عهد دونالد ترامب وانتهاجه سياسة الغموض: شراء وقت أم تخبُّط؟!
منذ أيام، أدى دونالد ترامب اليمين الدستورية ليصبح الرئيس الأمريكي الـ 45. مُدشناً بذلك عهداً جديداً عبر مواقف انتابها الغموض والتناقض في كيفية التعامل مع الكثير من الملفات الحساسة في الشرق الأوسط والعالم إلى جانب الملفات الداخلية الأمريكية. وهو الأمر الذي كان محط جدال المحللين السياسيين حتى اليوم. فماذا في النهج الغامض للرئيس الأمريكي الجديد مع بداية العهد الرئاسي؟ وهل يُعتبر ذلك شراءً للوقت أم تخبُّطاً جديداً بات سِمة السياسة الأمريكية؟!
مظاهر التناقض السياسي الأمريكي داخلياً!
من خلال مراسم التنصيب يمكن ملاحظة عدة مسائل تدُل على تناقضٍ ظاهر في السياسة الأمريكية الداخلية:
أولاً: كانت المراسم مناسبة جمعت الديمقراطيين والجمهوريين، حيث تواجدوا في ساحة واحدة على الرغم من أن مراسم التنصيب شهِدت أكبر مقاطعة من قِبَل الديمقراطيين، حيث قاطع 60 نائباً ديمقراطياً الحفل.
ثانياً: ارتفعت أصوات المتظاهرين المُحتجين في واشنطن على دخول ترامب إلى البيت الأبيض وتحولت هذه الاحتجاجات إلى مواجهات مع الشرطة، مما جعل الشارع الأمريكي أكثر انقساماً حيث أكدت استطلاعات الرأي أن الشعب الأمريكي عبَّر عن أكبر انقسامٍ بينه خلال العهد الجديد مع وصول دونالد ترامب أكثر من أي عهدٍ سابق.
ثالثاً: غابت عن خطاب القسم اللهجة التصعيدية المُعتادة من قِبل ترامب، حيث اكتفى بشعارات وجهها للداخل والخارج. في حين لم يكن خطابه بمُستوى الرئاسة والذي عادةً ما يتضمَّن رؤية تفصيلية ولو عامة، حول كيفية التعامل مع الملفات الخارجية لا سيّما الإرهاب والسياسة الدولية لأمريكا تجاه الأطراف، إلى جانب السياسة الداخلية المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والمعيشية منها.
ترامب الواضح أم الغامض؟!
عدة مسائل يمُكن طرحها في هذا الخصوص تتعلق بحجم التخبُّط والتناقض الحاصل في سلوك ترامب كرئيس والتي باتت مادة للإعلام الغربي:
أولاً: إن قيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتعهد بتوحيد الأميركيين في خطاب القسم، فهذا يعني أنه يُدرك جيّداً حجم المخاطر الداخلية الحالية وما هو مُرشَّح لأن يُصبح أكثرَ خطورة لاحقاً. وهو ما بات يُقر به ترامب رغم صفات الغرور والفوقية التي يتمتّع بها، مما يعني جدية الخطر الأمريكي داخلياً.
ثانياً: إن وجود حالة من النزاع بين دونالد ترامب والمخابرات الأمريكية أمر له العديد من الدلالات. خصوصاً بعد أن سرَّبت قناة “سي أن أن” حقيقة وجود ملف جنسي فضائحي عن ترامب في يد السلطات الروسية، وهو ما اعتبره البعض دليل على جعل ترامب رهينة لهذه السلطات. في حين ردَّ ترامب برفضه الإطلاعَ على التقارير اليومية السرّية للوكالة، معتبراً أنه لا يحتاج لذلك. كما لم يُخف ترامب هدفه إجراء تعيينات جديدة بشكل يناسبه مما جعل مسؤولين في الوكالة يُحذرون من أن وصول ترامب يعني نهاية وتدمير وكالة المخابرات الأمريكية.
ثالثاً: حالة الحرب الحاصلة بين ترامب ووسائل الإعلام، أشبه بالحرب المفتوحة. فقد وصلت الأمور منذ فترة إلى الحد الذي وصفت وسائل الإعلام الأمريكية والصحف، الحكومة أو الإدارة التي باشرت تولّي مهمّاتها بأنها عديمة الخبرة والإدارة الأسوأ في تاريخ البلاد. وهو الأمر الذي فجَّر حرباً بين الإعلام والبيت الأبيض لم تخرج إلى العلن حتى اليوم.
دلالات وإشارات
عدة دلالات وإشارات تتعلق بالعهد الجديد هي كالتالي:
أولاً: يجب الأخذ بعين الاعتبار مسألة خروج تظاهرات كبيرة حيث أن هذا الأمر لم يكن مألوفاً بهذا الشكل وبالتزامن مع احتفال تنصيب ترامب. فقد ذُكر أن تظاهرة واشنطن وحدها شهدت مشاركة نصف مليون أميركي، بعدما أشارت التوقعات إلى مشاركة نصف هذا العدد في أفضل الأحوال.
ثانياً: عدة إشارات جعلت الغرب وحلفاء أمريكا في حالة قلق. فالوجه المتشدّد هو الغالب على الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث أن إعلانه التمسُّك بشعار “أميركا أوّلاً” حمل الكثير من الرسائل والتي قد يكون منها تراجعه عن عددٍ من الوعود التي أطلقها خلال حملته الانتخابية. في حين أصر ترامب خلال كلامه على إعادة صياغة عدد من المواقف السياسية لأمريكا وعقدِ تحالفات جديدة لواشنطن!
ثالثاً: إشارة أخرى سَبقت حفل التنصيب تتعلق بطلبه من جميع السفراء الأميركيين الذين عيّنهم سَلفه بمغادرة مكاتبهم منتصف يوم تنصيبه، من دون إعطائهم أي فترةَ سماح. وهو ما يعني الفراغ في السياسة الأمريكية وحصول حالة من عدم الاتزان الدولي للسياسة الأمريكية لعدة أشهر.
كل الإشارات تدُل على الغموض في السياسة الأمريكية المستقبلية والتي لن تظهر معالمها قبل أشهر. غموضٌ يبعث لقلق الحلفاء، وترقُّب الخصوم والأعداء. لكن الواضح أن أمريكا باتت تقبع تحت ضغوطٍ زادها وصول دونالد ترامب. فعلى الرغم من أن السياسة الأمريكية تحكمها العديد من المؤسسات، إلا أن للرئيس الأهمية الكبرى على اعتبار أنه الواجهة. في حين لم يكن التخبُّط بعيداً عن أسباب هذا الغموض، والذي يدفع عادة أمريكا إلى شراء الوقت، من أجل وضوح الرؤية السياسية. كلُّ ذلك يدُل على أن زمن السطوة الأمريكي انتهى. ومن المتوقع أن يزيده ترامب تراجعاً.
المصدر / الوقت