شروط السلام التي يضعها نتانياهو تعجيزية وتجعل الدولة الفلسطينية معلقة في الهواء
الدكتور سعيد أبو علي .. دبلوماسي من نوع فريد تدرج في وظائف العمل العام للمناصب الرسمية على مدار 40 عاماً، وكانت آخر محطاته وزيراً لداخلية دولة فلسطين في حكومة الرئيس محمود عباس… له العديد من المواقف سجلتها محطات تواجده في العمل العام بالسلطة الفلسطينية سواء بما يتعلق بإسرائيل أو مع الفرقاء الفلسطينيين.. معروف عنه امتطاؤه لصهوة الكلمات والجمل، يوجهها بفطرته وقريحته نحو عقول وألباب المتلقين.. يعتبر الدكتور سعيد أبو علي الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية شاهد عيان على مرحله زمنية شهدت الكثير من الأحداث والتقلبات السياسية والأمنية والاقتصادية فأضافت إلى خزينه الفكري والسياسي الكثير، وأثرت مكتبته بالكثير من الشواهد والأحداث التي ستساعده في معرفة الفترة الزمنية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل عدو يستهتر بكل الأعراف والقوانين الدولية.
أبو علي المحارب السياسي من زمن (الزعيم ياسر عرفات) عاد لجامعة الدول العربية حاملاً معه إرث جميع من سبقوه من الفلسطينيين متطلعاً إلى انجازات للقضية الفلسطينية لا يمكن أن تتحقق في سماء الجامعة العربية على أرض الواقع إلا بمشرط جراح ماهر لان ما يعيشه العرب والفلسطينيون من حال مزرٍ يصعب على أي سياسي حاذق معه أن يداوى كل الجراح التي تنتشر في جسد الشعب العربي الفلسطيني والوطن العربي بأكمله.. وفي هذا السياق كان لنا هذا الحوار معه.
رباب سعيد بدر
• ما هي أبرز مواقف وتحركات جامعة الدول العربية إزاء التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة؟
– للإجابة عن هذا السؤال يجب أن ننطلق من منطلقين أساسيين الأول: أن القضية الفلسطينية كانت وسوف تبقى هي القضية المركزية الأولى رغم كل الظروف والأحوال التي تمر فيها الدول والمنطقة العربية.
أما المنطلق الثاني: إن جامعة الدول العربية هي إطار تلتقي فيه الإرادة والمواقف العربية المشتركة تجاه كل القضايا التي تهم الشأن والعلاقات العربية العامة وبالتالي هي محصلة الإرادات والجهود والنشاطات والفعاليات والمواقف والسياسات التي تنعكس جميعها في إطار الجامعة العربية بما يفرض على الأمانة العامة بقيادة الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يقوم بما هو من شأنه أن يترجم هذه الإرادة سواء باتصالاته أو بفعاليات وأنشطة وجهود الجامعة على كل الاتجاهات.
فيما يخص الموضوع الفلسطيني والتطورات الأخيرة، نجد أن للأمانة العامة بقيادة الأمين العام أنشطة ومواقف وسياسات تواكب من جهة التصعيد الإسرائيلي، ومن جهة أخرى تنفذ ما تم اتخاذه من قرارات وتوجهات عربية لمواجهة الاحتلال والتصعيد الإسرائيلي وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني لدعم وإسناد النضال الوطني الفلسطيني في المحافل الدولية كافة.. حيث انعكس النشاط والجهد العربي في نهاية العام الماضي لتطوير موقف في منظمة اليونسكو، خاصة تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، إزاء مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة التي تركزت في مشروع الاستيطان الإسرائيلي لتهويد القدس، وتركزت في المساس بحرمة المسجد الأقصى ومحاولة فرض واقع جديد من التقسيم الزماني والمكاني على حرم القدس، فكان في نطاق المواجهة العربية الإسلامية لهذه الانتهاكات والمخططات والإجراءات الإسرائيلية ضمن واحدة من قنوات المواجهة التي حدثت في اليونسكو باستصدار القرارات التي تؤكد على إن الحرم القدسي هو مكان مقدس إسلامي بحت، كذلك بنود القرارات الأخرى التي أكدت على عروبة القدس كونها مدينة محتلة، كان صدور هذا القرار ثمرة موقف فلسطيني عربي منسق ومنظم وصولاً لاستصداره لما له من القيمة الروحية السياسية، ومن ثم موقف قانوني للبناء عليه لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية.
في نطاق التصدي للاستيطان الإسرائيلي وما تم بذله من جهود مضنية في إطار اللجنة الوزارية المنبثقة عن قمة شرم الشيخ، والأمين العام لجامعة الدول العربية عضو في هذا الفريق العربي، قام على مدار أشهر، باتصالات مع الأطراف المعنية ومع أعضاء مجلس الأمن والدفع مع بقية الأعضاء باتجاه استصدار القرار 2334 من مجلس الأمن بتاريخ 23/12/2016 وبحسب التفويض والتكليف الممنوح من قمة شرم الشيخ إلى اللجنة الوزارية العربية على مدار أشهر وصولا إلى استصدار هذا القرار بما يمثل أيضا قيمة سياسية قانونية تمكن مرة أخرى من فتح مجال واسع للعمل السياسي والقانوني وصولاً إلى المساءلة القضائية بناءً على هذا القرار بآلية المتابعة التي تضمنها منطوق القرار من خلال تقديم تقرير، حول التزام حكومة الاحتلال بوقف النشاط الاستيطاني، إلى الأمين العام للأمم المتحدة كل ثلاثة أشهر لمتابعة تنفيذه وفق ما نص عليه القرار، وهناك جهد آخر، على سبيل المثال، جهود الأمانة العامة التي بدأها معالي الدكتور نبيل العربي وواصلها معالي السيد أحمد أبو الغيط في نطاق مؤتمر باريس ومخرجات هذا المؤتمر، فكان للأمانة العامة دور أساسي في صياغة الموقف العربي والجماعي في المؤتمر من خلال التأكيد والمتابعة الحثيثة لانعقاد المؤتمر بالتنسيق مع الحكومة الفرنسية وصولا إلى الوثيقة الأخيرة التي صدرت عن المؤتمر منتصف الشهر الجاري، وفي هذا السياق كان للجامعة العربية دور أساسي في تمثيل الموقف العربي الفلسطيني والتأثير في صيغة القرار أو المخرجات التي تم التفاوض بشأنها كمحصلة للتوازنات والمواقف الدولية.
وفي أجندة جامعة الدول العربية قضية أخرى لا تقل أهمية، وهى التصدي لمحاولات حكومة الاحتلال الإسرائيلي النفاذ إلى أجهزة الأمم المتحدة عبر ما تخطط له لاكتساب عضوية مجلس الأمن، هذه النقطة التي تمثل خطورة بتعارضها وتناقضها مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون والشرعية الدولية، وخاصة أنها (حكومة الاحتلال) لم تلتزم يوماً لا بالقانون الدولي ولا بالشرعية الدولية، بل هي تجعل من نفسها حالة فوق القانون الدولي، وتستهتر بقرارات الشرعية الدولية كما يحدث الآن في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تصعيد للهجمة الاستيطانية في تحدٍّ صارخ لقرارات مجلس الأمن والإرادة الدولية.
الأمين العام للجامعة والأمانة العامة تولي هذا الموضوع اهتمام خاص من حيث المتابعة واقتراح الخطوات والمبادرات للتصدي لهذه المحاولات الإسرائيلية وإفشالها، والجامعة هنا تعبر عن الإرادة العربية المشتركة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال والاستيطان.
في مؤتمر باريس تم التأكيد على أن الاستيطان يشكل تهديداً مباشراً لفرص حل الدولتين وهو الخيار الوحيد للمجتمع الدولي بأسره بما في ذلك الإدارة الأمريكية كجزء من المجتمع الدولي، وهناك الكثير من المهمات التفصيلية اليومية المستمرة التي تبذلها أجهزة الأمانة العامة في تأكيد ومركزية وأولوية القضية الفلسطينية والدفاع عنها بكافة هذه المحاور برغم ما نعرف من واقع عربي في العديد من الدول العربية التي تعاني جراء الإرهاب والفتن وتدخلات خارجية تعصف بكيانات هذه الدول مع الأسف. وبكلماتٍ أخرى شعوبنا تتطلع لدور أهم وأكثر فاعلية، وهذا حق ومسؤولية، ومع ذلك لا نستطيع تحميل الأمانة العامة، كجامعة عربية، أكبر مما تتحمل قدراتها وإمكاناتها ومسؤولياتها، وهي مرة أخرى مرآة تعكس الإرادة الجماعية للدول العربية.
• لماذا لا يقتنع العرب بيهودية إسرائيل؟ وهل هي العقبة الرئيسية أمام السلام وعدم جلوس الجانب الإسرائيلي في المفاوضات؟
– كيف يقتنع العرب بما هو مناقض لمنطق توليد القناعة، ولو أخضعنا هذا الأمر للنقاش السياسي يمكن القول ببساطة أن موضوع يهودية إسرائيل موضوع في منتهى الخطورة خاصة في هذه الظروف التي تتعالى فيها الدعوات الطائفية والدينية والحروب من هذا القبيل، أولاً فلسطين بمكوناتها التاريخية الحضارية الاجتماعية هي مهبط الديانات السماوية الثلاث ولا يمكن اختصارها على ديانة واحدة… نحن نعترف والعالم كله يعترف أن فلسطين أرض الرسالات السماوية الثلاث فتأكيد يهودية إسرائيل في الأراضي الفلسطينية هو إقصاء ونفي للديانات الأخرى، وهو ما يتعارض مع تكوين وجوهر المجتمع الفلسطيني وعلاقة فلسطين التاريخية بالأديان السماوية الثلاث.. إذاً هو اعتداء على الحق الإسلامي وعلى الحق المسيحي في فلسطين.. كيف يتم تجيير كل هذا العمق التاريخي والحضاري والروحي لصالح ديانة يهودية فيما القدس مثلاً تشكل جزءاً لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية وإنها حق خالص للمسلمين منذ العهدة العمرية التي نظمت الوجود المسيحي بالمدينة المقدسة إلى جانب الحق الوطني الراسخ للمسلمين والمسيحيين معاً كمواطنين عرب بفلسطين، أرضهم وأرض أجدادهم، منذ الكنعانيين.
أما من الناحية السياسية.. فإن مجرد وجود اليهود في مكان لا يعنى إسقاط الصبغة الدينية على ذلك المكان ليكون وطناً يهودياً خالصاً.. ولا يمكن أن تنشأ دولة ارتباطاً بطبيعة الانتماء الديني وإلا أصبحت كل دولة، حسب طبيعة الدين، مكرسة للدين وليس للشعب، ثم في نهاية المطاف الأسباب السياسية متعلقة بوجود الشعب الفلسطيني التاريخي.. وأصل فلسطين هم العرب الكنعانيون فكيف تتنازل الدول العربية عن حقها الطبيعي في فلسطين باعتباره شرط إضافي مسبق لتحقيق السلام… على ماذا نتفاوض إذاً؟ وإذا سلمنا بأن فلسطين هي إسرائيل وهي يهودية ما الحق العربي والإسلامي والفلسطيني في القدس؟ فهذا شرط إضافي جديد (مبدأ يهودية الدولة) يضعه نتنياهو في نطاق استمرار التهرب الإسرائيلي من عملية السلام واستحقاقاتها، وهو شرط إضافي مستحدث يضاف إلى سلسلة الاشتراطات الإسرائيلية التي لا تجمد فقط عملية السلام، بل تقتلها. هناك اعتراف بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا اتفاق تعاقدي بين الجانبين، عندما يتم تنفيذ هذه الاتفاقات، هذه مسألة تخص إسرائيل أن تسمي نفسها كما تشاء، ولا يعني ذلك بفرضه على الآخرين كشرطٍ مسبق، هذا شأنها، إسرائيل لا يمكن أن تفرض على الآخرين أسماً معيناً، من بين الشروط التعجيزية التي تضعها حكومة الاحتلال لاستئناف المفاوضات هذه المسألة.. بتاريخ 24/1/2017 كان هناك تصريح لنتنياهو يقول إن شروط السلام والعودة إلى المفاوضات أمرين.. أولاً يهودية إسرائيل.. وثانياً سيطرة إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.. إذا
