أزمات نتنياهو الراهنة والسيناريوهات المحتملة
يواجه اليوم رئيس الوزراء الصهيوني “بنيامين نتنياهو” ملفات صعبة للغاية، وضعته أمام أزمة طاحنة تهدد حياته السياسية برمتها، وإن فشل في تدارك الأمور وتجاوز هذه المرحلة، نستطيع القول أن مستقبلا مظلما سيكون بانتظاره، لايلوح فيه أفق واضح ينقذه مما فيه اليوم.
يعاني نتنياهو هذه الأزمة الداخلية المستعرة، بينما خرج جديدا بعد فوز الرئيس الأمريكي اليميني “دونالد ترامب” من عنق الزجاجة التي أدخله فيها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لسنوات بسبب خلافات شخصية بينهما.
اليوم يعيش نتنياهو المعروف بعنجهيته وتكبره حالا يرثى له، إذ وصفه وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” بأنه رجل “جبان” يجب أن يرحل، قائلا:«مستقبل إسرائيل وجيشها بيد رئيس وزراء مضلل وجبان ويجب الإطاحة به وليس انقاذه»
بالمجمل يواجه نتنياهو اليوم أزمتين مستفحلتين بسبب ملفين بارزين، عكّرتا عليه صفو مزاجه السعيد بمجيء دونالد ترامب المقرب من القادة الإسرائيليين المستوطنين. الملفان هما:
الأول، ملف الفساد
يخضع بنيامين نتنياهو منذ نهاية 2016 لتحقيقات متواصلة بسبب ملفات فساد، حيث أخضعته الشرطة الإسرائيلية للتحقيق أربع مرات، آخرها كان يوم الإثنين الماضي 06 مارس 2017، وعلى الأغلب هناك جولات تحقيق قادمة في ظل تعدد ملفات الفساد التي يواجهها، ويمكننا تخليصها في العناوين التالية:
1ـ “ملف 1000” أو “الهدايا الثمينة غير المشروعة”
2ـ “ملف 2000” أو ما يمكن تسميته “شراء الولاء في الإعلام”، الذي يُتهم فيه نتنياهو بالتآمر مع “أرنون موزيس” ناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليمينية ضد منافستها صحيفة “يسرائيل اليوم”.
4ـ “تحميل الدولة تكاليف مضاعفة خلال السفريات الخارجية”
الثاني، ملف “شابيرا”
بينما لم تنته بعد التحقيقات القضائية مع نتنياهو بسبب تهم الفساد، وهو يحبس أنفاسه ويعدها بانتظار الحكم القضائي المحتمل بشأن هذه الملفات، دخل في معمعة أخرى ليست أقل خطورة من الأولى، بعد أن أصدر مراقب الكيان الصهيوني “يوسف شابيرا” تقريره عن حرب 2014 على قطاع غزة، أو عملية “الجرف الصامد” حسب التسمية الإسرائيلية.
واتهم التقرير القيادة السياسية الإسرائيلية المتمثلة في شخص نتنياهو بالفشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس في هذه الحرب، مما وضعه في حالة صعبة للغاية، يذكرنا بما مر على أخطر إمرأة في تاريخ الصهيونية، وهي رئيس الوزراء الإسرائيلية الأسبق “غولدا مائير” بعد الهزيمة التي لحقت بهذا الكيان في حرب السادس من أكتوبر عام 1973، حيث اضطرت إلى تقديم استقالتها نتيجة الضغوط الداخلية بسبب إخفاقات الجيش الصهيوني في هذه المعركة.
كما أن رئيس الوزراء الصهيوني السجين “إيهود أولمرت” مر بوضع مماثل، نتيجة إخفاقات إسرائيل في حربي تموز 2006 على لبنان، و2008 – 2009 على قطاع غزة.
