أمريكا والأسد… سقوط الأوراق بالتقادم
قد يكون تصريح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يوم أمس فيما يتعلق بالساحة السورية ليس بالجديد على إدارة اعتادت اللعب على تغير موازين القوى، فعلى امتداد سنوات الصراع السبع التي كانت الولايات المتحدة أحد أبرز اللاعبين فيها، شهدنا تصاريح متناقضة للبيت الأبيض فيما يتعلق بالأزمة السورية وشخص الرئيس السوري بشار الأسد، منذ تصريح اوباما التاريخي بأن على الرئيس الأسد أن يتنحى في صيف 2011 وصولا إلى تصريح وزير خارجيته جون كيري بإمكانية التفاوض مع الأسد.
سياسة واشنطن
وبين الأخذ والرد يخرج علينا اليوم السيد تيلرسون بتصريح مبهم أخر ليس بالغريب على الإدارات الأمريكية المتعاقبة ويتماشى في الشكل والمضمون مع سياسة واشنطن بالشرق الأوسط، فمن مشروع آيزنهاور عن نظرية ملئ الفراغ في الشرق الأوسط مرورا بحلف بغداد في العام 1955 وصولا إلى جولات هنري كيسنجر المكوكية الساعية لإحلال السلام على الطريقة الأمريكية، اعتادت واشنطن على لعب أدوار مختلفة لتقويض دور الحكومات الوطنية في الشرق الأوسط وإجهاض أي محاولة لإقامة حكم عربي مستقل وفاعل وبعيد عن السياسة العامة لها.
وسوريا كغيرها من الدول لها تاريخ حافل في الصراع مع واشنطن، فهذا البلد العربي الذي نال استقلاله في أربعينات القرن المنصرم كان له حصة من الطبخات السياسية المعدة مسبقاً في دهاليز البيت الأبيض، الأمثلة كثيرة ومتعددة، نذكر منها انقلاب المشير حسني الزعيم على الحكومة الوطنية التي نالت الاستقلال في عام 1946، ومن ثم عدة انقلابات عسكرية دعمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إلى أن نصل إلى مايسمى بـ”الربيع العربي” وماتبعه من جهود أمريكية حثيثة لتحقيق أجندتها الخاصة بخلق أنظمة تابعة لها ولاتملك أي مفهوم أو معنى من معاني السيادة.
أمريكا والانقلابات المضادة
لهذه الدولة “أي أمريكا” باع طويل في إجهاض حركات التحرر الوطني ومحاولات وأدها في مهدها، فمن حادثة “خليج الخنازير في كوبا” في بدايات ستينات القرن الماضي ومحاولة إفشال الثورة الكوبية بقيادة الزعيم الراحل فديل كاسترو إلى دعمها للدكتاتوريات العسكرية في مشارق الأرض ومغاربها وخير مثال على ذلك عندما قامت إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بدعم الإنقلاب والإطاحة بالرئيس التشيلي المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي واغتياله في عام 1973، بالإضافة إلى دعم حركة الإخوان المسلمين في حربها المفتوحة ضد مؤسسات الدولة السورية بين ” 1977- 1985″.
وما أشبه الأمس باليوم فهاهي بلاد العم سام تضع كل ثقلها الاستراتيجي للإطاحة بالحكومة الوطنية السورية اليوم والسعي لإنهاء مؤسساتها وعلى رأسها الجيش السوري، حيث لايناسب الإدارات الأمريكية وجود هكذا جيش وطني عقائدي يشكل خطر رئيسي على ربيبتها “الكيان الصهيوني”، وها نحن نشهد اليوم كيف تقوم أمريكا بدعم الحركات المتأسلمة الراديكالية على الأرض السورية لوجستيا وماديا وعسكريا في بعض الأحيان.
الصمود السوري
لم يعد خافياً على أحد الدور المحوري الذي يلعبه الجيش السوري وحلفائه على مختلف انتمائاتهم في الدفاع عن وحدة التراب السوري وبذل الغالي والنفيس لحماية آخر قلاع المقاومة والممانعة في وقت بايعت فيه أغلب الأنظمة العربية الإدارة الأمريكية الجديدة مقدمة لها الطاعة عن طريق مبايعة الطفل الأمريكي المدلل “الكيان الإسرائيلي” في القمة العربية الأخيرة.
إسقاط الرئيس الأسد
وفي ضوء الأحداث الراهنة المتعاقبة ودمويتها، برهن الجيش السوري قدرته على أن يكون أحد أهم الأسباب والركائز في تغيير معادلات الحرب التي فرضت على بلده.
وهذا ما ظهر جليا في كلام أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي، حيث صرحت سفيرة الولايات المتحدة، نيكي هيلي، بأن أولوية واشنطن في سوريا لم تعد “إسقاط” الرئيس السوري بشار الأسد، وأضافت أن “أولويتنا هي كيفية إنجاز الأمور، ومن نحتاج للعمل معه لإحداث تغيير حقيقي للناس في سوريا..”، من جانبه قال وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون، أن مصير الرئيس الأسد يحدده الشعب السوري.
السؤال الذي يبقى مطروحا اليوم، هل أيقنت واشنطن أن نظرية الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد أصبحت بحكم المنتهية وفاقدة الصلاحية بعد أن أثبتت فشلها الذريع في سوريا، أم هي محاولة جديدة من البيت الأبيض لتغيير قواعد اللعبة وخلق مشاريع جديدة وفرض أطراف سياسية وعسكرية جديدة ذات نظرة انعزالية وقصيرة المدى.
كيف لا فعراب السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق، قال في أحد مقابلاته الصحفية بعد انتهاء الصراع في فيتنام وبعد أن أفنت بلاده وأحرقت مايقارب الثلاثة مليون فيتنامي، قال بعد تسلمه “جائزة نوبل للسلام”، ” أمريكا ليس لديها صديق أو عدو دائم، المسألة مسألة مصالح”.
وهنا نعود ونتساءل هل الكلام الأخير لواشنطن جاء بعد قناعة بعدم خطورة الرئيس الأسد أم أنه محاولة التفاف لتمرير مشاريع أمريكية جديدة في سوريا خاصة فيما يتعلق بالاكراد؟!، ربما كلام العراب الأمريكي كيسنجر في الأعلى أجدر بالإجابة على هذه الأسئلة.
المصدر / الوقت