التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

بين التكتيك والاستراتيجية؛ هل سيعيد الأردن حساباته خليجياً؟ 

أثارت خطبة رئيس القضاة الشرعيين في الأردن، أحمد هليل، في صلاة الجمعة الماضية، والتي هاجم خلالها دول مجلس التعاون، دون أن يسميها بالاسم، موجة تساؤلات عارمة في الشارع وفتحت باب النقاش على مصراعيه للجدل القديم المتجدد، خاصة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية في البلاد، في وقت تقبع فيه المشيخات المجاورة على احتياطات نقدية ومستوى من الرفاهية يصل إلى حد “البذخ ” كما يحلوا للأردنيين تسميتها.

وفي تفاصيل القضية فقد حذر الشيخ أحمد هليل وبشكل شديد اللهجة من تردي الأوضاع الاقتصادية في المملكة الأردنية الهاشمية مطالباً دول الخليج الفارسي بضرورة التحرك لدعم عمان مالياً، نظراً لاستنزاف قدراتها المالية في إدارة ملف أزمة اللاجئين السوريين، وأن تجاهل ما آلت إليه أحوال بلاده يعني أن دائرة الخطر لن تقف عند الأردن، مذكّراً بالأزمات التي تشهدها سوريا والعراق واليمن و”مؤخراً البحرين”، على حد زعمه.

وطالب قاضي قضاة و”إمام الحضرة الهاشمية” وبشكل علني وفي جرأة غير معهودة من مسؤول رسمي أردني، قادة الخليج الفارسي بدعم الأردن متسائلاً “أين عونكم؟ أين هي أياديكم البيضاء؟ أين هي أموالكم؟ أين هي ثرواتكم؟ ألا نعتبر فيما يجري في سوريا والعراق واليمن والآن في البحرين والله أعلم ماذا يراد بنا وبهم.”

كلام الشيخ هليل شرّع الأبواب على العديد من التساؤلات، كانت نبض الشارع الأردني وحديث صالوناته السياسية والعامة على حد سواء وهي:

أولاً: هل تعكس تصريحات المسؤول الأردني وجود تملل لدى صناع القرار في عمان بسبب تأخر وصول المساعدات الخليجية والسعودية منها على وجه التحديد، خاصة أن الأردن وعد بأموال استثمارية ضخمة من قبل الرياض ولم تصل على الإطلاق.

ثانياً: ما هو دور المنابر الدينية في توعية الشارع الأردني “لحقه” بالتنعم بشيء من أموال النفط الخليجية بعد الخدمات السياسية الغير قليلة التي قدمتها وتقدمها الحكومة الأردنية لدول مجلس التعاون وفي اكثر من مناسبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الشارع الأردني يقبع تحت ظروف اقتصادية تزاد سوءاً يوماً بعد يوم؟.

ثالثاً: والأهم مما سبق، إلى متى ستبقى عمان أسيرة للمساعدات المالية الخارجية وخاصة الخليجية، وهل ستحذو الحكومة الأردنية حذو الحكومة المصرية عبر فتح ممرات سياسية جديدة على غرار ما فعلت مصر، ونتحدث هنا عن التوجه شرقاً (من منظور إقليمي وليس دولي) أي أن يعمد الأردن إلى طرق البوابة العراقية والإيرانية لتعويض “الخذلان السعودي” وشح المساعدات؟.

الخطبة الأردنية التي ربما ستشكل علامة فارقة في تحول المسار السياسي للبلاد، لاقت تضامن واسع من قبل النخب الأردنية، التي اعتبرت أن الشيخ هليل تكلم بلسان حالهم، وأن الشيخ لم ينطق عن الهوى بل كلماته كانت أصداء لكلام ونبض الشارع الأردني، والذي يتكلم بلهجة أكثر حدة، وهو يرى كيف تذهب أموال النفط العربية لدمار هذه البلدان وشراء الأسلحة وإذكاء النعرات الطائفية والمذهبية، والأنكى من ذلك كلّه قصف المدنيين العرب المسلمين وإهلاك الحرث والنسل بدل أن تكون “البحبوحة” الخليجية مصدر خير للمنطقة وتشكل رافعة لدعم اقتصاد البلدان العربية ودفع عجلة النمو في تلك البلدان انطلاق من المثل الأردني المعروف “ان كان أخلك بخير فأنت بخير” ولكن الواقع شيء والأمل شئ أخر تماما.

العجز الذي تعاني منه السعودية وتورطها في عدة حروب من سوريا وصولاً إلى المستنقع اليمني الذي أصبحت عاجزة عن الخروج منه، واستنزاف السعودية (ومعها مشيخات نفطية أخرى) ثروات هائلة، فلم تعد بمقدورها أن تصرف الهبات والمساعدات يميناً وشمالاً. اليوم، وعلى الرغم من الخدمات التي قدّمها الأردن للمشروع السعودي في سوريا وما عانته عمان من تبعات الأزمة السورية، إلاّ أنّ الرياض عجزت على ما يبدو حتى عن تسديد فاتورة تلك الخدمات، فما بالك بالمطالبة بشيك على بياض في زمن ينحسر في المشروع السعودي وأصبح في حكم الميت سريرياً.

الخوف السعودي من اقتداء الأردن بمصر التي توجهت شرقاً نحو العراق وايران من منظور إقليمي التعويض واردات النفط التي قطعتها الرياض عن القاهرة لاعتبارات سياسية (لسنا في وارد ذكرها الآن)، دفعت وسائل الإعلام السعودية للحديث عن قمة أردنية سعودية بين العاهلين السعودي والأردني في أواخر آذار (مارس)، في محاولة لسحب الأردن علة ما يبدو من التوجه شرقاً، وعلى أثر ذلك تحول قاضي قضاة الأدرن إلى كبش فداء، وتم الإطاحة به بعد “إجباره” على تقديم استقالته في مسعى لامتصاص الغضب السعودي.

إذاً، وبعد أن “قتل الرسول بعد إيصاله الرسالة”، لابد أن ما قبل الرسالة ليس كما بعده، ولكن لا نتوقع أن التلويح برفع المقصلة الخليجية عن رقبة الأردنيين، وكذلك تلميح الحكومة الأردنية وبشكل غير مباشر إلى أن عمان لن تقف مكتوفة الأيدي إذ انقطعت المساعدات السعودية وتوقف الدعم المالي، سيتعدى كونه تهديد، مع إيماننا بحتمية أن يعطي هذا التهديد أُكُله مادياً على الأقل، ولكن لا يمكن أن نتوقع حدوث تغيير استراتيجي في سلوك الأردن.

وبين هذا وذاك، ستستفيد عمان من كلام الشيخ هليل بشكل جيد، وستجير سياسة الباب المفتوح، التي تتبعها موسكو وإيران، لصالحها لتهديد الممول الخليجي كلما دعت الظروف المالية وأتاحت الظروف السياسية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق