الجيش السوري يخطُّ معادلات الميدان، فهل سقطت طموحات تركيا في منبج؟
عاد الميدان من جديد ليكون الحكم في صنع التوازنات وصياغة المعادلات إنطلاقاً من الأزمة السورية. وعاد الجيش السوري ليكون عرَّاب هذه المعادلات. فيما تعيش أنقرة، حسرة الواقع الجديد الذي جعل من الأكراد والدولة السورية في موقع التحالف. وهي التي لم تبخل يوماً في إعلان سعيها لإسقاط النظام السوري والقضاء على الأكراد. الأمر الذي جعل كلاً من مصالح الأكراد والدولة السورية تتلاقى لتضرب طموح تركيا من جهة ومشروع واشنطن من جهة أخرى. فماذا في الطموح التركي وما الذي حققه حتى اليوم؟ وما هي الحقائق الميدانية الجديدة التي عقَّدت مشروع أنقرة؟ وما هي دلالات ودروس ما يجري؟
الطموح التركي: ماذا فعلت أنقرة حتى اليوم؟
تُصر تركيا على اعتبار الإتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية أي وحدات حماية الشعب تنظيمين إرهابيين لا بد من قتالهم ومنعهم من التقدم بل إجبارهم على التراجع إلى شرق نهر الفرات. وهو ما عاد وأكده خطاب أردوغان منذ أيام في محاولةٍ لإظهار القوة التركية معتبراً أن المرحلة التالية بعد الباب ستكون منبج التي تبسط قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الوحدات الكردية سيطرتها عليها. في حين أعلن الجيش التركي عن استعادة كامل الباب.
يُذكر أن الجيش التركي تدخل في آب الماضي في شمال سوريا، لقتال تنظيم داعش الإرهابي ومنع إقامة إقليم كردي مستقل على حدوده. لكنه تكبد في إطار عملية “درع الفرات” خسائر كبرى خصوصاً في المعارك التي أفضت إلى استعادة مدينة الباب آخر معقل لتنظيم داعش في محافظة حلب الشمالية.
حقائق الميدان تُعقِّد المهمة على التركي!
عدة حقائق ميدانية يصطدم بها الطموح التركي اليوم، يمكن ذكر أهمها في التالي:
أولاً: سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على منبج العام الماضي، بعد أن كانت خاضعة لتنظيم داعش الإرهابي. وهي تُسيطر اليوم على جزء من مدينة حلب والتي تُعتبر تحت سيطرة الجيش السوري منذ انتصاره في معركة حلب في كانون أول 2016. يُضاف الى ذلك أن وحدات حماية الشعب، ما تزال تُشكل الركيزة العسكرية لثلاث مناطق تتمتع بإدارة ذاتية أقيمت في المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمال سوريا منذ بدء الصراع في 2011، تؤخذ بعين الإعتبار أمام أي تحرك تركي.
ثانياً: نجح الجيش السوري في السيطرة على 22 بلدة في جنوب مدينة الباب خلال الأسبوع الماضي. كما نجح في السيطرة على الطريق الواصل بين الباب ومحافظة الرقة الشمالية، وبات اليوم على تخوم منبج. وهو ما يقطع الطريق عسكرياً على عملية درع الفرات. كما من المعروف أنه لا يزال للجيش السوري موطئ قدم في القامشلي والحسكة في شمال شرق سوريا والذي تهيمن عليه وحدات حماية الشعب. يُضاف الى ذلك وجود طريق مباشر يسيطر عليها الجيش السوري بين منبج وبين مدينة حلب.
أمام هذا الواقع الجديد: هل سقط الطموح التركي؟
عدة دلائل تتعلق بالميدان السوري محلياً وإقليمياً ودولياً، تُسقط المشروع التركي، وتفرض معادلات جديدة. نُشير لها فيما يلي:
أولاً: من الواضح أن التصريح والخطاب التركي شيء والقدرة على التنفيذ شيء آخر. حيث أن مسألة التقدم التركي نحو منبج، لا يمكن أن تتحقق دون تنسيق تركي مع الجهات الأمريكية والروسية. وهو ما لا يبدو مطروحاً، خصوصاً أن روسيا لن تخرج من معادلات التحالف واقعية مع الدولة السورية، كما أن أمريكا لن تبيع ورقة الأكراد على الرغم من براغماتيتها مع الطرفين التركي والكردي.