اليوم التاريخ يعيد نفسه في فلسطين المحتلة، وهذه المرة المرشح لنيل المصير ذاته، هو أحد أكثر زعماء إسرائيل تطرفا في تاريخها، الذي تربع على السلطة عام 2009 للمرة الثانية، بعد حملة قام بها ضد سلفه “أولمرت” لإخفاقات الأخير في حرب تموز 2006 على لبنان، والتي وردت في تقرير لجنة فينوغراد الشهيرة، وكذلك الحرب على غزة نهاية عام 2008 وبداية عام 2009.
يوجه تقرير “شابيرا” اتهامات عديدة وخطيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي، منها:
– الإخفاق في الاستعداد المطلوب للحرب على غزة عام 2014، ولاسيما فيما يتعلق بمواجهة الأنفاق التي يرى التقرير أن الأفعال التي اتخذتها الحكومة والجيش لم تكن على مستوى التهديد الذي كانت تمثله هذه الأنفاق، والتقصير في إعداد خطط عسكرية وتدريب قوات لمواجهتها.
– إخفاء معلومات حساسة عن بقية أعضاء المجلس الوزاري المصغر من قبل رئيس الوزراء ووزير حربه.
– فشل المجلس الوزاري المصغر في تحديد أهداف إستراتيجية للجيش الصهيوني في هذه الحرب، مما أضطره إلى تحديد هذه الأهداف بنفسه.
سناريوهات مستقبلية
بعد هذه الأزمات المستفحلة التي يواجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي، ثمة سيناريوهات مطروحة فيما يتعلق بمستقبله السياسي خلال المرحلة المقبلة، أهمها:
1ـ سيناريو “البقاء والاستكمال”، أي أن تستمر الحكومة الحالية بقيادة نتنياهو في الحكم وتستكمل مدتها القانونية، إلى حين إجراء انتخابات الدورة الـ 21 للكنست عام 2019.
في ظل الأزمات التي تحدثنا عنها وأنها قد تدخل في مراحل خطيرة، ليس هذا السيناريو مرجحا، مع أنه في الوقت ذاته، ليس مستبعدا إلى حد كبير، خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية وبالذات رئيسها يحظى بدعم قوي من الإدارة الأمريكية الجديدة، وهنا لا ينبغي أن نغفل أن الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” حريص أكثر من نتنياهو نفسه، لبقائه على رأس السلطة في “إسرائيل”، والاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب مع نتنياهو أثناء تواجد الأخير في مقر الشرطة الإسرائيلية للتحقيق معه بتهم الفساد، له رسالة واضحة أن الإدارة الأمريكية تدعم الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو وتريد بقاء هذه الحكومة.
أظن أن أهمية هذا الاتصال ليست فيما دار بينهما، والذي قال الإعلام الإسرائيلي والأمريكي أنه كان يتعلق بالملف الإيراني وملفات إقليمية أخرى، بل أن ظروف هذا الاتصال أي أجرائه خلال عملية تحقيق الشرطة الإسرائيلية مع نتنياهو وفي مقرها، تعني أن الرسالة الأكثر أهمية التي أراد ترامب إيصالها، هي أنه مع بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي المقرب له في منصبه، وأنه يدعمه مهما كانت الظروف، لذلك أعتقد أن الأحزاب اليمينية المتحالفة مع حزب الليكود في الائتلاف الحكومي، هي المعنية بالدرجة الأولى بهذه الرسالة، فحواها “عليكم الحفاظ على هذا الائتلاف وعدم السماح لتفكهه”
2ـ سيناريو “الاستقالة”
السيناريو الثاني هو أن يقدم بنيامين نتنياهو استقالته في الحالات التالية:
أ: أن يتأكد أن مصير ملفاته القضائية والتحقيقات معه سوف يصل إلى مرحلة خطيرة ترغمها على الاستقالة، حينئذ قد يسبق هذه المرحلة، ويقدم استقالته طواعية، قبل أن يرغمه القانون على ذلك.
