التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, سبتمبر 30, 2024

الدستور التركي الجديد وأثره على مستقبل البلاد 

لم يلبث البرلمان التركي أن انتهى من التصويت على مواد التعديلات الدستورية، والتي من المقرر أن يتم طرحها للاستفتاء الشعبي في أبريل المقبل، حتى بدأ المراقبون بتحليل هذه التعديلات لاستكشاف آثارها على مستقبل البلاد.

وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابدّ من التطرق إلى أهم هذه التعديلات التي تهدف إلى تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، حيث سيتم نقل كافة صلاحيات السلطة التنفيذية من رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية. ومنحت التعديلات لرئيس الدولة صلاحيات مطلقة منها:

– يحق له أن يعين مباشرة كبار مسؤولي الدولة بمن فيهم الوزراء دون الحاجة لموافقة البرلمان.

– يحق له التدخل في القضاء وتقرير ما إذا كان يتوجب فرض حالة الطوارئ أم لا دون الحاجة للرجوع للبرلمان ودون سقف زمني محدد؛ أي أنه يمكنه تمديدها لسنوات دون مسائلة من البرلمان.

– الجمع بين سلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء مع عدم إمكانية محاسبته في البرلمان فعلياً.

– إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يوم واحد. وهذا قد يؤدي إلى هيمنة الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس على البرلمان مما يخل بالتوازن بين الحكم والمعارضة، حيث ينصب الاهتمام على الانتخابات الرئاسية وليس البرلمانية مما سيؤدي لتهميش دور البرلمان.

– تعفي التعديلات الرئيس من إطلاع البرلمان على سير البرامج والنشاطات السياسية والاقتصادية، فلن تتم محاسبته أمام البرلمان.

– الرئيس لا يصدر القوانين ولكن له الحق في الاعتراض عليها وإلغائها، وهذا يعني التداخل في الصلاحيات بين السلطات التي من المفترض أن تكون مفصولة عن بعضها.

– وفقاً للتعديلات سيتم زيادة عدد أعضاء مجلس النواب من 550 إلى 600.

مما سبق يتضح أن التعديلات الدستورية “معدة خصيصاً” للرئيس أردوغان فهي تمنحه كل الصلاحيات التي يحلم بها، وحجة حزب “العدالة والتنمية” في إجراء التعديلات الدستورية هي أن دستور 1982 تم صياغته لتكون المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة مسخرتين لحماية القيم العلمانية. وبعد أن أنهى أردوغان نفوذ المؤسسة العسكرية بطرد وفصل المئات منذ منتصف تموز 2016 بعد الانقلاب العسكري الفاشل، جاء الدور على مؤسسة الرئاسة التي يجب أن تخدم مشروعه الطموح في السيطرة على الحكم. ليس هذا فحسب؛ بل أنه سيجعل الدستور التركي مسخر لخدمة مشروعه في البقاء بالحكم حتى عام 2029 عبر انتخابه أكثر من مرة رئيساً للبلاد وربما أكثر من ذلك.

من هنا يمكن القول بأن التعديلات ستؤدي إلى ما يلي:

– تعزيز احتمال فرض “نظام الفرد الواحد في الحكم” من خلال السماح له بالاستيلاء على كل الصلاحيات والسلطات في البلاد.

– التعديلات تنذر بالسقوط في نظام رئاسي سلطوي من خلال تحكمه في التشريعات ومنحه سلطات على البرلمان ونفوذاً مفرطاً على الجناح القضائي للحكومة.

– التعديلات ستقضي على أي فرصة لتحقيق حياد منصب الرئيس.

– طبقاً للتعديلات سيكون للرئيس الحق في الإبقاء على منصبه كرئيس للحزب الذي يمثله، ما يعني أنه سيكون له دور في اختيار أعضاء البرلمان المرشحين للانتخابات، وبالتالي سيكون له يد في السلطة التشريعية أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، سيصبح للرئيس الحق في تعيين عدد من القضاة في المحكمة العليا، ما سيعطيه نفوذاً في السلطة القضائية.

وتتركز مخاوف المراقبين في ميول الحزب الحاكم والرئيس التركي. ويكمن الخوف الأكبر من تحالف أردوغان مع الحزب الوطني، والذي من دون دعمه ما كان بإمكان الحزب الحاكم طرح فكرة التعديلات الدستورية في البرلمان.

والحزب الوطني، مبني على فكرة إقصاء الأقليات وخصوصاً الأكراد من الحياة السياسية. وقد يكون تصاعد نفوذ هذا الحزب في الحكم سبباً في القضاء على “عملية السلام” مع الأكراد.

وتشير المعارضة التركية لاسيّما “حزب الشعوب الديمقراطي” و “حزب الشعب الجمهوري” إلى حالة عدم الاستقرار الداخلي والتخبط في السياسة الخارجية وتراجع الاقتصاد وازدياد حدة العنف في المناطق الكردية في ظل السيطرة شبه الكاملة للحزب الحاكم على الدولة كأدلة قوية ضد فكرة أن النظام الرئاسي سيؤدي إلى الاستقرار.

وهناك إرادة واضحة لدى الحكومة التركية الحالية لتجاوز إرث دساتير الانقلابات العسكرية السابقة، والتي يُعد الدستور بشكله الحالي أحد منتجاتها، حتى وإن طرأت عليه عدة تعديلات منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002، لذا كان فشل انقلاب الـ 15 من يوليو 2016 إيذاناً بإطلاق عملية التعديلات الدستورية التي رتب لها حزب العدالة والتنمية.

ختاماً، فإن تركيا بعد الموافقة على التعديلات الدستورية لن تصبح تلك الدولة التي تمتلك رؤية سياسية ودور إقليمي فاعل مؤثر ورفاهية اقتصادية وعوامل جذب سياحي واستثماري، بفعل رغبة أردوغان الجامحة في تعزيز سلطته وإقصاء خصومه التي بلغت حداً وصفه بعض المراقبين بـ “الهستيري” لضمان استمراره بالسلطة أطول فترة ممكنة وتحقيق حلمه في إعادة أمجاد الدولة العثمانية متناسياً أن عصر الإمبراطوريات قد انتهى بلا رجعة.

وفي ظل التضارب الإعلامي بين الأحزاب السياسية التركية، تبقى الكلمة الأخيرة للصندوق الذي سيتوجه إليه الشعب في 16 من أبريل 2017.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق