التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

14 شباط 2011: يوم سطَّر الشعب البحريني نموذج النضال العربي المُشرِّف 

منذ عام 1971 وحتى العام 2011، أربعون عاماً فصلت بين تاريخ قيام دولةٍ نظامها ظالم، وتاريخ بداية أكبر حركةٍ إحتجاجية في البحرين. تاريخٌ سطَّر فيه الشعب البحريني بداية التحوُّل الثوري المُسالم خدمةً لقضيتهم المُحقة. يومها، في 14 شباط 2011، تفجَّرت في البحرين احتجاجاتٌ سلمية، باتت اليوم نموذجاً لأي ثورةٍ أو حراك عربي. فهي تزامنت في وقتٍ كان فيه ما سُمي بالربيع العربي، والذي تبيَّن فيما بعد أنها مشروعٌ أمريكي يُهدد المنطقة عبر ثوراتٍ مشبوهة. لكن ثورة البحرين، جاءت حينها لتنفرد بنموذجها النضالي وأحقيتها الشعبية ومشروعيتها السياسية. فكيف يمكن الربط بين الثورة وتأسيس دولة البحرين؟ وما هو مصير كلٍ من ظلم النظام وثورة الشعب بعد سنواتٍ من عمر الحراك الشعبي السلمي؟ وكيف بات هذا الحراك نموذجاً للنضال العربي الحقيقي؟

منذ التأسيس حتى الثورة: بعضٌ من حقائق التاريخ

من خلال مراجعة تأسيس الدولة البحرينية عام 1971 وكيفية ممارستها الحكم نجد التالي:

أولاً: على الصعيد البنيوي، فإن الأساس الذي بُني عليه النظام البحريني هو “فعل السيطرة والإستبداد”. الأمر الذي يبدو واضحاً من خلال ملاحظة الفجوة الكبيرة بين الحاكم والمحكوم مع الأخذ بعين الإعتبار أن بريطانيا بادلت الحكم مع النظام البحريني وهو ما يُثبته التاريخ.

ثانياً: على الصعيد العملياتي، فإن النظام وخلال حقبات حكمه المتتالية، عمِل على اختراق المؤسّسات ذات الطابع المدني، وإبعادها عن أي طبيعة استقلالية. أي منع قيام أي كيان خاص، وتحديداً للمؤسسات الدينية والسياسية والحقوقية والإعلامية. وذلك خدمة للمبدأ البنيوي الأول.

ثالثاً: الربط بين المبدأ البنيوي والسياسة التنفيذية للنظام، يجعلنا نُحدد الأسلوب الحاكم والذي ساهم في إيجاد دولة يحكمها قلة، بعيدة عن هموم المواطن البحريني والذي لم يستطع التعبير أو ممارسة أي حقوقه.

كل هذه السياسات التي مارسها النظام البحريني شكَّلت أسباباً لثورة اندلعت بعد أربعين عاماً من إعلان استقلال دولة البحرين وتحديداً في 14 شباط 2011م. وهدفت الى:

أولاً: المطالبة بالإصلاحات السياسية والحقوقية والتي تُعتبر من أدنى الحقوق المدنية المشروعة لأي مواطن.

ثانياً: إعادة الإعتبار السياسي والإجتماعي للمواطن البحريني عبر إعطائه حقوقه الطبيعية والتي تتخطى الهدف الأول المدني فقط، الى حقه في المساهمة في أي تحوُّل أو تغيير.

هذه المطالب، بالإضافة الى التاريخ الظالم للنظام، خلقت وضعاً فريداً لقي تأييداً شعبياً في ظل قيادةٍ حكيمة له. مما جعل الأحداث تتسارع والثورة الشعبية تتكامل وتتحول الى قضية محلية وإقليمية ودولية وصولاً الى جعلها اليوم نموذج للحراك والنضال العربي السلمي.

بعد 6 سنوات: هل توقف الظلم؟

بإختصار لم يتوقف ظلم النظام الحاكم في البحرين بعد سنواتٍ من النضال الشعبي. فقد شهد البحرين أحداثاً مريرة كانت أسوأ من ممارسات الأنظمة الإستعمارية البريطانية والفرنسية التي حكمت دول الشرق المتوسط. حيث مارس النظام هدم المساجد، تدنيس القرآن الكريم، اعتقال وسجن النساء، استقدام مرتزقة وقوات من الخارج، اعدام المدنيين رمياً بالرصاص في الشوارع، ممارسة التصفيات الجسدية والتعذيب بالإضافة الى الإغتيال المعنوي وكذلك القيام بإسقاط الجنسيات عن المعارضين.

