ماذا بعد داعش؟!
لا يختلف عاقلان في العالم العربي والاسلامي وفي القارات الخمس أن تنظيم داعش كان أفظع وأخطر تنظيم عرفته الساحة العربية والاسلامية في بداية الالفية الثالثة. والسؤال الاكثر حضوراً في الدوائر الامنية ومراكز البحث ومراكز القرار العربي والعالمي هو: ماذا بعد داعش؟!
صحيح أن المعارك الضارية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا قد يؤدي فقدانها “دولتها” المزعومة وخلافتها الوهمية، لكنه قد يؤدي أيضاً الى تنامي معدلات الاحباط داخل صفوف داعش مما سيفضي الى بروز مجموعات تتبنى نمطاً تكفيرياً اكثر تشدداً وانعزالاً ودموياً ضد من ألغوا خلافة الجماجم والرقاب المقطوعة والحور العين.
والذين يحاربون داعش أعدوا العدة عسكرياً، لكنهم لم يؤسسوا لمشروع ثقافي تنويري في بيئات داعش وفي البيئات المحرومة التي تستقبل أفكار داعش برحابة صدر ورحابة سيف، وبناءاً عليه فان تراجع تجربة داعش سيفضي الى انشطار الداعشية الى مجموعات اصلب في أفكارها ورؤاها، كما خرجت من رحم القاعدة قواعد لا تؤمن الا بالدم المراق والتفخيخ المدمر. وسيصعب على المجموعات الداعشية الاندماج مجدداً في المجتماعات العربية بل سوف تكر وتفر وتنعزل استعداداً لفرصة أمنية أخرى.
ومن هنا فإن هناك 5 خيارات رئيسية باتت امام تنظيم داعش الارهابي في المرحلة المقبلة:
أولاً- التمدد إرهابيا، كبديل للانكماش الجغرافي لدولته، والتركيز اكثر على الجانب العقائدي ونشره على أوسع نطاق ممكن كايديولوجية بعيدة المدى لبعث الخلافة الإسلامية.
ثانياً- الهجرة الى الأماكن الرخوة، او الدول الفاشلة، مثل ليبيا واليمن والصومال والساحل الافريقي كبدائل لخسارة قواعده في سوريا والعراق ولو كخيار مؤقت.
ثالثاً- انتظار توفر فرص للعودة الى العراق وسوريا لاحقا، وهذا غير مستبعد، لان انفراط التحالف الحالي الذي يتوحد على ارضية محاربته (أي داعش) احتمال وارد بعد استعادة الموصل والرقة، لوجود تناقضات استراتيجية، مثل اعلان الاكراد المتوقع لدولتهم، وجعل كركوك عاصمة لها، وعدم تحقيق المصالحات الوطنية، واستفحال التحشيد الطائفي على جانبي المعاجلة المذهبية، وفي العراق خاصة.
رابعاً- لا نستبعد ان تشهد المرحلة المقبلة تعاونا بين اخطر تنظيمين إسلاميين إرهابيين في العالم أي القاعدة وداعش، فالاول في حال نهوض انطلاقا من قلب الجزيرة العربية واليمن تحديدا، وتتزعمه قيادة جديدة شابة، والثاني في حالة انكماش جغرافي سيدفعه للانتقام والثأر من مهاجميه واعدائه عبر التفجيرات الإرهابية.
خامساً- الانتقال الى التوسع في الهجمات الإرهابية، وفي الغرب تحديدا.
ويتبين لنا في الايام الماضية أن الهجمات الارهابية بدأت تزداد شيئاً فشئياً في اوروبا، والتي كان آخرها العمل الارهابي الذي ضرب لندن التي لم يكن اختيارها صدفة، بل ان اختيار البرلمان معقل الديمقراطية الغربية الاقدم ومحيطه كان اختيارا محسوبا بدقة، لان لندن تكتسب أهمية سياسية خاصة بحكم تاريخها وموقعها الجغرافي، إضافة الى عنصر اهم، وهو دورها الإعلامي، ومنفذو مثل هذه الهجمات، ومن يقفون خلفهم، يسعون الى احتلال العناوين الرئيسية في وسائل الاعلام العالمية وليس هناك افضل من لندن في هذا المضمار.
وبناءاً عليه قد يكون الجنين الذي يخلف داعش أشد وأخطر بل انه مرشح للعودة، وبصورة اكثر قوة في الأشهر وربما السنوات المقبلة، لان الحواضن والأسباب والنزعات الثأرية والانقسامات الطائفية والفوضى الدموية ما زالت موجودة، بل مرشحة للتوسع، في ظل عدم وجود أي مخططات حقيقة لازالتها، وتقديم النموذج الجاذب والبديل في مرحلة ما بعد استعادة الموصل والرقة. بالاضافة الى ذلك فان التطرف الديني والفقهي والتعصب سيظل قائماً، لماذا، لان النصوص الدينية التي يستند اليها تنظيم داعش وكل الجماعات المسلحة باسم الاسلام موجودة منذ 1400 عام والتي تسرطنت أكثر مع مرور السنين.
المصدر / الوقت