التعادل الاستراتيجي: بين الأمونيا وديمونا
الوقت- وسط حالة من الترقّب السياسي والعسكري، وبعد أن تنفّس الصعداء في اليمين الإسرائيلي إثر لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أفرغ السيد نصر الله في خطابه الأخير بعضاً مما في جعبته مخلّفاً أصداء مرعبة واهتمام إسرائيلي بالغ في المعادلة الجديدة.
كلام السيد نصرالله نزل ناراً وشنّاراً على الكيان الإسرائيلي الذي غرق في تحليل خطاب “السيّد” في ذكرى القادة الشهداء، ليرتفع منسوب الحديث عن حرب مرتقبة، وهو الأمر الذي لم ينفه السيد نصرالله، ولم يؤكّده، إلاّ أن دخوله على خط الحرب النفسيّة المتعلّقة بـ”الأمونيا”، وإعطائها جرعة إضافيّة تتعلّق بديمونا هدف بشكل أو بآخر لدرء خطر الحرب الوارد في أي لحظة لدى حزب الله.
الحرب ومعادلة الردع
ورغم أنّه لا يمكن لأحد الجزم بتوقيت أي حرب مرتقبة باعتبار أن قرار الحرب والسلم في مكان آخر، لا يمكن لأحد أن ينفيها بل هي واقع مؤكد يحتكم للظروف التي تتأثر بقدارت الطرفين. يعلّق أحدهم على ذلك بالقول: “إنها كيوم القيامة، أمر حتمي مفروغ منه، إلا أن توقيته غير معلوم”.
وأما عند الدخول في مقاربة المحللين والمتخصصين لإمكانية الحرب بين الجانبين، وأسباب تأخرها، لا بد من الإشارة إلى المعادلات الاستراتيجية التي كرّسها السيد نصرالله من حرب تموز عام 2006، بدءاً من بيروت مقابل تل أبيب، مروراً بالضاحية مقابل الأخيرة ومعادلة الجليل، وصولاً إلى الأمونيا وما بعد الأمونيا في ديمونا النوويّة.
كل هذه المعادلات هدفت لإبعاد خطر الحرب إلى أقصى فترة ممكنة، وبالتالي عند وصول مرحلة التهديد إلى مواقع استراتيجية كأهداف ترتبط بالمواجهة الشاملة، فإن كان في نفسه مؤشراً لإبعاد خطر الحرب، إلا أنّه في الوقت عينه يعد مرحلة نهائيّة للتهديد، وبالتالي معادلة ما قبل العاصفة، تلك العاصفة التي تحتكم للتعادل الاستراتيجي القائم بين الطرفين.
الهدوء النسبي قبل العاصفة، قد يطول أيّام، وربّما شهور أو سنين، أو حتّى عقود، فالقرار في يدي أصحابه، لا أحد غيرهم، إلا أن المعادلة الأخيرة للسيد نصرالله، ستدفع بأصحاب القرار الإسرائيلي، وتحديداً اليمين المتطرّف، إلى التروّي قبل أي ضربة عسكري، خاصّة أن الإذن الأمريكي غير كافٍ لذلك، لأسباب تتعلّق بالجبهة الداخلية الضعيفة. قد يتساءل البعض عن أسباب الضعف للجبهة الداخلية في ظل دراسة نقاط الضعف بعد تموز 2006 وغزّة 2014، وسلسلة المناورات الداخلية الموسومة بـ”نقطة تحوّل 1 إلى 5″، إلا أن التدقيق في تفاصيل المشهد الداخلي يعزّز فرضيّة الضعف، لاسيّما مع الأخذ بعين الاعتبار الانقسام السياسي القائم بين اليسار واليمين، ومطالبة شريحة واسعة بتقديم نتنياهو لاستقالته.