على ماذا تتفاوض؟ الدولة الفلسطينية معلقة في الهواء.. نحن نقول استئناف المفاوضات ممكن، ولهذا رحب الرئيس الفلسطيني بلقاء نتنياهو بناءً على مبادرة الرئيس السيسي، عندما طرح إمكانية اللقاء رحب الرئيس الفلسطيني بلقاء نتنياهو، وبناءً على مبادرة الرئيس الروسي بوتين رحب الرئيس أبو مازن، وبناءً على مبادرة الرئيس الفرنسي أولاند كان هناك ترحيب فلسطيني في مؤتمر باريس، في كل دعوة دولية إقليمية تتعلق باستئناف التفاوض الجانب الفلسطيني يعبر عن استعداده وجاهزيته، والذي يتهرب من استئناف المفاوضات ومن جوهر استحقاقات التفاوض هو الجانب الإسرائيلي باشتراطاته المسبقة وبالنتائج أو الأهداف المبهمة، أن التفاوض يجب أن يقترن بالتزامات مؤكدة لاستئنافه، الذي يتفاوض يفاوض من أجل إنهاء الاحتلال، إذاً على ماذا نتفاوض؟ من اجل تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال؟ مع استمرار عمليات القتل والاعتقال والملاحقة والحواجز وخاصة تدنيس الحرمات والمقدسات وتسارع الاستيطان في الكيفية التي يحدث فيها في السنوات الأخيرة، التي زادت عن 50% عما كانت عليه،
هل تعلمي إن ما تم الإعلان عنه من موافقات رسمية لإقامة وحدات استيطانية في بداية هذا العام يوازي ما تم عمله في عام 2016، خلال 27 ساعة فقط، إذاً نتحدث عن احتلال ونتفاوض من اجل إنهاء هذا الاحتلال وليس في التأمل بحالة تعمق الاحتلال ومصادرة الأراضي، على الأقل تجميد الاستيطان ما دامت هناك مفاوضات، ثم أن عملية التفاوض لها من توقيع أوسلو إلى اليوم ربع قرن، هل الهدف هو استمرار التفاوض من دون أن يؤدي ذلك التفاوض إلى تحقيق الهدف الحقيقي لهذه المفاوضات؟ أو أن نلامس الهدف الحقيقي للمفاوضات وهو إنهاء الاحتلال وتمكين الدولة الفلسطينية من السيادة والاستقلال؟
• ما هو المخرج الجوهري لعملية التفاوض في رأي الشرعية الدولية والمجتمع الدولي؟
-هو الوصول لحل الدولتين كحقيقة وكأمر واقع.. وهذا يقتضى وقف الاستيطان وتفكيك الاحتلال بناءً على أسس ومرجعيات حددتها الشرعية الدولية واختارها وأقرها المجتمع الدولي، نحن لا نطلب شيئاً لا نتفق فيه مع كل دول العالم سواء بمرجعيات هذه العملية أو مخرجاتها الأساسية، وفي هذا السياق يأتي تأكيد الإرادة العربية، ما يعرفه العالم بأسره، هي مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002، حيث أن هذه المبادرة ملخصة باختصار بانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وصولاً لإقامة دولة فلسطينية والاعتراف، في مقابل ذلك، بإسرائيل وتطوير العلاقات معها، ماذا تريد إسرائيل أكثر من هذه التطمينات والضمانات؟ المشكلة إذاً هي عند الاحتلال الإسرائيلي الذي يبذل كل جهوده لفرض أمر واقع جديد لسياساته واختياراته ومن أجل الهروب من أي التزامات واستحقاقات لعملية السلام، أما يهودية الدولة، التي لا تنفي الحق العربي والفلسطيني، وحقوق المسلمين والمسيحيين في العالم فحسب، وإنما تهدد أيضاً وجود 2 مليون عربي فلسطيني مقيمين داخل الخط الأخضر ويعانون، كما تسمعين وتتابعين في الأخبار، ملاحقة قوات الاحتلال وتدمير القرى الفلسطينية، كما حصل في العراقيب التي دمرت أكثر من مائة مرة، ولكن الموقف العربي متمسك بحقوقه والدفاع عن هذه الحقوق والحريات واستمرار الصمود وتعزيز النضال وفق الإمكانات المتاحة، وبرغم كل الضغوط والتحديات التي تعصف بالوطن العربي مازالت قضية فلسطين قضية كل مواطن عربي وليس فقط كل بلد وكل الحكومات، وإنما كل مواطن، بل هي جزء من اهتماماته، كما هو خبزه ومعاشه اليومي.
