ما وراء محاولات إيقاف عمليّة الموصل؟
هناك محاولات لرفع الأصوات المطالبة بوقف عمليّة الموصل. أصوات تكاد تعلو فوق صوت الرصاص. محاولات وجد فيها كثيرون انحيازاً لتنظيم داعش الإرهابي لوقف عمليات تحرير الموصل، في حين عمل آخرون على وضعها في السياق الإنساني وحماية المدنيين.
وبين محاولات الأخذ والردّ هذه في ظل عدم جرأة الكثيرين على المطالبة بها بشكل صريح، عمدت الكثير من الأطراف العراقيّة الرسميّة، السياسيّة والأمنية، للتأكيد على السير بالعمليات العسكرية في الجانب الأيمن من الموصل.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قال إن هناك منحازين لتنظيم داعش يسعون لوقف عمليات تحرير الموصل عبر توجيه اتهامات للقوات الأمنية العراقية، في حين دعا النائب عن محافظة نينوى عبد الرحيم الشمري إلى استمرار العمليات العسكرية في تحرير الساحل الأيمن من مدينة الموصل كونها تمثل “الخلاص لأبنائها”، محذراً ” من إيقاف تلك العمليات كونها ستتسبب بضرر كبير لابناءالمدينة”.
شهادة ابن محافظة الموصل، تتقاطع مع الفئة الساحقة من الشعب العراقي، إلا أن حجم التهويل الإعلامي بات يوحي للبعض بالعكس.
استراتيجيّة الانطلاق
لم تكن عمليات المطالبة وليدة الصدفة، بل هناك استراتيجية انطلاق عمد بعض أعضاء تحالف القوى لاستخدامها في عمليّة جمع تواقيع نيابية لاستصدار قرارٍ بهدف إيقاف العمليات العسكرية الجارية في الساحل الأيمن من مدينة الموصل، إلا أنّ أعضاء التحالف نفسه، من بينهم النائب علي البديري، إضافة إلى أغلب أعضاء مجلس النواب أعربوا عن عدم رضاهم بإيقاف تلك العمليات. ومن ضمن النقاط التي تعدّ استراتيجية الانطلاق نذكر:
أوّلاً: الضربّة التي نفّذها التحالف الدولي ضد المدنيين في المدينة، وهي ضربة كفيلة بوقف العمليات التي قطعت شوطاً كبيراً. ورغم أن هذه الضربة فشلت في إيقاف عملية تحرير الموصل إلاّ أنهاعمدت إلى عرقلتها الأمر الذي يصبّ في صالح التنظيم الإرهابي. هذه الخطوة تسمح للتنظيم الإرهابي بترتيب الصفوف، إما لرفد جبهات الموصل بالمقاتلين من سوريا، أو العكس، وفي كلتا الحالتين داعش هو المستفيد الأكبر، سواءً لناحية إعادة تنظيم صفوفه والعمل على محاولات كسب الشارع الموصلي للوقوف معه، أو لناحية استغلال توقف العمليات لشن هجمات مباغته ضد القطعات العسكرية العراقية.
ثانياً: التهويل الإعلامي متعدّد الأوجه بدأ من مرحلة ما قبل الضربة الأمريكية للمدنيين، ولا يزال مستمرّاً حتّى كتابة هذه السطور. الحديث عن عمليات تدمير في أيمن الموصل هو كلام مبالغ فيه جدا، وكذلك الأمر بالنسبة للضحايا المدنيين. تتشابه هذه الخطوة من قبل الوسائل الإعلاميّة نفسها بشكل كبير مع ما قدّمته خلال معركة حلب حيث تحدّثت عن أرقام مضاعفة، تبيّن بعد عمليات الأجلاء أنها لا تصل سوى إلى الثلث من الأرقام الحقيقة.
ثالثاً: داعش هو الآخر يعمل على الترويج للسياسة نفسها من خلال استخدامه أهالي المدينة دروعا بشرية. ما يعزّز هذه الرؤية هو ما كشفه رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة نينوى محمد إبراهيم عن وجود جهات وشخصيات تحاول إيقاف عمليات تحرير الساحل الأيمن لمدينة الموصل، مبينا أن أصوات تلك الجهات تعلوا كلما اقتربت نهاية تنظيم داعش الإرهابي.
إذاً، هناك جهات داخلية عراقيّة تسعى لإيقاف العملية، في حين يسعى التحالف الدولي لعرقلتها عبر استهداف المدنيين، رغم علمه مسبقاً أنّها ستكون مادّة دسمة للمطالبة بوقف العملية.
إيقاف مؤقت أو نهائي؟
إن الأصوات الداخلية العراقيّة تبدو غير مؤثرة نظراً لوجود شبه إجماع عراقي على المضي بالعملية حتّى تحرير البلاد، ولكن ماذا عن التحالف الدولي؟
في الإجابة، لا يسعى التحالف الدولي لإيقاف العمليّة بشكل تام، خاصّة أن الرئيس الأمريكي رفع شعار القضاء على التنظيم الإرهابي، إلا أنّه يسعى لعرقلتها لأسباب تتّصل بالميدان السوري حيث هناك محاولات لاستخدام هذه القوّات في مواجهة الجيش السوري وحلفائه، بدل أن يُقضى على أعضاء التنظيم في مدينة الموصل العراقيّة.
بعبارة أخرى، المشروع الأمريكي على الأراضي السوريّة، والذي يبدو غامضاً وفق الكثير من المراقبين بسبب غياب الرؤية الموحّدة بين البيت الأبيض والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزيّة، وبالتالي يسعى التحالف للتريث في القضاء على هؤلاء والاستفادة منهم لاحقاً في استنزاف الجيش السوري وحلفائه، كما أسلفنا أعلاه.
قد يطرح البعض تساؤلات محقّة من قبيل أن هذه المجازفة قد تكلّف التحالف كثيراً، وفي الإجابة يمكن الإشارة إلى أنّه في جميع الحالات لن تتعرّض القوات الأمريكية للاستنزاف والدخول في المواجهة مع داعش، بل ستعمل على الزجّ بالقوات الكرديّة خلال هذه المواجهة مقابل تقدم وعود لهم بكردستان الكبرى.
العراق، بات قاب قوسين أو ادنى من تحرير البلاد، فهل ستقطع بعض الأصوات الشاذة والتحالف الدولي هذه الفرحة على العراقيين؟ وهل سيعود الأمريكي مجدّداً إلى البلاد؟
المصدر / الوقت