استراتيجية تركيا في شمال سوريا
بعد تكثيف تركيا لتواجدها العسكري في شمال سوريا في الآونة الأخيرة يتوقع المراقبون أن تعمد أنقرة إلى انتهاج ثلاثة سيناريوهات محتملة لتحقيق أهدافها في هذه المنطقة.
ويمكن الإشارة إلى هذه السيناريوهات على النحو التالي:
الأول: إقامة “منطقة آمنة” بعمق 200 كيلو متر داخل الأراضي السورية لمنع تشكل “حكومة فيدرالية” من قبل الأكراد في شمال حلب.
الثاني: منع الجماعات الإرهابية من الاقتراب من الحدود التركية. وتتوقع أنقرة أن تقوم هذه الجماعات في المستقبل بتنفيذ عمليات انتقامية داخل الأراضي التركية.
الثالث: أن تقوم القوات التركية بالسيطرة على طريق الترانزيت الرابط بين مدينتي حلب وإدلب السوريتين من جهة ومدن جنوب شرق تركيا من جهة أخرى.
وتسعى أنقرة إلى رفع مستوى تواجدها في شمال حلب لتعزيز موقفها الميداني والسياسي والقيام بدور مؤثر في رسم مستقبل الأزمة السورية. كما تسعى القوات التركية إلى السيطرة على المناطق الواصلة بين إدلب ومحافظة الإسكندرونة لبسط نفوذها على كامل الشمال السوري.
وتجدر الإشارة إلى أن القوانين الدولية لا تسمح لأنقرة بإيجاد “منطقة آمنة” في شمال سوريا دون التنسيق مع الحكومة السورية. وفي حال قامت تركيا بهذا الإجراء من جانب واحد فإنها ستعرض الشرق الأوسط إلى مزيد من المخاطر الأمنية التي تواجهها المنطقة.
من ناحية أخرى تعارض إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قيام تركيا بالضغط على أكراد سوريا لمنعنهم من إقامة حكم ذاتي في مناطقهم، في وقت تصر فيه أنقرة على الحيلولة دون تحقق هذا الأمر لخشيتها من قيام أكراد تركيا بإقامة منطقة مشابهة في جنوب وجنوب شرق البلاد في المستقبل.
كما تعارض واشنطن مساعي تركيا لإقامة “منطقة آمنة” في شمال سوريا، مما أدى إلى تفاقم الخلاف في وجهات النظر بين ترامب ونظيره التركي “رجب طيب أردوغان” بهذا الخصوص.
ويعتقد بعض المراقبين بأن تركيا تسعى إلى ضم أراضي سوريّة من خلال إقامة “منطقة آمنة” في المدن المتاخمة لحدودها الجنوبية في شمال سوريا.
وتزعم أنقرة بأن منطقة شمال إدلب المحاذية لمحافظة الإسكندرونة هي جزء من الأراضي التركية طبقاً لمعاهدة عام 1938، وهذا الأمر يمثل في الحقيقة حلم قديم للدولة التركية منذ العهد الثماني وحتى تشكيل حكومة “مصطفی کمال أتاتورك” في مطلع عشرينات القرن الماضي. واستمر الخلاف بين دمشق وأنقرة بشأن هذه المنطقة منذ استقلال سوريا بعد جلاء القوات الفرنسية عام 1946 وحتى الآن.
وتعارض حكومة الرئيس السوري بشار الأسد قيام “منطقة آمنة” في شمال البلاد، وتؤيدها في ذلك الدول والأطراف الحليفة لاسيّما إيران ومحور المقاومة وتحديداً حزب الله.
كما ترفض موسكو الحليف الاستراتيجي الآخر لدمشق التواجد العسكري التركي على نطاق واسع في شمال سوريا. وقد أعلن الكرملين مراراً بأنه يعارض أي تدخل خارجي في الشأن السوري دون التنسيق مع حكومة الرئيس بشار الأسد، ويرى في ذلك انتهاكاً واضحاً لسيادة هذا البلد.
ويعتقد معظم المحللين بأن الجولة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة والتي شملت السعودية وقطر والبحرين كانت تهدف للتخطيط لإنشاء “منطقة آمنة” في شمال سوريا، الأمر الذي ترفضه دمشق وطهران ومحور المقاومة وإلى حد ما موسكو، والذي من شأنه أن يعقد العلاقات بين أنقرة وهذه الأطراف ويضعها في دوّامة من التجاذبات والمماحكات ويدخلها بالتالي في مستقبل مجهول يهدد الأمن والاستقرار في عموم المنطقة.
المصدر / الوقت