عوداً على بدء، يعدّ خطاب السيد نصرالله، الذي ذكّر فيه الجيش الإسرائيلي بحيّ الشجاعيّة في غزّة، فصلاً جديداً في فصول الحرب النفسية التي سارع المسؤولون الإسرائيليون للردّ عليها عبر طريقتهم، وهنا تجدر الإشارة إلى الآتي:
أوّلاً: رغم محاولة البعض سوق أيّ تفصيل صغير للترويج للحرب، إلا أن تناول السيد نصرالله للتهديدات الإسرائيلية من بوابة “الردع” بين الأمونيا وديمونا ساهم في إبعاد الحرب المقبلة. يوضح معلق الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل، أنّ حجم الأثمان المقدّر أنْ يتكبّدها الطرفان، في حال اندلعت المواجهة الشاملة بينهما، يحمل في طياته “جانباً إيجابياً”، أي إنه واقع يكمن فيه “تعادل استراتيجي”، مبني على إدراك كل طرف للأضرار المحتلمة التي قد يسبّبها له الطرف الثاني، وهو واقع يساهم في إبعاد الحرب المقبلة. ويضيف: هذا “التعادل الاستراتيجي” يُبعد “غريزة المغامرة” لدى سياسييها (اسرائيل)، ويُبقي فرضية الحرب ضد حزب الله خياراً أخيراً وحسب.
ثانياً: الضجّة الإسرائيلية لم تكن لتحصل لولا إدراكهم المسبق على صدق السيد نصر الله في تهديداته، وبالتالي إن ما تبقى لهيبة إسرائيلية عسكرية في المنطقة يستحوذ مفاعل ديمونا وما يحويه على قسمها الأكبر. “إسرائيل” التي أُجبرت على نقل خزانات الأمونيا من حيفا إلى الجنوب، قد تكون مضّطرة على نقل مفاعيل ديمونا من الجنوب إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلّة، فالسلاح النووي الذي لطالما شكّل قوّة الردع الإسرائيلية، بات اليوم قوّة ردع ضدّها. فقد عنونت التقارير الإسرائيلية تهديدات السيد نصرالله بتحويل التهديد إلى فرصة بالقول “سيحول النووي الإسرائيلي إلى تهديد لإسرائيل نفسها”.
ثالثاً: رغم أن ديمونا كانت سابقاً وبشكل غير مباشر في معادلة الردع التي تطال كل الأراضي المحتلة من كريات شمونه إلى إيلات، إلاّ أن تأكيد السيد نصرالله على ان “نقل الأمونيا لن يفيد أيضا حيث نطاله اينما وجد”، وإضافة جرعة أكبر تتعلّق بديمونا الذي سيكون استهدافها بمثابة كارثة نووية واسعة للعدو، رسّخ وجود معادلات حاضرة ومفاجآت تغير مسار المعركة.
رابعاً: يأتي الكلام الأخير بعد فشل الوكيل التكفيري، وبالتزامن مع الحديث عن حضور “الأصيل” الإسرائيلي، وبالتالي لا بد منّ الردّ. البعض، عربياً وإسرائيلياً، حاول أن يصوّر كلام من ناحيته الهجوميّة دون الإشارة إلى أن السيد نصرالله كان واضحاً أنه لن يضرب البنى التحتية الإسرائيلية إلا كرد فعل وليس فعلا. صحيح، أن كلام حزب الله حول السيطرة على الجليل وغيرها من معادلات الرعب تعد هجوميّة في الشكل، إلا أن لن تحصل إلا في حال الاعتداء الإسرائيلي على لبنان.
في الخلاصة، إن معادلة الردع الجديدة ستغير موازين الحسابات الإسرائيلية، فهل ستصبح “إسرائيل” دولة غير نووية؟ وهل تهديدات السيد نصرالله هي وجه آخر، أو بالأحرى مقدّمة للوعد الذي أطلقه قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي حول عدم بقاء الكيان الإسرائيلي خلال الـ25 عام القادمة؟
المصدر / الوقت