في ظل التحول الجذري الذي تعيشه المنطقة: اللاعبون الدوليون والإقليميون، أحجامهم والمعادلات!
يجري على الساحة الإقليمية العمل على خلط الأوراق في توقيتٍ حساسٍ ومفصلي من الناحيتين السياسية والعسكرية لا سيما قبل جولة مؤتمر المفاوضات السورية الجديدة. في حين يتوزع اللاعبون بين أطراف الصراع الدولي، أي روسيا وإيران من جهة، وأمريكا من جهة أخرى. وهو الأمر الذي بات يحتاج الى قراءة دقيقة، يتم فيها تقييم وضع اللاعبين ومستقبلهم على الصعيدين الدولي والإقليمي. خصوصاً لجهة موازين القوة والمعادلات. فيما يتخطى آثر ذلك الملف السوري. فماذا في التقييم الدقيق للاعبين الدوليين؟ وما هو وضع الأطراف الأخرى؟
أمريكا: التعويض عن الخسارة عبر إدارة نتائج الأزمات
في قراءة السلوك الأمريكي تجاه ملفات المنطقة يمكن لحاظ التالي:
أولاً: منذ وصوله الى البيت الأبيض، رفع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب السقف الخطابي تجاه إيران. محاولاً جعلها مركز الهجوم الدولي والإقليمي. ولم تكن صدفة أن قام بذلك، بل هدف منذ البداية التأكيد على أن سياسة التودد الأمريكي التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة تجاه طهران، انتهت.
ثانياً: وضع نصب أعينه فيما يخص ملفات الشرق الأوسط، هدفين مُعلنين: محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتعزيز الشراكة العملية في محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش. لم يكن ذلك إلا في محاولة للترويج الى أن الطرفين يمثلان نموذجاً للإرهاب. وهو ما دعمته تصريحات وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” عن أن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب على مستوى العالم.
من هنا، نجد أن اللاعب الأمريكي المعني بشكل ما في تحديد – أو التأثير بـ – بعض السياسات التي تتعلق بالمنطقة، إنتقل الى مرحلة إدارة نتائج الأزمة، وهو ما يقوم به عادة نتيجة سقوط كافة رهاناته. الأمر الذي يُفسِّر انتقاله الى سياسة مُناقضة لسياسة العهد السابق تعتمد على تأجيج الصراع مع إيران بكافة أشكاله.
إيران: المضي نحو مزيد من التعاظم
على المقلب الآخر تقف إيران. وهنا يمكن الإشارة للتالي:
أولاً: تختلف طهران في قراءتها عن كافة الأفرقاء. حيث أنها وفي ظل العهد الأمريكي القديم أو الجديد، لم تُغير سياستها تجاه واشنطن. وهو ما يُسجَّل لها كتفوقٍ في الرؤية الإستراتيجية.
ثانياً: ليس للتحول الأمريكي أيُّ أثرٍ على السياسة الإيرانية. حيث تمضي طهران في سياسة بناء جذور التواصل الإقليمي والدولي. وهو ما كلَّلته زيارات الرئيس الإيراني روحاني، الى بعض الدول العربية لا سيما الخليجية منها.
يمكن وبوضوح تبيين أن محاولة أمريكا مقارعة إيران، باءت بالفشل منذ البداية. حيث أن أوراق واشنطن المُفلسة، لم تكن بمستوى قوة إيران الإقليمية. وهو ما ستُثبته الأيام المقبلة.
روسيا: قطف ثمار الإنجازات عبر تثبيت الشراكة مع طهران
بين الطرفين تقع روسيا. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: اصطدمت واشنطن في طموحاتها المتعلقة بالتقليل من النفوذ الإيراني، بمصالح روسيا الإستراتيجية مع طهران. وعلى الرغم من الغزل الروسي الترامبي المتبادل، لكن الأمور لم تصل الى مرحلة النضوج لأسباب تتعلق في أهمها بأن أمريكا أضعف من أن تُشبع جموح روسيا التوسعي.
ثانياً: تسعى روسيا لتحقيق استراحة المحارب. فهي تنادي بالحلول السلمية السياسية، وتُحاول إدارة خيوط اللعبة كطرفٍ شبه وسطي. فيما وضعت سقفاً للخطاب الأمريكي، عنوانه أن إيران شريك في الحرب على الإرهاب.
يبدو واضحاً أن لموسكو حساباتها الخاصة. لكنها تُدرك الواقع بشكلٍ أكبر. وهي وإن كانت في موازين القوة مع الأمريكي أضعف، لكنها تسعى ومن خلال نسج تحالفتها مع إيران، للوصول الى معادلاتٍ تُرسِّخ مشاريعها في المنطقة، بحيث تكون أقوى من واشنطن.
بين هذه الأطراف الدولية: أطرافٌ إقليمية تُعيد رسم تموضعاتها
عدة أطراف أساسية يمكن تقييم وضعها كما نُشير في التالي:
الكيان الإسرائيلي ولعبة تقاطع المصالح مع بعض الأنظمة
تسعى تل أبيب من خلال علاقتها ببعض الجهات العربية، ضم حزب الله إلى القائمة التي تشمل تنظيمات “داعش” وجبهة “النصرة” الإرهابية. وذلك بهدف:
أولاً: التخلص منه وإقصائه سياسياً قبل الوصول الى أي تسوية كبرى مُرتقبة على مستوى المنطقة. يمكن أن تُرسخه كشريك بين اللاعبين الإقليميين. وهو ما يتقاطع مع مصالح أمريكا وبعض العرب وتركيا، الساعين لجعل ذلك ورقة ضد إيران.
ثانياً: اللجوء الى تبرير أي عمل عسكري أو استهداف للحزب، وهو ما يخدم رغبات تل أبيب في منع حصوله على أسلحة تعتبرها كاسرة للتوازن العسكري.
يبدو واضحاً أن التوجه الإسرائيلي صعب، نتيجة الواقع الجديد الذي فرضته مُخرجات الأزمة السورية وخطوط موسكو الحمراء في هذا المجال. لكن ذلك لا يعني الإستسلام الإسرائيلي. بل إن التوجه الإسرائيلي يقضي بالحشد عسكرياً والتخطيط لقوة عربية اسرائيلية مشتركة وهو ما له حساباته الخاصة.
حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة: محاولةٌ للعب على نقاط الضعف
بين أمريكا والكيان الإسرائيلي، تعيش بعض الأنظمة العربية لا سيما السعودية بالإضافة الى تركيا، حالةً من النزاع مع الواقع الحالي ومعادلاته الصعبة. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: يبرز الإصرار التركي على الحشد ضد الأكراد. فيما باتو جزءاً من المعادلات الإقليمية والدولية للأطراف. ما أضعف الطموح التركي، في ظل دعمهم من قِبل أمريكا وتنسيقهم المرحلي مع الدولة السورية.
ثانياً: تسعى الرياض للتماشي مع المخطط الإسرائيلي الهادف لحصار حزب الله والتلاقي مع المشروع الأمريكي ضد إيران في الحرب على الإرهاب وتصنيف الإرهابيين. وهو ما أبرزه التحفظ السعودي (وكذلك الإمارات والبحرين)، على البند التقليدي الذي يرد في بيانات جامعة الدول العربية والمتعلق بدعم لبنان في صراعه مع الكيان الإسرائيلي.
تعيش هذه الأطراف حالة من التخبط. لأسبابٍ تتعدى كونها فاقدة للإوراق السياسية والعسكرية وتصل الى الوضع الداخلي الذي تعيشه. فيما لن يكون لسياساتها أي أثر.
الدولة السورية: تثبيت النظام كبوابةٍ للعبور الى التفاهمات الإقليمية
في ظل وضعٍ متقدمٍ من حيث تعزيز القوة، يمكن تقييم وضع الدولة السورية كما يلي:
أولاً: استطاعت سوريا الخروج من مرحلة الحاجة لحلفائها الإستراتيجيين، الى مرحلة القدرة على النهوض السياسي والعسكري.
ثانياً: باتت الدولة السورية بنظامها وجيشها الحالي، بوابةً للعبور نحو التفاهمات. حيث أن سقفها هو المُعتمد لدى الطرفين روسيا وإيران.
من الواضح أن الطرف السوري بات اليوم في مرحلةٍ تُمكنه من نسج السياسات المحلية التي تُساهم في تعزيز وضعه على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهو ما يُخالف كافة المساعي الغربية التي هدفت لإقصاء النظام.
حزب الله: الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية لمحور المقاومة
في ظل عملية خلط الأوراق على المستوى الإقليمي لا يبدو حزب بعيداً عن الواجهة في المرحلة المقبلة. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: ينطوي حزب الله تحت مظلة محور المقاومة كرأس حربة. وهو ما جعل موسكو تعترف بأهمية دوره في سوريا، الأمر الذي تمثَّل بشكل واضح من خلال دعوة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الرئيس الأميركي إلى الإعتراف بالدور الأساسي الذي يقوم به الحزب على صعيد محاربة الإرهاب.
ثانياً: لا شك أن دور حزب الله سيكون من أبرز عناوين المرحلة المقبلة. لكنه ليس مطروحاً للتجاذبات بقدر ما هو رهن الحسابات والمعادلات الجديدة التي فرضتها نتائج أزمات المنطقة. وبالتالي فإن دوره الأساسي والمفصلي في ذلك بات محسوماً.
بيدو واضحاً ان حزب الله يُشكل مركزاً للإستهداف من قِبل العديد من الأطراف. حيث سيسعى البعض لمحاصرته عبر حلفائهم المحليين في لبنان، الى رفع منسوب الضغط العربي والإقليمي ضده. لكن التجربة أثبتت أن ذلك لن ينفع، لما بات يمتلكه الحزب من قدرة على إدارة الأزمات السياسية والعسكرية والأمنية والمالية معاً.
إذن يمكن ومن خلال ما تقدم، استنتاج أن الأطراف الأساسية في الحرب الإقليمية، يعيشون اليوم مرحلة قطف إنجازات السنوات السابقة. فبالرغم من وجود تحولٍ واضح في الوضع الذي يتجه اليه الشرق الأوسط، فإن لكل طرفٍ وضعه الخاص الذي يُعبر عن حجمه وقدرته على التأثير في المعادلات.
المصدر / الوقت