الصورة الحقيقية للتوتر الأوروبي التركي: بعض الأسرار والحقائق!
تصاعدت حدة التوتر بين تركيا والدول الأوروبية والتى وصلت الى ذروتها نهاية الأسبوع الماضي. لكن لهذا التصعيد أسرار وحقائق يمكن أن تكون أساساً في تقييم مسار ومصير العلاقة بين تركيا وأوروبا. فكيف يمكن توصيف ردة الفعل الأوروبية وما لاقاها على الصعيد التركي؟ وما هو السر خلف هذا التوجه الأوروبي؟ ولماذا حصل ذلك بين الطرفين؟ وما هي النتيجة المُرتقبة لهذا التصعيد؟
الحزم الأوروبي ضد الجاليات التركية
عدة أحداث حصلت خلال الأسبوع المنصرم عبَّرت عن حزم أوروبي في التعاطي مع الجالية التركية حيث:
-ألغت السلطات السويدية تجمعاً لمؤيدى التعديلات الدستورية دون إبداء أسباب.
-أقدمت السلطات الهولندية على منع طائرة وزير الخارجية التركى مولود أوغلو من الهبوط مساء السبت. كما أقدمت السلطات الهولندية على توقيف سيارة وزيرة الأسرة التركية “فاطمة بتول صيان قايا” بعد وصولها برا قادمة من ألمانيا لإلقاء كلمة دعائية أمام تجمع للجالية التركية.
– دخلت سويسرا على خط الدول التي تمارس تضييقاً على الفعاليات التركية بعد منعها تجمعا كان من المقرر أن يتحدث فيه أحد السياسيين الأتراك المؤيدين للتعديلات الدستورية.
-أعلنت النمسا أنها تعكف على صياغة تعديل قانوني لمنع السياسيين الأجانب من تنظيم حملات انتخابية في البلاد، وهو ما تزامن مع منع النشاطات التركية.
التصعيد التركي
أعلنت الحكومة التركية في المقابل عدم رغبتها فى عودة السفير الهولندي لدى أنقرة والذى يقضى عطلة خارج تركيا. كما استدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال الهولندي وأقدمت على غلق السفارة الهولندية فى العاصمة أنقرة، وقنصليتها بمدينة اسطنبول، كما أغلقت مقرات الفريق الهولندي الدبلوماسي. فيما ساد التوتر التصريحات الألمانية التركية منذ أيام في ظل تبادل الإتهامات بالفاشية والتجسس.
السر خلف التصعيد الأوروبي
بحسب ما تُشير المصادر الأوروبية، فإن خلف الإدعاء الأوروبي بعدم السماح للمسؤوليين السياسيين في الدول الأخرى، باستخدام اراضيها لحملاتهم الإنتخابية تحت حجة أنها تُشكِّل خطراً على النظام والأمن العام، توجد حقائق أمنية أخرى. فقد بدأ التصعيد بين أنقرة والعديد من العواصم قبل أسابيع حيث فرضت السلطات فى العديد من الدول قيوداً على التجمعات التى ينظمها السياسيون الأتراك لحث الجالية التركية على التصويت فى استفتاء منتصف نيسان المُقبل. وكشفت المصادر الأوروبية أن موجة التصعيد بدأت بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية في ألمانيا والنمسا وهولندا تورط رجال دين أتراك تابعين للهيئة الدينية التركية في أنشطة تجسس المنظمات والجمعيات التابعة للمعارض التركي فتح الله غولن. وهو ما أكدته السلطات الألمانية حيث قامت بدهم منازل 6 رجال دين في العاصمة برلين وصادرت وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق كشفت تورطهم فى أنشطة استخباراتية. وهو ما دفع الحكومة التركية إلى إعادتهم لبلادهم فى محاولة لإحتواء الموقف.
حقيقة ما يجري: أسباب، دلالات وتحليل
إن كل ما يجري يدخل في خانة المسار المتأزم للعلاقات الأوروبية التركية. فيما تجدر الإشارة للتالي:
أولاً: إن مواقف بعض الدول الأوروبية ضد لقاءات الجالية التركية تنسجم مع المسار المتوتر من العلاقة بين أنقرة ودول الإتحاد الأوروبي، والتي ترفض دخول تركيا في الإتحاد الأوروبي وسعيها فقط لإدانة السياسة التركية المحلية وردات الفعل التي تقوم بها السلطات التركيةً.