ب: أن ينتظر حتى يتم تقديم لائحة اتهام ضده، تمس بقواعد نزاهة الحاكم والائتمان، حينئذ عليه أن يتقدم باستقالته. لأن نزاهته وائتمانه باتتا محل الشك. في هذا السياق، ما يجدر ذكره أن غالبية الصهاينة، يرون أن الإتهامات الموجهة لرئيس الحكومة الإسرائيلية في محلها، حيث نشرت صحيفة هآرتس العبرية استطلاعا للرأي مؤخرا جاء فيه، أن 57% من الإسرائيليين يعتقدون أن شبهات الفساد المحيطة بنتنياهو صحيحة، مقابل 28% يرون بطلان هذه الاتهامات.
ج: أن تتصاعد الضغوط الشعبية والحزبية على الحكومة التي وجه لها مراقب الكيان الصهيوني تهما قاسية بالتقصير في إدارة حرب 2014 على قطاع غزة، تضاف إلى الضغوط الناتجة عن التحقيقات بشأن ملفات الفساد، تجبر نتنياهو في نهاية المطاف لللجوء لخيار الاستقالة.
عموما، في ظل تزايد تقديرات صحفية إسرائيلية بشأن احتمال توجيه لائحة اتهام ضد بنيامين نتنياهو واقتراب هذه اللحظة، يبقى احتمال وقوع هذا السيناريو واردا إلى حد كبير، وهو يتعلق بمصير ملفات الفساد بالدرجة الأولى، إن كان ينتهي إلى تقديم لائحة اتهام ضده أم لا. ففي حين تم توجيه لائحة الاتهام بشكل يمس بنزاهته وائتمانه، عليه الاستقالة قانونيا ودون تردد.
3ـ سيناريو “الانتخابات المبكرة”
يبدو الائتلاف الحكومي الراهن مستقرا إلي حد ما، ودون إشكالية كبيرة حتى اللحظة، لكن في الآونة الأخيرة، وفي ظل التحقيقات مع نتنياهو وانتشار تقرير “شابيرا”، بدأت ترتفع أصوات من داخل الحكومة وخارجها تطالب بالدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.
عموما، وقوع هذا السيناريو ليس مستبعدا وهو على الأرجح السيناريو الأكثر وقوعا لأسباب عدة، نستعرضها فيما يلي:
أولا، غالبا ما يتم تقديم موعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في ظروف عادية لمجرد خلافات حزبية وعلى إثرها يتصدع الائتلاف الحكومي، ناهيكم عن الظروف الحالية التي يعيش رئيس الوزراء بأزمة لأسباب ذكرناها آنفا.
ثانيا، الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي ولأسباب لا تمت بصلة لما أوقع نتنياهو في أزمته هذه، ترغب في تفكيك هذا الائتلاف وتبكير الانتخابات أملا في الحصول على عدد أكبر من المقاعد، منها حزب “البيت اليهودي” برئاسة وزير التعليم والتربية “نفتالي بينت” الذي يشعر اليوم بنشوة القوة بسبب نجاحه في تمرير قانون “التسوية” الذي شرعن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي قامت عليها مستوطنات عديدة.
كما أن حزب “هناك مستقبل” بقيادة “يائير لابيد” المشارك في الائتلاف الحكومي سيكون من المستفيدين من تفكك الائتلاف الحاكم بعد نجاحه في بناء قاعدة حزبية على حساب اليسار الإسرائيلي التقليدي.
ثالثا، تزايد احتمالات الانشقاق في حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو بعد إعلان وزير الحرب السابق موشه يعلون نيته تشكيل حزب سياسي جديد قبل أيام، مما يعني أنه ينوي الانشقاق عن الليكود.
إن حدث هذا السيناريو الذي على الأغلب سيكون واردا خلال الفترة القريبة المقبلة، قد تشهد نهاية العام الحالي تنظيم انتخابات الدورة الـ 21 للكنست أو في أقصى التقدير بداية عام 2018.
