التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, سبتمبر 29, 2024

روسيا وتركيا.. كيف تنظر إحداهما إلى الأخرى؟ 

حظي التغيير الذي حصل في سياسة أنقرة تجاه الأزمة السورية وقربها من موسكو باهتمام الكثير من المراقبين ووسائل الإعلام على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ومن الأمور التي تستحق الدراسة في هذا الملف هي العوامل التي دعت تركيا لهذا التغيير فضلاً عن النتائج التي تمخضت عنه داخلياً وإقليمياً ودولياً، وكذلك العوامل التي دعت موسكو في المقابل للانفتاح على أنقرة وتحسين العلاقات معها رغم حادثة إسقاط طائرة “السوخوي 24” الروسية من قبل تركيا في نوفمبر 2015.

وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن سياسة تركيا كانت وحتى وقت قريب تتقاطع مع سياسة روسيا تجاه الأزمة السورية، فالأولى كانت تهدف إلى إسقاط نظام حكم الرئيس بشار الأسد من خلال دعم الجماعات المسلحة المعارضة له، فيما ترفض الثانية رحيل الأسد باعتباره حليفاً استراتيجياً لها من جهة، ولاعتقادها بأنه لابدّ من الوقوف إلى جانبه في مواجهة الهجمة الإرهابية الشرسة التي تستهدف بلاده والمنطقة والعالم من جهة أخرى.

وبعيداً عن الملف السوري، هناك عوامل عديدة أخرى من شأنها أن تتحكم بطبيعة العلاقات الروسية – التركية، وتنقسم هذه العوامل إلى ثابتة “استراتيجية” ومتحركة “تكتيكية”، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:

العوامل المؤثرة في نظرة تركيا لروسيا

– تنظر تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلى روسيا على أنها تشكل تهديداً أساسياً لها بسبب التقاطعات في الرؤى والمصالح بين الناتو وموسكو في كثير من المجالات ومن بينها الجانب الأمني، لكن هذا لا يعني أن تركيا لا تريد التقرب من روسيا، بل على العكس فهي تسعى لتطبيع العلاقات معها تحسباً لأي تغيير أو تهديد قد تتعرض له من جانب الناتو.

– أدركت تركيا أن تداعيات أزمات الشرق الأوسط من شأنها أن تهدد أمنها وسلامة حدودها، خصوصاً فيما يتعلق بسعي أكراد سوريا لإقامة منطقة حكم ذاتي في شمال وشمال شرق البلاد، والذي قد يمهد السبيل لإقامة منطقة مماثلة في مدن جنوب وجنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وقلق أنقرة حيال هذه القضية دفعها أيضاً لتحسين علاقاتها مع موسكو لعلمها بتأثير الأخيرة في رسم مسارات الأزمة السورية.

– شعرت تركيا بمرور الوقت أنها أصبحت “كبش فداء” لمواقف الغرب إزاء الأزمة السورية، ما دعاها إلى استدارة ظهرها ولو بشكل مؤقت للمعسكر الغربي والتوجه نحو المحور الروسي – الإيراني لإيجاد تسوية سياسية لهذه الأزمة.

– شعرت تركيا بأن الجماعات المسلحة التي تعارض حكم الرئيس السوري والدول الغربية والإقليمية التي تدعمها لا تمتلك استراتيجية واضحة لتسوية الأزمة السورية، ما دعاها أيضاً إلى إعادة النظر في سياستها تجاه هذه الأطراف خصوصاً بعد أن أيقنت بأنه لا يمكن الاعتماد عليها في حسم هذه الأزمة، وهذا الأمر ساهم كذلك بتوجه تركيا نحو المحور الروسي – الإيراني الذي تتوجت جهوده في اجتماع “آستانة” بالتوصل إلى اتفاق سياسي لحل الأزمة بين المعارضة والحكومة السورية.

العوامل المؤثرة في نظرة روسيا لتركيا

– تحتاج روسيا لإقامة علاقات جيدة مع تركيا في شتى المجالات لاسيّما التجارية والطاقة والسياحة والترانزیت، والتفاهم معها كذلك إزاء مختلف الملفات الإقليمية والدولية.

– تخشى موسكو من التوجه القومي التركي وتشعر بالقلق الشديد إزاء إمكانية تغلغله داخل الأراضي الروسية.

– تخشى موسكو من التحالف القائم بين تركيا وأذربيجان وجورجيا وتشعر بالخطر الشديد من إمكانية تأثيره على الأمن والنفوذ الروسي في عموم المنطقة.

– ترى موسكو في عضوية أنقرة في “الناتو” تهديداً لأمنها كونها تتيح للغرب إمكانية استخدام الأراضي التركية لأغراض عسكرية، ولهذا تعتقد روسيا بأن ابتعاد تركيا عن الناتو سيصب بمصلحتها في نهاية المطاف.

– تسعى روسيا لتوظيف ظروف تركيا الجيوسياسية لتسوية أزمات الشرق الأوسط لاسيّما الأزمة السورية.

من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن الاستنتاج بأن روسيا تنظر إلى علاقاتها مع تركيا باعتبارها مزيجاً من الفرص والتهديدات التي ينبغي التعامل معها وفق متطلبات المرحلة دون المساس بالثوابت. بمعنى آخر يمكن وصف العلاقات الروسية – التركية على أنها قائمة على أسس تكتيكية وليست استراتيجية، ومن هذا المنطلق تحتفظ موسكو لنفسها على الدوام بمساحة تتيح لها المناورة والضغط على تركيا في آن واحد في حال دعت الحاجة إلى ذلك في شتى الميادين.

خلاصة القول تتأثر العلاقات التركية – الروسية بمجموعة من العوامل التكتيكية والاستراتيجية التي يمكن أن تنعكس سلباً أو إيجاباً على هذه العلاقات تبعاً للظروف الجيوبولوتيكية والجيوسياسية التي تحكم الجانبين، بالإضافة إلى المتغيرات الإقليمية والدولية التي تؤثر دون شكّ بشكل مباشر وغير مباشر على هذه العلاقات، ونتيجة لهذه العوامل والمتغيرات اتسمت علاقات الطرفين بالتأرجح بين التحالف تارة والخصومة تارة أخرى وفقاً للمصالح أو المخاوف التي تفرضها معطيات الواقع على صنّاع القرار في الجانبين، وهذا ما لمسناه بشكل جلي في مواقف الدولتين من الأزمة السورية طيلة السنوات الخمس الماضية.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق