شرعية سلاح المقاومة؛ شعبياً، رسميّاً ودولياً؟
تعدّ الشرعيّة الداخلية، بشقّيها الرسمي والشعبي، لأي طرف ما، منطلقاً لإضفاء شرعية دولية على هذا الطرف والعكس صحيح.
التقرير الذي صدر مؤخراً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، والذي قال فيه إن استمرار “حزب الله” في حيازة الأسلحة من شأنه أن يقوض سلطة الدولة اللبنانية ويتعارض مع التزامات لبنان بموجب القرارين 1559 و1701، لم يعر هذه الشرعيّة أي اهتمام يذكر، بل ضرب بها عرض الحائط.
حزب الله يرد
عدم الاهتمام هذا من قبل غوتيريس، قابله عدم اهتمام مماثل من حزب الله لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة حيث وصف نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم التقرير بالطبل الأجوف، موضحاً:”وجد غوتيريس في قراره أن المشكلة وجود السلاح والمقاومة، ولم يجد أن المشكلة في الطيران الإسرائيلي الذي يخترق الأجواء اللبنانية يومياً، ولم يجد المشكلة بأن إسرائيل تحتل مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولم يجد أن إسرائيل تقوم بأعمال عدوانية إرهابية في فلسطين تنعكس على المنطقة وعلى لبنان”.
شرعية المقاومة
كثيرة هي أوجه الشرعية التي يضطلع بها الحزب، ففي حين يكفل ميثاق الأمم المتحدة مقاومة الاحتلال، ما يضفي على دور الحزب في جبهته الجنوبيّة على أقل تقدير شرعية دولية، يمتلك الحزب نوعين آخرين من الشرعية الأول رسمي والآخر شعبي.
على الصعيد الشعبي، يتمتّع سلاح الحزب بشرعية شعبية واسعة من قبل جميع المكونات اللبنانية، الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، وقد أكّدت العديد من استطلاعات الرأي هذه الحقيقة. لا تقتصر هذه الشرعية على الجبهة الجنوبيّة، بل إن ما قام به الحزب على الحدود اللبنانية السوريّة، الشرقيّة والشرقيّة الشمالية لاقى ترحيباً واسعاً، لاسيّما من فئة واسعة من المسيحيين الذي حماهم الحزب في القاع وغيرها من المناطق. هؤلاء الذين شاهدوا ما حصل لمسيحيي معلولة، والتي حرّرها سلاح الحزب نفسه في سوريا، أدركوا أن هذا السلاح هو ضمان لبقائهم آمنين على تراب الوطن، بخلاف لما حصل لجزء كبير من مسيحيي سوريا والعراق.
ربّما يقول قائل أن الشرعيتين المذكورتين أعلاه، الدولية والشعبية، غير كافية، باعتبار أن سلاح الحزب يجب أن يخضع للقانون اللبناني. ولكن، حتّى لو طالعنا شرعية الحزب لهذه الناحية، سنصل إلى النتيجة السابقة بحلّتها الرسميّة، أو القانونيّة لو صح التعبير. ففي حين يشرعن البيان الوزاري لكافّة الحكومات اللبنانية، بما فيها الحاليّة، سلاح الحزب في وجه الكيان الإسرائيلي، بدت لافتة مواقف الرئيس اللبناني ميشال عون التي تمثّل الموقف الرسمي للبنان، فقد قالها وبصراحة: سلاح المقاومة مكمل لسلاح الجيش في مواجهة العدو ولا يتناقض مع مشروع الدولة. ليس ذلك فحسب، بل إن هذا السلاح هو الذي حفظ الشرعية وحماها، وهو الذي مكّن الدولة من أخذ دورها وبناء مؤسساتها.
لن نكتفي بذلك، بل من حقّنا أن نسأل عن شرعية تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي يعدّ مخالفاً لميثاق الأمم المتحدة، وفق نص المادة /م2 ف 7/ ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل،لأن تحل بحكم هذا الميثاق”.
كلام غوتيريس ليس بالأمر الجديد، هو تكرار لما قاله سلفه بان كي مون قبل سبعة أعوام في تقريره الذي أخذه عن ممثله تيري رود لارسن الذي اكتفى بالأسف على الخروقات الإسرائيلية التي تعدّ خرقاً واضحاً للقرار 17011 واعتبرها تزيد من التوتر دون أيّ إدانة، إلا أنّه عندما وصل إلى المقاومة وصفها بالمليشيا، ولم يعترف بها كمقاومة. لم يكتفي بذلك فحسب، بل قال بأن “حزب الله يهدد أمن اللبنانيين ويشكل خطراً على أداء الحكومة اللبنانية”، خلافاً للبيان الوزاري اللبناني، أي الموقف اللبناني الرسمي.
الغريب أن التطاول الدولي هذه على سلاح الحزب، يأتي في ظل حصول القوات الدولية العاملة في لبنان على ضمانات من الحكومة اللبنانية وحزب الله على حدّ سواء. فالقرار 1701 لم يكن لينفذ لولا هذه الضمانات. لا ندري ما الذي قدّمه غوتيريس وأسلافه للشعوب في فلسطين واليمن والعراق عندما نالهم الإرهاب بوجهيه الصهيوني والتكفيري، وهو ما دفع بحزب الله منذ التأسيس لعدم التعويل على أي قرار دولي لاسيّما إذا كان الأمر يختص بالكيان الإسرائيلي.
التاريخ وتجربة أكثر من 30 عاماً من المقاومة لحزب الله علّمتنا “أن مقاومتنا بقوتنا وأيدينا وتضحياتنا هي الحلّ”، كما قال الشيخ قاسم، فالموقف سلاح، ليس حبّاً بالسلاح، باعتبار أن حزب الله هو الحزب البناني الوحيد الذي لم يتورّط بالحرب الأهلية اللبنانيّة، بل صبّ جام غضبه منذ التأسيس وحتّى كتابة هذه السطور الإرهاب الإسرائيلي، والذي أطلّ اليوم علينا من البوابة الشرقيّة للبنان بوجه التكفيري.
المصدر / الوقت