• هل الأحداث الجارية في المنطقة العربية أفقدت العرب اهتمامهم بالقضية الأم؟
-الأحداث الجارية على جسامتها، وهي بمنتهى الخطورة، إذ إن وضع العالم العربي مؤلم يدمي القلب في صعوبته ومرارته وطبيعة التحديات التي يواجهها العالم العربي سواء الداخلية أو الخارجية، الإرهاب والفتن، الاستهداف الخارجي الذي يغذي هذه الحالة باستمرار، والتي باتت تؤثر على أجيال الأمة ومستقبلها.. حجم هائل من التضحيات البشرية والمادية خلال السنوات الخمس الماضية، هذا الواقع الذي ألمّ بنا كعرب بالتأكيد أدخل أثره في إعادة ترتيب الأولويات والانشغالات التي فرضت بالحروب الدموية الشرسة مع الإرهاب الذي يتاجر بأسمى قيمنا وبهويتنا كعرب، وهو الإسلام، بالإضافة إلى مقدراتنا ومقدرات أجيالنا وما تم بناؤه والتضحية من اجل بنائه بعد عقود طويلة من الخلاص من الاستعمار.. أصبح في مهب الريح، المواطن العربي يدفع الثمن، وكذلك القطر العربي يدفع أثمان.. برغم هذا لم تكن فلسطين غائبة عن ذهنه، وكان الإحساس مضاعف بمعاناة الشعب الفلسطيني، وكان في إدراكه أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في الإطار القومي، ربما يختلف العرب على كثير من القضايا، ولكن لا يختلفون على فلسطين، فلسطين تشكل الإطار الجامع لهذه الأمة والقضية الفلسطينية ليست معتقد فكري عربي أو اختيار سياسي فقط، القضية الفلسطينية باتت جزء من مكونات واهتمامات المواطن العربي، بل كل بيت عربي، وإن انشغل ذلك المواطن العربي بحكم الانشغال الاضطراري لمواجهة واقع معين، هذا الواقع جعل من الاستفراد الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية يأخذ هذا الشكل من الشراسة والتسريع لفرض أمر واقع إسرائيلي، ولكن نحن دائما نراهن على صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة الهجمة الإسرائيلية، بأن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال وسوف تبقى الأولوية بإجماع عربي دولاً وشعوباً، هي الإطار الجامع الذي يوحد المواقف والسياسات العربية، والدعم العربي مستمر مع كل ما يعتري واقعنا من ضعف، وأنا واثق أن الجرح العربي واحد، وان الشعب المصري يعيش آلام وأحزان الشعب السوري والعراقي والليبي، والعكس صحيح، وجراحنا المتعددة جرح واحد وفلسطين هي الجرح النازف الأكبر والتي لم تغب عن هذا الوعي العربي وهذا ما نلمسه في جامعة الدول العربية.
• ما هو الموقف الذي ستتخذه جامعة الدول العربية لو قررت الولايات المتحدة الأمريكية نقل سفارتها إلى القدس؟
– نقل السفارة إلى القدس يشكل تحدياً كبيراً وهو اعتداء صريح ومباشر على حقوق الشعب الفلسطيني، للحق التاريخي، وكون فلسطين مقدسة ومحط الديانات السماوية الثلاث.. هناك حقوق راسخة وثابتة، الحق الإسلامي لا ينازعه حق في فلسطين وتحديدا في مدينة القدس باعتبارها مدينة فلسطينية عربية إسلامية، ونقل السفارة الأمريكية إليها اعتداء على حق الشعب الفلسطيني وانتهاك لقوانين الشرعية الدولية التي أقرت بأن القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلة منذ عام 1967، وان المجموعة الدولية وقرارات الشرعية الدولية ترفض أي تغيير في المدينة المحتلة، كجزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، وتدين كل الإجراءات والسياسات الإسرائيلية التي تستهدف المساس بالحقوق الفلسطينية الثابتة بالمقدسات، وكل قرارات الشرعية الدولية ترفض مشاريع الاستيطان والتهويد المعلن التي تمارسها إسرائيل بإضافة إلى كونها انتهاك واعتداء على الحق العربي الفلسطيني والحق الإسلامي، فهي انتهاك للقانون الدولي وللشرعية الدولية، وهى استباق من الإدارة الأمريكية يتناقض مع مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى تاريخه، وبالتالي هي مسؤولية أمريكية مباشرة بما سيترك هذا القرار من أثر وتداعيات بالمفهوم القانوني، أولاً على قرار مجلس الأمن وهى عضو دائم تنتهك بصورة جسيمة قرارات المجلس وتضرب بها عرض الحائط بما يمثل ذلك من عدوان يقتضى مجابهته مع إعادة النظر في طبيعة العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة وكافة الدول العربية والإسلامية وكافة المجموعة الدولية بموجب قرارات دولية وقرارات عربية اتخذتها قمة عمان عام 1980 لمواجهة أي إجراء من هذا القبيل، فهو إجراء محفوف بالمخاطر الشديدة.. سيترك آثاراً بمنتهى الصعوبة، ولسنا بحاجة لعوامل صراع جديدة، لذلك نأمل أن تعيد الولايات المتحدة الأمريكية النظر والتفكير مرة أخرى لمخاطر وتبعات هذا القرار، وعلينا كعرب متابعة هذه المسألة الخطيرة بكل أبعادها ومتابعة بذل الجهود اللازمة لوقف تنفيذها والبناء على القرارات المتخذة على هذا الصعيد تطبيقاً ومتابعةً بكل المستويات.