جدير بالذكر أن انتخابات الكنيست الإسرائيلي تتم مرة كل أربع سنوات، لكن يمكن له أن يحل نفسه بأغلبية عادية (50+1) أي من خلال تصويت 61 نائبا من أصل 120 نائب، والدعوة لانتخابات مبكرة، سواء جاء هذا التبكير بتوافق أحزاب في الكنست إفشالا للحكومة أو بعد استقالة رئيس الوزراء طوعا أو كرها.
معظم أسباب تبكير الانتخابات في إسرائيل تعود إلى ائتلافية الحكومات فيها، حيث منذ قيامها عام 1948 إلى اليوم لم يفز أي حزب بأغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده، لذلك دائما يلجأ الحزب الحاصل على أكثر عدد من معاقد الكنست مقارنة مع غيره، إلى الائتلاف مع بقية الأحزاب لتشكيل الحكومة، وعندما يتصدع هذا الائتلاف وتقبل الحكومة على حالة انهيار، حينئذ يتم الدعوة للانتخابات المبكرة.
علما بأنه حتى هذه اللحظة قرر الكنيست تبكير الانتخابات ثماني مرات منذ تشكيله، كان آخرها الدورة الـ19 التي لم يكمل الكنست نصف فترته القانونية.
مصير نتنياهو بعد الانتخابات المبكرة
السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه بقوة أنه إذا ما جرت انتخابات مبكرة في “إسرائيل” كيف سيكون مصير رئيس الوزراء الحالي بعد الانتخابات؟ في الإجابة على هذا التساؤل ما يمكن قوله أنه إذا كان سبب تنظيم الانتخابات المبكرة هو استقالة نتنياهو كرها بعد توجيه لائحة الاتهام ضده، فعلى الأرجح سيموت الرجل سياسيا، لكن إذا كان السبب شيء آخر، هناك احتمال واحد لعودته للمشهد السياسي مجددا، ورغم أنه احتمال ضعيف لكنه وارد، هذا الاحتمال يتمثل في أن يفشل منافسوه في إقناع الجمهور الإسرائيلي بقدراتهم على توفير الأمن لهم ونجاح نتنياهو في إظهار نفسه الأقدر على ذلك، وخاصة بفضل سجله الحافل بالحروب والويلات على الشعب الفلسطيني. وتصوير نفسه الأقدر على مواجهة “الخطر الإيراني”، وخاصة في ظل الدعم القوي الذي يلقاه من حليفه الأمريكي ترامب.
الختام
خلاصة القول أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” في مأزق كبير اليوم، وخياراته للخروج من هذا المأزق ليست مفتوحة، وإنما ضيقة جدا، وحتى لو افترضنا قيامه بعدوان جديد على قطاع غزة، على الأرجح لن ينقذه من أزمته المستعصية، بل على العكس تماما، قد يقحمه في أزمات أكثر استفحالا في ظل اعتراف مراقب الكيان الصهيوني في تقريره الأخير عن الحرب الماضية بفقدان آلية لمواجهة سلاح الانفاق الاستراتيجي لدى المقاومة الفلسطينية في غزة. بالتالي، يمكننا القول أنه لا يلوح في الأفق مستقبل سياسي واضح لنتنياهو، يعيد له شوكته وقوته، وإنما هو اليوم بانتظار مستقبل مجهول المعالم قد ينتهي إلى السجن جنب سلفه “أولمرت” أو في أحسن الأحوال يقضي بقية حياته بعد الثامن والستين من عمره، وبعد أربع دورات في رئاسة الوزراء في الكنست كنائب، دون أن يتمكن حزبه من الحصول على مقاعد أكثر من غيره، كما في السابق، تمكنه من تشكيل الحكومة مجددا وللمرة الخامسة. الكلام الأخير أن نتانياهو يواجه حالة يمكن تسميتها بالاحتضار سياسيا وأنه ربما يلفظ أنفاسه السياسية الأخيرة.
بقلم صابر كل عنبري
المصدر / الوقت