ثانياً: تُعتبر إنجازات الجيش السوري وتقدمه حق شرعي له. وما الحديث عن تنسيقه مع روسيا إلا من باب وجود ضرورة عسكرية تنفيذية وتحالف استراتيجي. حيث تُعتبر الدولة السورية صاحبة القرار الأول والأخير على الأراضي السورية. وهو ما ترجمته من خلال التقدم الذي أحرزه الجيش السوري مؤخراً في جنوب الباب والذي من شأنه أن يُعقد مهمّة درع الفرات.
ثالثاً: إن التدخل العكسري التركي من الناحية النظرية يهدف لضرب كل من الأكراد والنظام السوري، وهو ما لا تُخفيه أنقرة، الأمر الذي يُعتبر أحد أهم أسباب تعزيز التقارب بين الجانبين. فيما من المتوقع أن يحصل تحالف بين الطرفين السوري والكردي ولو أن ذلك مرهون بعض الشيء بأطراف دولية على علاقة بالملف.
رابعاً: من المعروف أن أمريكا هي الداعم الرئيسي للوحدات الكردية، وإن كان ذلك لأسباب تتعلق بالمصالح الأمريكية. لكن يبدو أن الطرف الكردي قرَّر اللعب على التناقضات والتقرب من الدولة السورية. خصوصاً بعد أن خذلته واشنطن مراراً. وهو ما تعرفه دمشق وسعت لإستثماره عبر محاولة لإيجاد تكاملٍ ميداني ذكي، يضرب مصلحة الأطراف البراغماتية التركية والأمريكية. ما يزيد من التحديات أمام أنقرة التي تعلن رفضها التعاون مع الأكراد.
خامساً: أثبتت أنقرة أنها طرف غير قابل للثقة. حيث تعلم كل من أمريكا وروسيا بالإضافة الى سوريا – مع لِحاظ التفاوت في قراءة الواقع لدى هذه الأطراف – أن طموحات تركيا قد تتخطى مصالح روسيا وأمريكا فيما يخص الأزمة السورية، كما أنها لم تراعِ مصالح الشعب السوري يوماً. وهو ما يجعل تركيا تدفع ثمن الخطأ في قراءة الواقع السياسي الإقليمي والدولي، وحقيقة قوة الأطراف في سوريا. بالإضافة على عدم إصغائها للنصائح الإيرانية التي وجهها المسؤولون الإيرانيون مراراً. الأمر الذي جعلها تتحمل نتائج خسارة العديد من الأوراق التي تخص الملف السوري كحلب بالأمس ومنبج اليوم.
سادساً: أمام كل ما تقدم، نجد أن تركيا مُلزمة بإعادة تصويب العلاقة مع روسيا وإيران. حيث كان واضحاً وجود فتور في العلاقة خلال مؤتمر آستانة الأخير. وهو ما قد يتحقق مع روسيا إذا أرادت أنقرة خلال زيارة أردوغان المقررة الى موسكو في التاسع والعاشر من الشهر الحالي. أما بالنسبة للأكراد، فيبدو أن ما يجمعهم بالدولة السورية أقوى وأصدق مما يجمعهم بأمريكا. وهو ما يجب أن يؤمنوا به وينطلقوا منه.
بإختصار، هو الواقع الميداني يعود ليكون عرَّاب المعادلات. فيما لم تفلح كلٌ من أمريكا وتركيا، في تحقيق مصالحهم، أفلح النظام السوري في جعل الأكراد شريك الواقع الجديد. فيما ستبقى الأمور رهن التغيرات وما يملكه كل طرف محلي أو إقليمي أو دولي من أوراق. لكن المؤكد اليوم، أن طموحات تركيا في منبج سقطت!
المصدر / الوقت