ثانياً: صحيحٌ أن مساعي عرقلة التجمعات المؤيدة للتعديلات الدستورية في تركيا، يصدر عن جهات محلية وبلدية لكن حصول ذلك في أكثر من دولة يدل على وجود إرادة سياسية أوروبية عامة راغبة في دعم هذه التوجهات ضد النظام التركي.
ثالثاً: تحاول الدول الأوروبية التعبير عن انزعاجها من النهج السياسي الذي تسير عليه تركيا اليوم، وهو ما يتماشى مع العقلية الغربية التي تعتبر تركيا دولة أوروبية من الدرجة الثالثة. فيما يهدف ذلك الى كبح جموح الطموح العثماني التركي الذي بات يُعتبر أحد مصادر تهديد الأمن القومي الأوروبي خصوصاً لجهة مشاريع دمج الثقافات.
رابعاً: يُعتبر الوجود التركي في أوروبا كبيراً من الناحية الديموغرافية. وهو ما تؤكده ردة الفعل الأوروبية. الأمر الذي يجعل من المساعي لإدارة هذا التواجد هدفاً للسلطات الأوروبية في عدة دول. خصوصاً بعد أن تبيَّن أن الطرف التركي يُعطي الأولوية لقوميته على حساب مشاريع الإندماج الثقافي التي يَسعى الأوروبيون لترسيخها في المجتمع الأوروبي. مما يعني وجود توجه فعلي لحجب الجالية التركية في أوروبا عن المشاريع السياسية لسلطاتهاا المحلية في تركيا.
خامساً: ليس صدفةً أن كل ما يجري، يتزامن مع التغيُّر السياسي في أوروبا. حيث يمكن وضع ذلك، ضمن المزايدات الداخلية بين الأحزاب السياسية الأوروبية والتي باتت تجعل من الحملة ضد تركيا شعار إنتخابي يستحوذ إهتمام الناخب الأوروبي الي ينظر بفوقيَّة تجاه الأتراك. وهو ما يمكن أن يُساهم في تحقيق مكاسب حزبية على الصعيد الداخلي الأوروبي في كل دولة.
ماذا في النتائج؟ وما حقيقة الصورة؟
بالرغم من أن ما يجري يُشكل خطراً على العلاقة بين الطرفين الأوروبي والتركي، لكن يجب الإلتفات لما يلي:
أولاً: بالنسبة للطرف التركي فإن ما يجري من حملات عرقلة ضد الفعاليات التابعة للنظام التركي في أوروبا، ستُساهم في دعم أردوغان داخلياً خصوصاً أنها ستُظهره في موقع المُستهدف. وهو الأمر الذي يعرف الأخير كيف يستثمره بشكل جيد.
ثانياً: بالنسبة لأوروبا، فإنها وبالرغم من تصعيدها تجاه أردوغان ومساعيه السياسية الخارجية، فإن الدول الأوروبية تعرف أن ثمن خسارة أنقرة، يعني استمرار وتعزيز تحالفها مع روسيا وبالتالي الذهاب نحو مستقبل مجهول في العلاقة مع الطرف التركي البراغماتي. في ظل وجود ضغوط من السياسة الأمريكية الجديدة والتي يبدو أنها لا تُناسب الطرف الأوروبي من حيث الآليات العملية والتوجهات الكبرى.
إذن تتعاطى أوروبا ضمن عقليتها الفوقية مع الطرف التركي. فيما تسعى أنقرة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وجدت فيها السلطات الأوروبية فرصة لإيصال عدد من الرسائل. لكن الطرفين الأوروبي والتركي يُدركون جيداً أنه لا غنى عن إعادة العلاقات نحو مسارٍ يُمكن فيه تحديد وتبادل المصالح. مما يعني أن السقف التصعيدي معروفٌ لدى الطرفين. وهو ما ستُحدده خياراتهم المستقبلية.
المصدر / الوقت