التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

ترامب في خطاب التنصيب: أمريكا تتّجه نحو التقوقع؟ 

دخل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. حفل التنصيب للرئيس الخامس والأربعين في الترتيب منذ جورج واشنطن، بدا سلساً بعد تأدية الرئيس الجديد اليمين الدستورية في حفل ضخم أقيم على مدرجات مبنى الكابيتول وسط العاصمة الأمريكية واشنطن، متعهدا بـ”ببناء البلاد، واستعادة الحلم، وتنفيذ المهمة”.

بعد تأديته اليمين الدستوريّة التي أراد التشبّه فيها بأسلافه “الكبار” كـ”جورج واشنطن و فرانكلين روزفلت و جون اف كينيدي”، شرع بخطاب التنصيب الذي كان داخلياً، وتحديداً اقتصاديّاً، بامتياز، رغم أنّه لم يخلُ من بعض الإشارات السياسيّة التي تتعلّق بمحاربة الإرهاب.

الرئيس الجديد بدأ مهامه الرسميّة بخطاب لم يختلف كثيراً عما سمعناه من المليادير الأمريكي أثناء حملته الانتخابيّة، متعهّداً باعتماد “رؤية جديدة” للحكم من “الآن فصاعدا” قوامها “أمريكا أوّلاً”، وهو الشعار الذي استخدمه خلال حملته الانتخابيّة التي استمرت 511 يوماً.

الداخل والاقتصاد

لم يخلُ خطاب ترامب من النزعة الشعبويّة واضعاً يده على الجرح الداخلي الأمريكي، أي الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية التي نالت حصّة الأسد من خطابه، إضافةً إلى الوضع الاجتماعي الصعب من خلال وصفه “أن الجريمة تمزق البلاد”، وقد بدا لافتاً في الشقّ الداخلي من خطابه الموجّه إلى الشعب الأمريكي الذي يبلغ 320 مليونا، التالي:

أوّلاً: ركّز الرئيس ترامب على الوضع الداخلي بشكل كبير، مطلقاً العديد من الوعود الاقتصاديّة البحتة، ومعترفاً بوجود جملةً من المشاكل والأزمات والتحديات الاقتصادية. هذه الوعود التي كانت سبباً في تغلّبه على منافسته الديموقراطيّة هيلاري كلينتون، تكرّرت اليوم وبوتيرة أكبر لإدراك الملياردير الاقتصادي نقطة الضعف لدى شعبه، وهو أراد من خلال التركيز عليها، الدخول بقوّة إلى البيت الأبيض، لاسيّما أن آخر استطلاعات الرأي كشفت تراجعه شعبيته، وهو الأمر الذي ندّد به ترامب موجّهاً انتقاداته إلى مراكز الاستطلاع.

ثانياً: وجّه الملياردير الأمريكي، قطب العقارات في البلاد، انتقادات واضحةً للامبراطوريّة الاقتصادية والسياسية التي تسير عليها البلاد منذ زمن. وقد اعترف ترامب في خطابه بالشرخ القائم بين الشعب والسلطة في البلاد مؤكداً “أنّنا سننقل السلطة من واشنطن العاصمة وسنعيدها إلى الشعب .. إليكم انتم”، وأضاف: لن يتم تجاهلهم مرة أخرى.. والفوضى في البلاد ستتوقف الآن”.

ثالثاً: اتسم خطاب ترامب بالبساطة التي جذبت الكثير من الأمريكيين، كحال خطاباته ووعوده في حملته الانتخابيّة التي نجحت في كسب أصوات الولايات الفقيرة، تحديداً في الوسط والجنوب من البلاد، مؤكداً أنه “من الان فصاعدا، أمريكا فقط ستكون أولا”، وأنه سيعطي الأولوية لشراء “المنتجات الامريكية وتوظيف الأمريكيين، وتابع في كلمته: سنستعيد وظائفنا وسننمي ثرواتنا .. أي صفقة تجارية سيتم عقدها من الآن فصاعدا مع دول العالم، ستضع في الاعتبار الولايات المتحدة أولا، مختتماً كلمته بشعاره الانتخابي “سنعيد إلى أمريكا عظمتها مرة أخرى”.

رابعاً: إن نوع الخطاب الذي تبناه ترامب ينمّ عن حجم الأزمة الاقتصاديّة التي يعيشها الشعب الأمريكي، بخلاف الإمبراطوريّة الاقتصاديّة التي روّجت لها الأنظمة السابقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حتّى 20 كانون الثاني/يناير2017، منتقداً “انتفاع قلة في واشنطن” من الحكومة بينما يتحمل المواطنون العبء الأكبر. الرئيس الجديد الذي أعلن عزمه بناء طرق جديدة وجسور ومطارات وأنفاق وسكك حديدة في جميع أنحاء البلاد، قال “الآن سيتغير الوضع. هذه هي لحظتكم”، ما يؤكد ابتعاد الجزء الأكبر من الشعب عن المؤسسات الحاكمة، وعن السياسة بشكل عام.

خامساً: إنّ تركيز ترامب على الوضع الداخلي وشعار أمريكا أوّلاً في خطاب التنصيب، كما في وعوده خلال الحملات الأمريكية، يؤكد أن أمريكا تتجه نحو التقوقع في الداخل، بخلاف سياسات الرؤساء السابقين الذين أولوا السياسات الخارجيّة الاهتمام الأكبر، الأمر الذي سيؤثر على حلفاء أمريكا في العالم، إلا أنّه يصب في صالح الشعوب والمناطق التي طالتها نيران السياسة الخارجيّة الأمريكية، وفي مقدّمتها منطقة الشرق الأوسط المشتعلة.

محاربة الإرهاب

لم يخصص ترامب في خطاب التنصيب، الخارج إلا بشقّ صغير يتعلّق بمكافحة الإرهاب حيث أوضح أنّنا “سوف نحارب التطرف الإسلامي العنيف وسنقضي عليه من على وجه الأرض”، وفق زعمه. ورغم أنّه حاول الابتعاد عن الملفات التي تعكّر صفوة بعض الأمريكيين كالحديث عن التقارب مع روسيا بشكل مباشر، إلا أن كلامه هذا لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، يتماهى مع وعوده السابقة بالتعاون مع روسيا. وبالفعل، تلقّفت موسكو هذه الرسالة بسرعة إذ أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن كلام الرئيس ترامب، بشأن نيته التركيز على محاربة الإرهاب الدولي، هو بادرة إيجابية.

تبقى هذه الوعود برسم الإعلام والشاشات، حيث لا تقتصر تحديات الرئيس الجديد على سهولة الوعود وصعوبة التنفيذ، بل يعتقد مراقبون أنّ أصحاب القرار في المؤسسات الأمريكية الحاكمة سيحولون دون تنفيذ أي تحوّل نوعي في سياسات واشنطن المتّبعة، داخلياً كان الأمر أم خارجيّاً. لا ندري، قدرة ترامب الذي جاء من خارج النظام الحاكم على تنفيذ مشروعه، ولا نعلم هل سينجح الرئيس الجديد في فرض قراراته على نظام المؤسسات الحاكم.

هذه التساؤلات تبقى برسم المستقبل الذي وجدته مجلة نيوزويك الأميركية في عددها الصادر الجمعة مشابهاً لما كانت عليه إنجلتر في عهد الملك هنري الثامن ملك منتخب لكنه مندفع ومتهور، لكن ما هو مؤكد أن رئاسة ترامب قفزة في الظلام، وفق ما كتبت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق