التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

المنطقة العازلة في سوريا: الإمكانيّة واستراتيجيّة المواجهة 

بعد الفشل التركي السعودي القطري في إقامة المنطقة العازلة خلال حقبة أوباما، يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد خطا الخطوة الأولى على هذا الطريق.

ترامب وقّع على أمر إداري توجيهي لإقامة المنطقة العازلة موجّها لوزارتي الخارجية والدفاع إعداد دراسة حول المنطقة الآمنة وسبل إقامتها، والاحتمالات المتعددة لذلك وكلفة كل منها وعائداته المالية والسياسية والعسكرية، ليتخذ الرئيس القرار المناسب.

رغم أن القرار جاء في سياق محاربة المهاجرين، شغل ترامب الشاغل، إلا أن تركيا سارعت إلى تجييره لصالحها، خاصّة أنّه قد يبدّل في حسابات أنقرة التي قد تتراجع عن الكثير من النقاط التي وافق عليها في الأستانة، ويطرح جملة من التساؤلات تتعلّق بإمكانيّة التنفيذ في ظل وجود العديد الفرص، واستراتيجية المواجهة من قبل سوريا وحلفائها.

إمكانيّة التّنفيذ

رغم أن العديد من الخبراء وجدوا في قرار ترامب مواجهة مع المهاجرين الذي يريد بناء جدار عازل معهم على الحدود مع المكسيك، إلا أن آخرين أكّدوا أن نتائجه الإقليمية تفوق الدولية منها، وبالتالي عند الحديث عن إمكانّية التنفيذ لا بد من الإشارة إلى التالي:

أوّلاً: لا شكّ أن القرار الأمريكي الجديد سيزيد من حجم الشرخ القائم بين واشنطن وموسكو ويسقط كافّة الرهانات على أي تقارب مرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. موسكو حذّرت سريعاً من عواقب المنطقة العازلة في سوريا ومن تداعيات المضي في هذا القرار، داعية الإدارة الأمريكية التي لم تتشاور معها إلى أن تفكر في العواقب المحتملة.

ثانياً: يُنهي هذا القرار المشاورات السورية السورية للخروج السياسي من الأزمة، كما أنّه يرفع من منسوب التوتّر بين دول المنطقة. تركيا ستنقلب على مواقفها السابقة من تحرير حلب حتى صدور القرار وستعود إلى سياسة الميدان فقط، خاصّة أنها أيدت الموقف الأمريكي الجديد.

ثالثاً: إن هذه الخطوة ستجعل هؤلاء اللاجئين عرضة للاستهداف المباشر من الجماعات التكفيرية . إن واشنطن الغير قادرة على الحدّ من تمدّد داعش، وتركيا العاجزة عن حماية مواطنيها في العمق التركي، لن تنجح في حماية هؤلاء اللاجئين التي تريد استخدامهم كحصان طروادة يعيد إلى أردوغان أحلامه العثمانيّة، ويكرّر من خلالها تجربة قبرص التركيّة. إن أبعاد الموقف التركي بدت واضحة من خلال إعلان أنقرة أنها لن تتراجع من مدينة الباب بعد تحريرها.

رابعاً: لا ندري مدى قدرة الرئيس الأمريكي على الدخول في مواجهات جديدة، خاصّة أن العلاقات مع الصين في الحضيض، كما أنه قد أوضح في برنامجه الانتخابي وخطاب التنصيب أنّه سيركز على الداخل، فهل ما يفعل اليوم هو أوّلى الانقلابات؟ وهل يقف صهره اليهود الذي يتولّى ملف الشرق الأوسط خلف هذه الخطوة خدمة للكيان الإسرائيلي الذي يريد تقسيم سوريا وإطالة أمد الحرب إلى أقصى فترة ممكنة؟

خامساً: اعتدنا على “الملياردير الأشقر” أن يحسب “الجدوى الاقتصاديّة” قبل أي خطوة يفعلها، وفي حال وجد عملاق العقارات الأمريكية أن خريطة المنطقة العازلة ستكلّفه أكثر من ما يحصده، فقد يعرض عنها بعد ثلاثة أشهر. قرار ترامب الذي يشكّل انحرافا كبيرا عن نهج سلفه أوباما لأنه يتطلب زيادة في حجم القوة الجوية الأمريكية أو القوة الجوية للتحالف، وعددا كبيرا من الموارد الإضافية بخلاف القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي الأمر الذي يرفع حجم التكلفة.

سادساً: لا ندري طبيعة المنطقة العازلة الجديدة، وهل هي منطقة أو منطقتين، الثانية كرديّة، لاسيّما في ظل تقارب الجيش الأمريكي مع الأكراد والحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في شمال شرق سوريا، ونشر ألف جندي في قرية “تل بدر” الواقعة على بعد 35 كم من مدينة الحسكة إلى الشمال الشرقي من سوريا، على بعد 70 كيلومترا من الحدود مع تركيا، فهل سترضى أنقرة بذلك؟

سابعاً: لو أعدنا قراءة الدراسات والخطط التي أعدّتها وزارتا الخارجية والدفاع في عهد باراك أوباما لأذعنا بالفارق القياسي بين الورق والتطبيق حيث تتراجع أمريكا عن هذه الدراسات التي لا تشوبها شائبة نظرياً، وعكس ذلك عملياً عندما يصل الأمر إلى حد المواجهة المباشرة مع روسيا، فما الذي يضمن لترامب أن لا تتكرر حادثة طائرة السوخوي “35” الروسيّة” من جديد؟ وهل برنامجه الداخلي يسمح له بفتح جبهات عسكرية جديدة، إضافةً إلى العشرات من الجبهات السياسيّة المفتوحة مسبقاً؟

استراتيجية المواجهة

وأمّا عن استراتيجيّة المواجهة، فيجب أن تقتنع وزراتي الخارجية والدفاع بأن هذه الخطوة ستفرط التنسيق مع موسكو في الأجواء السورية، ما يعني فشل ترامب في أهم أولوياته الخارجية، مواجهة “داعش” والنصرة كما يدّعي.

لا يمكن التعويل على قرار ترامب الإداري خاصّة أنّه لا يزال قيد الدرس، فضلاً عن وجود جملة من المؤثرات التي قد تغيّر في موقفه، سواءً فيما يتعلّق مواجهاته الخارجية مع الصين والاتحاد الأوروبي، أو مواجهاته الداخلية، وما أكثرها.

أثبت الرئيس الأمريكي أن مواقفه غير قابلة للتكهّن، وبالتالي من الممكن أن يغوص في المستنقع السوري، إلا إن دخول المنطقة العازلة حيّز التنفيذ يعني إسقاط العديد من الإنجازات التي تحقّقت خلال السنوات على أيدي سوريا وحلفائها، وبالتأكيد لن ترضى دمشق وحلفائها بتضييع هذه الإنجازات عبر قرار إداري “طائش” من رئيس متهوّر حتى لو وصل الأمر إلى الدخول في مواجهة عسكرية شاملة تقلب الطالة على الجميع. قرار المنطقة العازل تعترضه الكثير من التحدّيات، وقرار الرفض ولو بالمواجهة هو قرار مطروح، حيث يؤكد أصحابه أنّه: إذا لم تكن إلا الأسنّة مركباً، فما حيلة المضطرِّ إلا ركوبها..
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق