مؤتمري ميونيخ وطهران في ميزان الربح والخسارة
لم يكن مستغرباً الهجوم الثلاثي الإسرائيلي السعودي التركي على إيران في مؤتمر ميونيخ. ورغم كثرة الخلافات بين الدول المشاركة، إلا أن وزير الخارجية الإسرائيلية أفيغدرو ليبرمان حاول توجيه بوصلة المؤتمر نحو إيران.
لسنا في وارد الدخول في تفاصيل الهجوم الثلاثي المشترك على إيران، خاصّة أن ملامحه قد لاحت منذ فترة ليست ببعيدة، إلا أن التوقيت والمكان يؤكّد تربع طهران على سُلّم الأولويات الإسرائيلية السعودية بدرجة أولى، والتركيّة بدرجة أقلّ.
قد يتساءل البعض عن أسباب هذا التركيز على طهران وبدعم أمريكي، رغم وجود تحديات أخرى تشغل بال واشنطن، بدءاً من الصين وليس انتهاءاً بكوريا الشماليّة، إلاّ أنّه عند مطالعة الوضع الداخلي للإدراة الأمريكية يتّضح أنّها لا زالت في مرحلة انتقالية نجح ليبرمان في استغلالها وتجييرها لصالحه، لتلتقي معه السعودية في تضخيم حجم “التهديد الإيراني” المزعوم، وتركب تركيا الموجه لأسباب سنذكرها في ثنايا هذه السطور.
إن ما حصل في مؤتمر ميونيخ يؤسس مجدّداً للتحالف الإسرائيلي السعودي المشترك ضدّ الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، هذا التحالف الذي كثُر الحديث عنه في الأيّام الأخيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: رغم أن مؤتمر ميونيخ للأمن كان منصّة ثلاثيّة (إسرائيلية تركية سعوديّة) مشتركة للهجوم على إيران، إلاّ أن الواقع يبقى مغايراً بعض الشيئ. في الحقيقة، إن انشغال الإدارة الأمريكية بمرحلتها الإنتقالية، ليس آخرها تعيين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للجنرال اتش. ار. ماكماستر مستشارا لشؤون الأمن القومي خلفا لمايكل فلين الذي استقال، ساهم بتركيز الأطراف على طهران. بعبارة أخرى، لو أن واشنطن حضرت بثقلها السابق لسمعنا بشكل أكبر عن كوريا الشمالية وبحر الصين والجنوبي و… وهذا ما لم يحصل.
ثانياً: لم يكن مستغرباً الهجوم الإسرائيلي السعودي المشترك على إيران، إلا أنه ما بدا لافتاً هو تزامن هذه التصريحات مع مؤتمر طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية. فبدل أن تكون السعودية حاضرةّ في مؤتمر طهران لدعم القضيّة الفلسطينية، تشاطر الكيان الإسرائيلي في الهجوم على إيران الداعم الأبرز لقضية فلسطين، قضيّة -كما هو مفترض- العرب والمسلمين الأولى. يبدو أن السعودية التي خسرت العديد من الأنظمة العربية التي كانت في جانبها سابقاً، كمصر واليمن وعمان و.. ستخسر ما تبقى لها من الشعوب العربية، ليس ذلك فحسب، بل سيقف الكثير من هؤلاء إلى جانب طهران، فرغم خذلان الأنظمة العربية لا تزال فلسطين القضية الأولى لغالبية العرب والمسلمين.
ثالثاً: لا نعوّل كثيراً على الكلام التركي الذي له أسبابه، ونستبعد أن تتأزم العلاقات أكثر فأكثر بين البلدين، لأسباب اقتصاديّة وأخرى سياسيّة. إن كلام أوغلو المستغرب بعض الشيئ لدى شريحة واسعة، يبدو طبيعياً باعتباره يأتي بعد أيّام على زيارة أردوغان للسعودية وتوقيعه لجملة من المشاريع الاقتصاديّة. اعتدنا بعد كل زيارة لأردوغان إلى السعودية أن يهاجم إيران طمعاً في جملة من المشاريع الاقتصاديّة لدعم الاقتصاد التركي الهش حالياً، إلا أن هذا الكلام لن يؤثر على واقع العلاقة بين أنقرة وطهران، خاصّة أن الأولى لن تضحي بالتبادل التجاري مع الأخيرة والذي يبلغ أكثر من 35 مليار دولار. باختصار إنّها “سحابة صيف” لكلا الطرفين انتهت عند انتهاء كلمة أوغلو في ميونيخ.
رابعاً: بدا لافتاً ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية عن ما قاله السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي على هامش المؤتمر، وذلك في مقابلته مع محطّة “صوت أمريكا” مشيراً إلى ضرورة أن تحذف إيران شعار “الموت لإسرائيل” من على صواريخها. وفي هذا الكلام إشارتين رئيسيتين، الأولى تتعلّق بأبرز أسباب العداء الأمريكي لطهران وهو الكيان الإسرائيلي ودعمها للقضيّة الفلسطينية، والثانية هو حجم النفوذ الصهيوني في الإدارات الأمريكية المتعاقبة التي تدفع بسيناتو أمريكي للحديث عن شعار “الموت لإسرائيل”، متغافلاً عن شعار “الموت لأمريكا” التي تصدح به حناجر الشعب الإيراني بعد كلّ صلاة، وعند كل مناورة.
خامساً: كما ربحت طهران خلال السنوات الماضيّة، الأمر الذي زاد من حدّة الهجوم عليها واتهامها باحتلال أربع عواصم عربية (بيروت- دمشق- بغداد- صنعاء) ، نعتقد أن طهران اليوم هي الرابح الأبرز من مؤتمر ميونيح لأسباب ثلاث. أوّلها رفع منسوب الدعم الشعبي العربي والإسلامي بسبب دعمها للقضية الفلسطينية وتزامن هذا المؤتمر مع مؤتمر دعم الانتفاضة، مقابل خسارة السعودية. ثانيها التأكيد مجدّداً على تذبذب أعدائها ومنافسيها، وفي مقدّمتهم السعوديّة وتركيا، بسبب استخدامهم لشعار “الغاية تبرّر الوسيلة”. وثالثها اعتماد طهران على استراتيجية الشعوب، أي الانحياز لصالح الشعوب وليس الأنظمة.
رغم أن هذا المؤتمر أضرّ بسمعة طهران بعض الشيئ بسبب استخدامه لسياسة “إيران فوبيا”، ورغم الوضع الكارثي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية اليوم في ظل الحديث عن تحالف عربي إسرائيلي، إلا أن مستقبل المنطقة يبدو زاهراً لأن مشروع إسقاط سوريا قد سقط و لأن وقوف بعض الأنظمة العربية إلى جانب الكيان الإسرائيلي يعني انحياز شعوبها بشكل علني إلى جانب محور المقاومة. باختصار، ومن مؤتمر ميونيخ إلى مؤتمر الانتفاضة، إن محور المقاومة هو الرابح الأكبر.
المصدر / الوقت