قراءة في زيارة جون ماكين إلى شمال سوريا
لا يزال الغموض يلف الزيارة السريّة التي أجراها السيناتور الأمريكي الجمهوري، جون ماكين، إلى شمالي سوريا وذلك في إطار جولته الإقليمية التي شملت تركيا والسعودية.
ورغم أن ظاهر الزيارة جاء في سياق لقائه بقوات بلاده العاملة في المنطقة حيث اجتمع بالمسؤولين في القوات الأمريكية، التي تقدم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية في قتالها ضد تنظيم داعش شمالي سوريا، ولقائه بقادة منظمة “بي كا كا/ ب ي د” في مدينة عين العرب لمناقشة مكافحة داعش والعمليّات الجارية لاستعادة السيطرة على مدينة الرّقة السورية، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، إلاّ أن الشكل والتوقيت والمضمون يثير شكوكاً عدّة تتعلّق بالمنطقة العازلة والمشروع الأمريكي الجديد في الشمال السوري.
زيارة عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، التي تعدّ انتهاكا للسيادة السوريّة، ليست الأولى، ففي العام 2013 عمد إلى إجراء زيارة مماثلة التقى خلالها قادة “الجيش الحر” حيث جاءت الزيارة حينها في وقت حرج بالنسبة للمعارضة المسلحة التي كثفت دعواتها للحصول على دعم أمريكي يشمل أسلحة ثقيلة وإقامة منطقة حظر جوي.
ماكين خلال زيارته السابقة عام 2013
ماكين خلال زيارته السابقة عام 2013
وكما في الزيارة السابقة، عمد ماكين على إعطاء زيارته بعداً أمنياً وعسكرياً عبر تسريبها ابتداءً من قبل بعض الصحف الغربية، ليعود مكتبه ليؤكدها لاحقاً، إلا أنّه وقبل الدخول في أبعاد الزيارة لا بد من مقدّمة موجزة عن السيناتور ماكين الذي عبّر في زيارته السابقة عن قلقه من تزايد دور حزب الله وإيران داخل سوريا، دون أن يذكر الجانب الروسي باعتبار أن موسكو لم تتدخل في سوريا ذلك الحين.
يعد السناتور ماكين من أبرز صقور الحزب الجمهوري، وأبرز المنتقدين ﻟﺴﯿﺎﺳﺔ إدارة الرئيس الأمريکي ﺑﺎراك اوﺑﺎﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎطﻲ ﻣﻊ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ اﻟﺴﻮرﻳﺔ، ويعتبر من أبرز المؤيدين لكافّة الحروب الأمريكية التي خاضتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة ضد العرب والمسلمين، فضلاً عن مطالبته في أوقات سابقة بضرب ايران.
لا شكّ أن زيارة السناتور الجمهوري تهدف للحفاظ على المصالح الأمريكية، وفق تعبيره، وهنا لا بد من الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: لا يمكن فصل هذه الزيارة عن المشروع الأمريكي لحصد مكاسب هزيمة تنظيم داعش الإرهابي حيث تسعى واشنطن في المرحلة الراهنة لأن تكون شريكة في النصر على الإرهاب سواءً في سوريا أو العراق. فبدءاً من زيارة ماكين إلى الشمال السوري، مروراً بزيارة وزير الدفاع الأمريكي الجديد جيمس ماتيس إلى العراق، وكذلك التصاريح الإعلاميّة الغربية حول مشاركة قوات أمريكية وبريطانية بقيادة الهجوم الذي تنفذه القوات العراقية لتحرير الجانب الغربي من مدينة الموصل، ووصولاً إلى مهاجمة المتحدث باسم التحالف الدولي العقيد الجوي جون دوريان، للدور الإيراني في مكافحة الإرهاب، هناك سعي أمريكي لحصد نتائج هزيمة داعش بعد أن لمست واشنطن وحلفاؤها هزيمة المشروع التكفيري.
ثانياً: إن سياق الزيارة الإقليمية التي تنقّل خلالها من السعودية إلى تركيا تشي بمشروع أمريكي جديد في حقبة ترامب يعمد إلى جمع الحلفاء، وربّما العمل على إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري، خاصّة أن الزيارة جاءت في الوقت الذي تناقش فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خططا عسكرية ضد تنظيم “داعش”، إلا أن الدعم الأمريكي للأكراد ألد أعداء أردوغان يعتبر إحدى أهم نقاط الخلاف بين أنقرة وواشنطن، فهل ينجح ماكين في تطويق هذا الخلاف؟
ثالثاً: زيارة ماكين الأولى جاءت ضمن مسلسل الصراع بينه وبين إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حول سوريا، حيث يسعى الأول لتدخّل أمريكي عسكري مباشر في سوريا بينما کان أوباما يرفض ذلك، فهل سينجح رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ أن يفرض رؤيته على إدارة ترامب؟ وهل “تقييم الأوضاع على الأرض”، وفق بيان مكتبه، يعدّ مقدّمة لفرض منطقة حظر جوي في أجزاء من الشمال السوري، باعتبار أنّه من أبرز المؤيدين لهذا المشروع؟
رابعاً: إن رؤية ماكين تبقى حبراً على ورق في حال رفضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو ما فعلته إدارة أوباما سابقاً. ورغم العديد من نقاط الإلتقاء في المواقف بين ترامب وماكين، إلا أن مرشح الانتخابات السابق في العام 2008 قد تخلى عن ترامب في حملته الانتخابية، في حين هاجمه الرئيس ترامب مطلع الشهر الجاري قائلاً “إن الولايات المتحدة غارقة في صراعات عبر العالم، والساسة أمثال السيناتور جون ماكين يتحملون جزءا من المسؤولية عن ذلك”. ليرد عليه ماكين بعد أيام معتبراً أن إدارة ترامب “في حالة اضطراب”، وهذا ما يفسّر استغلاله لحالة الاضطراب هذه والتوجّه إلى الشمال السوري.
خامساً: ماكين الذي قال إن دونالد ترامب لا يفهم سوريا إبان الحملة الرئاسيّة، اعتبر قبل أيّام أن تولّي ترامب الرئاسة يعدّ فرصة مهمّة في الشأن السوري، إلا أن أي مشروع أمريكي وفق رؤيته قد يصطدم مع الرؤية الروسية وهو ما يسعى إليه السناتور الجمهوري بخلاف رؤية ترامب المعلنة. هنا تجدر الإشارة إلى أن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي قد حذّر الرئيس ترامب من رفع العقوبات المفروضة على روسيا.
وبين رؤية ماكين وقرار ترامب، تبقى الكلمة الفصل للأخير رغم تأثير الأوّل بعض الشيئ، وبما أن إدارة ترامب لا تزال مضطربة، وفق كلام ماكين نفسه، فلا يزال الغموض يلف الموقف الأمريكي الذي قد ينقشع قريباً.
المصدر / الوقت