إنعكاساً للأزمة بين الداعمين الإقليميين: كيف أصبح التشرذم سمة الوفد السوري المعارض؟
لأنها لم تكن يوماً أهلاً للدفاع عن سوريا، ولأنها لم تحمل يوماً همَّ سوريا السياسي، تدفع الجهات التي تدعي انطواءها تحت عنوان المعارضة، ثمن الخلافات بين داعميها الإقليميين(السعودية، تركيا وقطر). وهو ما بات سمة الوفد المعارض الذي لم يستطع التوحد لا في المظهر أو المضمون. فيوماً بعد يوم تتزايد الخلافات بين الأطراف الإقليميين، مع ارتفاع منسوب التعقيد في الأزمة السورية، وتزايد التحديات الداخلية التي تخص كل طرف. فماذا في إعلان المعارضة فشلها في تشكيل وفد موحد يُمثلها؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
رغم فشل المحاولات السابقة: اجتماعات في الرياض ضمن مساعي للوصول لوفد موحَّد!
أعلن أمس مصدر ناطق بإسم ما يُسمى بالمعارضة السورية، أنها ستسعى لتشكيل وفدها المفاوض خلال اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض. على أن تقوم اليوم السبت بتسليم أسماء الوفد إلى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي سيقوم بدوره بتوجيه الدعوات يوم 13 أو 14 من الشهر الجاري بحسب ما أكد المصدر. وتضم الإجتماعات أعضاء الهيئة بالإضافة إلى ممثلين عن وفد الفصائل العسكرية برئاسة محمد علوش، ورئيس الإئتلاف الوطني السوري أنس العبدة. من جهته أشار رئيس وفد الفصائل العسكرية أن الإجتماعات في الرياض هي لبحث نتائج مؤتمر آستانة ووضع أولويات للمرحلة القادمة في العمل، وبحث دعوة مفاوضات مؤتمر جنيف.
المعارضة السورية: اعترافٌ بوجود خلافاتٍ بنيوية
مصدر المعارضة الذي أعلن وجود مساعي لصيغة مشتركة، لفت إلى أن الخلافات ما تزال قائمة بين المكونات الثلاثة (الهيئة العليا للمفاوضات – الفصائل العسكرية – الإئتلاف الوطني السوري) على تشكيل وفد موحَّد للمفاوضات. وتكمن الخلافات حول:
أولاً: يسعى الوفد العسكري للحصول على ثمانية مقاعد إضافة الى اعتباره أن من حقه تسمية رئيس الوفد.
ثانياً: يرى الإئتلاف الوطني أنه يجب أن يكون التقسيم بالتساوي بين المكونات الثلاثة، مع الحصول على مقعد رئيس الوفد أو كبير المفاوضين.
ثالثاً: يوجد خلاف أساسي بين المكونات السياسية (الائتلاف والهيئة العليا) والمكون العسكري(الفصائل العسكرية)، يتعلق بإعتبار المكونات السياسية أنه من الضروي إدخال أعضاء تقنيين في الوفد، وذلك لأن المفاوضات القادمة ستُناقش مواضيع دقيقة تتعلق بالإنتخابات والدستور والممارسة السلطة.
ماذا في الدلالات والتحليل؟
عدة دلالات يمكن الخروج بها كالتالي:
أولاً: إن الأطراف الثلاثة تُعبِّر في خلافاتها عن أزمة بين الدول تركيا وقطر والسعودية. وهو الأمر الذي يعكس واقع العلاقة الحالية بين هذه الأطراف التي فشلت في تحقيق أيٍ من رهاناتها في سوريا. خصوصاً أن الواقع اليوم، جعل هذه الأطراف في موقع ردة الفعل والرضوخ للنتائج.
ثانياً: إن الخلاف بين الحاضنات الإقليمية، أو الأطراف الإقليمية الداعمة للجهات المعارضة، يؤكد أن هذه الدول لم تنجح في إيجاد أي قاسم مشترك بينها على الصعيد السياسي، خصوصاً أن معادلات الميدان السوري والإقليمي تغيِّرت. مما يعني وجود تضارب مصالح واضح بينها، يُنهي مرحلة التنسيق التي كانت قائمة قبل التبدُّل في موازين القوى السياسية.
ثالثاً: تدفع هذه الدول، ثمن مراهنتها على إبقاء الخيار العسكري، خيارها الأول، ورهانها على النجاح في تقسيم سوريا وتدميرها. حيث لم تُثبت هذه الدول، ولو مرة واحدة، جديتها في المساعي السياسية، أو صدق نيتها في العمل من أجل بناء أو إعادة حقوق الشعب السوري كما تدعي.
رابعاً: طبيعة الخلافات تدل على تراجع التوجه العسكري، حيث تسعى المكونات السياسية (الائتلاف والهيئة العليا)، الى فرض أعضاء سياسيين وقانونيين، بهدف مناقشة التحديات السياسية. وهو ما يعني نجاح الأطراف (روسيا وإيران) في فرض الخيار السياسي على حساب الخيار العسكري، الأمر الذي بات محطَّ اهتمام وحيد لدى الباحثين عن دور سياسي في سوريا، تحت عنوان المعارضة.
إذن ليس جديداً ما يجري اليوم. بل هو إستكمالٌ لمسارٍ من النتائج الطبيعية التي تدفعها الأطراف مقابل خياراتها. نتيجةٌ لا تليق بمستوى طموحات الشعب السوري المُضحي. وعلى كل حال، فهي تعكس حقيقة التشرذم والخلاف بين الأطراف الإقليميين الذين باتوا أمام واقعٍ تتشابك فيه المصالح وتتعارض فيما بينهم. ففي وقتٍ قد تكون قطر أقرب الى تركيا من السعودية، فإن التوتر القطري السعودي ما يزال قائماً. في حين أن توجهات تركيا البراغماتية وتحوُّلها نحو روسيا، وتَّرت العلاقة بين الطرفين التركي والقطري. لنقول أنه لم يعد لما يُسمى بأطراف المعارضة السورية، أي جوهرٍ يجمعهم، بل لم يعد هناك حتى أي مظهرٍ موحَّد.
المصدر / الوقت