وهو الأمر الذي جعل الأوضاع السياسية تزداد سوءاً والفجوة بين النظام ومعارضيه ترتفع. فيما أصبح الوضع الإنساني مُزرياً لا سيما أمام القتل العمد والتعذيب العنيف وقمع الحريات كافة حتى الإعلامية وإبقاء الرموز الدينية والسياسية في السجون.

بعد سنوات من النظال: أين هي الثورة؟

على الرغم من استمرار الظلم، لكن الثورة هي التي كانت أقوى. حيث أن الحراك الشعبي وبالرغم من الظلم ساهم في:

أولاً: أنتجت الأوضاع ردة فعل غير مسبوقة في العالم العربي والإسلامي تجاه ظلم الأنظمة. حيث تشكَّلت العديد من الروابط والجمعيات خارج البحرين بالإضافة الى الأطر التنظيمية الخاصة بالمعارضة. الأمر الذي أسقط قدرة النظام على القمع وجعله في موقع المُدان إقليمياً ودولياً.

ثانياً: استمرت الإحتجاجات تحت راية الحراك السّياسي والحقوقي السّلمي الذي قادته النخب الدينية والسياسية والحقوقية. الأمر الذي أعاد للبحرينيين ربط حاضرهم بتاريخهم النضالي منذ الإحتلال البريطاني حتى الوجه الآخر لهذا الإحتلال المتمثل بالنظام الحالي.

كيف أصبحت ثورة البحرين السلمية نموذجاً للنضال العربي الحقيقي؟

إن إنجازات الشعب البحريني من خلال ثورته كثيرة. لكننا سنُسلط الضوء على عدة دروس يمكن استلهامها لتكون نموذجاً لأي ثورة حقيقية ونضال حقيقي عربي. وهو ما سنُشير له في التالي:

أولاً: استطاع الشعب البحريني الإبقاء على فعالية وسلمية ثورته وبشكل تصاعدي، دون الإفساح في المجال لأي تدخل إقليمي أو دولي يمكن أن يتحول الى واقع من الفتنة. وهو ما يُعتبر إنجازاً لجهة قدرات الشعب المتواضعة وتحدياته الكبيرة.

ثانياً: تمكَّن الشعب البحريني من دفع النظام الظالم لفخ إبراز وجهه الحقيقي. فممارسات النظام الجاهلة ساهمت في ردة فعل طبيعية من قِبل الشعب. حيث أن قيام النظام بالإعتداء على الرموز الدينية والحقوقية والإعلامية ساهم في دفع الشباب الى كسر الحاجز بين الشعب والنظام وبالتالي إسقاط شرعيته نظرياً وعملياً.

ثالثاً: النجاح في إفشال مخطط الفتنة. حيث استطاعت القيادة الحكيمة للثورة البحرينية، إبعادها عن دائرة الخطر الفتنوي. وهو ما يُعتبر انجازاً خصوصاً أمام تضحيات الشعب البحريني الكبيرة، وممارسات النظام الجائرة. وهو ما أثبت حكمة القيادات الدينية والسياسية وقدرتها على ضبط القاعدة الشعبية، أمام جهل النظام والدول الداعمة له. الأمر الذي ساهم في إحباط مُخطط النظام في تحويل الحراك السلمي الى حربٍ أهلية.

رابعاً: الكشف عن المؤامرة الدولية والإقليمية تجاه شعوب المنطقة. حيث أن قضية البحرين وعملية دخول قوات عسكرية أجنبية إليه للضغط على الشعب البحريني لم تكن بعيدة عن المؤامرة الدولية البريطاينة – الأمريكية والإقليمية السعودية – الإسرائيلية، ضد شعوب المنطقة كافة.

خامساً: النجاح في كسب تأييد الرأي العام العربي والإسلامي والدولي أمام مظلومية الشعب البحريني. حيث باتت قضية الشعب البحريني محطَّ اهتمام إقليمي ودولي، من قِبل المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان. والتي على الرغم من غياب أثرها المباشر في رفع المظلومية عن الشعب البحريني إلا أنها ساهمت في جعل قضية مظلومية الشعب البحريني، قضية إنسانية سببها النظام الحاكم.

إذن، استطاع الشعب البحريني نقل قضيته من إطارها المحلي الى الإطار الإقليمي والدولي. بل تمكن الشعب البحريني من نزع الشرعية عن نظام البحرين الحاكم بإستبداده، عبر إظهار ذلك للعالم بأسره. وهو ما اختصره البحرينيون بسنواتٍ من النضال السلمي والتي بدأت عام 2011، استطاعوا خلالها إدارة التحدياتٍ بصبرٍ ينُمُّ عن قوة وحكمةٍ تدلُّ على القدرة. لنقول أن ذكرى 14 شباط 2011، دخلت التاريخ كيومٍ سطَّر فيه الشعب البحريني نموذجاً في النضال العربي المُشرَّف.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق