الورقة الأساسية التي تسعى الجماعات المسلحة للتمسك بها كورقة ضغط في مفاوضات آستانة.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها ويبذلها الجيش السوري لحل هذه الأزمة الإنسانية والتقليل من تأثيراتها السلبية على الرأي العام السوري، إلاّ أن العراقيل التي وضعتها الجماعات المسلحة من خلال التنسيق مع الأطراف الخارجية والإقليمية الداعمة لها حالت حتى الآن دون تسوية هذه الأزمة. ويبدو أن المسلحين لايريدون التفريط بهذه الورقة قبل انطلاق محادثات آستانة كورقة ضغط.
وبعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري لاسيّما في مناطق “بسيمة” وأطراف “عين الفيجة” بات المسلحون في وضع لا يحسدون عليه، ممّا أرغمهم على طرح السلاح جانباً والقبول بالمصالحة مع الحكومة السورية.
وبعد تولي اللواء أحمد الغضبان رسمياً مسؤولية أمن “عين الفيجة” لضمان تدفق المياه إلى العاصمة السورية بأمر من الرئيس بشار الأسد ووفق بنود المصالحة، تم اغتيال الغضبان من قبل الجماعات المسلحة بعد أن تمكن من فتح الطريق أمام الفرق الهندسية وتهيئة المعدات اللازمة لصيانة البنى التحتية لشبكة إيصال المياه إلى دمشق، ما أبقى هذا الملف مفتوحاً كورقة ضغط بيد الجماعات المسلحة لتوظيفها في مفاوضات آستانة.
ومن أجل تبرئة نفسها عمدت الجماعات المسلحة إلى إلقاء تبعة هذه الجريمة الإنسانية وكذلك جريمة اغتيال الغضبان على ما يسمى “جبهة النصرة” لتحميلها المسؤولية، فيما أشارت معلومات تناقلتها وسائل الإعلام إلى أن المدعو “صافي علم الدین” قائد ما يعرف بـ”أحرار الشام” في وادي بردي هو المسؤول المباشر عن هذه الجرائم.
وتهدف الجماعات المسلحة من خلال هذا التراشق بالاتهامات إلى تلميع صورتها أمام الرأي العام السوري وإبقاء ملف المياه كورقة ضغط في مفاوضات آستانة.
كما سعت الأطراف الغربية إلى إثارة قضية استخدام السلاح الكيميائي المزعومة ضد القيادة السورية خصوصاً الرئيس بشار الأسد وأخيه ماهر الأسد كورقة ضغط أخرى على الحكومة السورية في مفاوضات آستانة.
في هذا الإطار أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية خلال الأيام القليلة الماضية بياناً ضمّت فيه خمس مؤسسات عسكرية و18 قائد عسكري سوري رفيع المستوى إلى لائحة الحظر الخاصة بهذه الوزارة على خلفية مزاعم باستخدام السلاح الكيميائي، ما يعزز الاعتقاد بأن تحرير حلب قد أنهى أحلام المعارضة السورية وداعميها الغربيين والإقليميين وأثبت الفشل الذريع لمخططاتهم وماكنتهم الإعلامية في إمكانية إسقاط نظام حكم الأسد.
ويمكن الجزم بأن سوريا وحلفاءها إيران وروسيا سيذهبون لحضور طاولة المفاوضات في آستانة وبيدهم الورقة الرابحة الرئيسية، إذ لم يبقِ تحرير حلب مجالاً لطرح قضية تنحي بشار الأسد عن السلطة في هذه المفاوضات.
ولهذا يسعى الطرف المقابل إلى إثارة الشبهات حول الرئيس السوري وباقي القيادات العسكرية في هذا البلد خلال الأيام القليلة المتبقية في مسعىً منها لتوظيف هذه الورقة في التفاوض حول المستقبل السياسي لسوريا وخصوصاً ما يتعلق بمصير الأسد.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن تنطلق مفاوضات آستانة في 23 من كانون الثاني/يناير الجاري بين وفد الحكومة السورية ووفد للمعارضة بحضور إيران وروسيا وتركيا.
المصدر / الوقت